سياسة عربية

ما هي المكاسب والخسائر السعودية من اختيار أبو الغيط؟

السعودية والإمارات توسطتا لدى قطر للوصول إلى اختيار أبو الغيط بإجماع عربي- أرشيفية
أشارت وسائل إعلامية مصرية إلى أن السعودية قادت وساطة مشتركة مع الإمارات للحصول على توافق عربي لاختيار أحمد أبو الغيط أمينا عاما للجامعة العربية، بعد اعتراض قطر على أبو الغيط كشخص، وطلب السودان تدوير المنصب بين الدول العربية.

وقالت مصادر لقناة "سي بي سي إكسترا" إن السعودية والإمارات توسطتا لدى قطر- بحضور نائب الأمين العام للجامعة أحمد بن حلي- للوصول إلى اختيار أبو الغيط بإجماع عربي وعدم اللجوء إلى التصويت، على الرغم من أن الدوحة لم تعترض على ترشيح مصري للمنصب، بل على شخص أبو الغيط الذي عرف بمواقفه المناهضة لسياسة قطر أثناء عمله كوزير للخارجية المصرية.

من جهتها، قالت صحيفة "سودان تربيون" إن السعودية والإمارات قادتا وساطة أخرى لحث السودان على الموافقة على ترشيح أبو الغيط، والتراجع عن موقفها المطالب بتدوير منصب الأمين العام للجامعة بين الدول العربية وعدم حصره في مصر، وهو ما أدى إلى موافقة السودان على هذه الوساطة أخيرا.

وإذا كان الموقف الإماراتي متوقعا بحكم العلاقة بين أبو ظبي والقاهرة بعد انقلاب السيسي، فإن بعض المراقبين استغربوا من الموقف السعودي بالإصرار على مرشح يتمتع بصورة سلبية جدا في الشارع العربي، ويمثل حقبة نظام مبارك بكل ما فيها من إشكالات، وخصوصا موقفه من ثورة 25 يناير المصرية، وعلاقاته الوثيقة مع إسرائيل، وتحميله المقاومة الفلسطينية مسؤولية العدوان الإسرائيلي على غزة نهاية العام 2008.

وبالرغم من تركيز الانتقادات من السياسيين والإعلاميين والنشطاء على مصر لاختيارها أبو الغيط، إلا أن أصواتا قليلة عبرت عن إدانتها للموقف السعودي المؤيد لهذا الاختيار، بل اعتبر بعض الرافضين لانتخاب أبو الغيط، مثل أستاذ العلوم السياسية المصري، نادر فرجاني، هذا الأمر انتصارا للموقف السعودي.

وقد أجرت "عربي21" حوارا مع خبير استراتيجي سعودي حول حسابات الربح والخسارة من الدعم السعودي لمصر في اختيارها أبو الغيط، وعدم طلب الرياض من القاهرة طرح اسم أقل إشكالية وأكثر تحقيقا للتوافق العربي، وأبعد عن التصادم مع المزاج الشعبي العربي؛ في الوقت الذي تحتاج فيه السعودية لدعم شعبي أكبر في مواجهتها مع إيران وحلفائها في سوريا واليمن.

وقال الخبير -طالبا عدم كشف هويته- إن أبو الغيط يمثل خيارا سعوديا وليس فقط مصريا، بسبب مواقفه الحادة ضد دور إيران في المنطقة، مشيرا إلى أن الأولوية السعودية في المرحلة الحالية هي الصراع مع إيران، وليس الموقف من "الثورات الشعبية العربية" أو "إسرائيل"، وبالتالي "فيمكن القول إن السعودية ربحت أمينا عاما معاديا لإيران".

وأضاف الخبير أن السعودية، كما يبدو، لا تزال تفكر بعقلية محافظة، وهي غير معنية كثيرا بالموقف الشعبي العربي منها، ولذلك فقد فضلت رضا النظام المصري على الرضا الشعبي، لأنها تعتقد بأهمية العلاقة الإستراتيجية مع مصر وأولويتها على العلاقة مع القاعدة الشعبية، مشيرا إلى أن هذا الموقف قد يمثل مكسبا سعوديا آنيا من خلال تعميق العلاقة مع نظام السيسي المتردد بدعم السعودية، ولكنه سيؤدي إلى خسارة الرياض على المدى البعيد، "لأن المعركة طويلة الأمد مع إيران وحلفائها تتطلب تأييدا شعبيا سعوديا وعربيا للرياض".

وفي الإطار نفسه، أشار الخبير الاستراتيجي إلى أن الرياض ترسل رسالة خاطئة إلى القاهرة، مفادها أنها ستظل تدعم الخيارات المصرية الرسمية، بالرغم من مواقف القاهرة المناقضة للسياسة السعودية في سوريا تحديدا، وبالرغم من الحملة الكبيرة التي تشنها الوسائل الإعلامية المصرية الواقعة تحت نفوذ الدولة ضد سياسات الرياض وضد السلفية التي تمثل الأيديولوجية الدينية للدولة السعودية.

وتابع الخبير الاستراتيجي السعودي مستغربا من موقف بلاده، إذ إنه "في الوقت الذي تحظى فيه الرياض بدعم شعبي في الأوساط الفلسطينية وخصوصا بين صفوف التيارات الإسلامية سواء في حربها باليمن أو سياستها بسوريا، فإنها ضربت بعرض الحائط المواقف السلبية لأحمد أبو الغيط تجاه القضية الفلسطينية، ودعمته بقوة لمنصب الأمين العام للجامعة العربية"، مضيفا أن "ظهور السعودية بمظهر الداعم لمرشح غير شعبي بالنسبة لأنصار فلسطين من العرب يمثل خسارة كبيرة لها، نظرا لأهمية ومركزية القضية الفلسطينية في المزاج الشعبي العربي".

ونوه الخبير إلى أن التغيرات الطفيفة في الموقف السعودي تجاه بعض القضايا العربية يجب أن لا يحمل أكثر من حجمه الحقيقي، إذ "إن سياسات الرياض لا تزال تتعامل بتحفظ كبير تجاه كافة الملفات الساخنة في المنطقة، من سوريا إلى فلسطين إلى مصر"، مضيفا أن الرياض "يجب أن تستثمر التأييد الشعبي العربي الواسع لعاصفة الحزم من خلال اتخاذ مواقف أكثر شعبية في القضايا العربية الأخرى"، حسب قوله.