ملفات وتقارير

السيسي في أنقرة لأول مرة وملفات ساخنة على طاولة أردوغان.. ما المأمول والممكن؟

الزيارة تأتي ردا على زيارة أردوغان للقاهرة في شباط/فبراير الماضي- جيتي
من المقرر أن يزور رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي العاصمة التركية أنقرة خلال أيام، بدعوة من نظيره التركي رجب طيب أردوغان، وسط ملفات دولية وإقليمية وسياسية واقتصادية ساخنة في إقليم الشرق الأوسط وفي علاقات البلدين.

الزيارة التي تأتي ردا على زيارة أردوغان للقاهرة في شباط/ فبراير الماضي، تعد استكمالا لتطور علاقات الجانبين التي تشهد تحسنا بعد جولات مفاوضات استمرت 3 سنوات (2021- 2023)، وأوشكت على إنهاء قطيعة تاريخية لنحو 10 سنوات بدأت منتصف العام 2013.

وبعد أيام من زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري، لتركيا في 20 نيسان/ أبريل الجاري، نقل موقع "الشرق مع بلومبيرغ"، عن مصدر بالرئاسة التركية ومصادر مصرية، الخميس الماضي، بأن السيسي، سيزور تركيا الأسبوع الجاري، لبحث "تعزيز العلاقات الثنائية"، و"وقف الحرب على قطاع غزة وإدخال المساعدات"، و"قضية شرق البحر المتوسط".

ومن المقرر أن يترأس السيسي وأردوغان، "مجلس التعاون الاستراتيجي" بين البلدين، وسط توقعات بتدشين اتفاقيات اقتصادية جديدة، وفق ما نقلته وكالة "الأناضول" التركية عن السفير التركي بالقاهرة، صالح موتلو.

خبراء أكدوا لـ"عربي21" أن المأمول من الزيارة كبير، لكن الممكن تحقيقه وزيادة مجالاته هو الملف الاقتصادي، ملمحين لوجود بعض التقارب في ملفات إقليمية مثل ليبيا، ومذكرين بملفات خلافية يجري بحثها، ومنها ملف غاز شرق المتوسط وترسيم حدود البلدين البحرية، والحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، على قطاع غزة.

وحول المأمول والممكن تحقيقه في الملفات الإقليمية مثل غزة، وليبيا، وغاز شرق المتوسط، وكذلك في الملف الاقتصادي، وبعض الملفات السياسية العالقة مثل ملف "جماعة الإخوان المسلمين" والمهاجرين من المعارضين المصريين في تركيا، تحدث خبراء مصريون وأتراك لـ"عربي21".
 
"لا تقدم"
ويعتقد الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية الدكتور السيد أبوالخير، أنه "لن يحدث أي نوع من التقدم في هذه الملفات"، في إشارة إلى ملفات غزة، وليبيا، وغاز شرق المتوسط.

وفي تقديره للمأمول والممكن تحقيقه في الملفات الاقتصادية، مثل مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين والتجارة البينية، يعتقد أنه "سيتم خلال الزيارة دعم النظام المصري ببعض المشروعات؛ تفاديا للضغوط الأمريكية على تركيا".

ويرى أن "مصر مهمة جدا لتركيا؛ فهي رقبة العالم الإسلامي، وبوابة أفريقيا، كما أن ما يهم تركيا هي المصالح، وتنفيذ الاستراتيجية الرامية لأداء دور في العالم العربي والإسلامي".

وعن تقديره للمأمول والممكن تحقيقه في ملفات سياسية مثل ملف جماعة الإخوان المسلمين، والمهاجرين في تركيا، خلص للقول؛ إن "ملف الإخوان أعتقد أنه انتهى بمنع مهاجمة النظام في مصر".

"ملفات.. محسومة ومؤجلة ومجمدة"
من جانبه، يعتقد الباحث والأكاديمي المصري الدكتور محمد الزواوي، أن "الأهمية هنا في الزيارة ذاتها؛ باعتبار أن مجرد تبادل الزيارات بين البلدين، سيفتح آفاقا جديدة للتعاون، لاسيما في المجال الاقتصادي، وهو الملف الأبرز".

المحاضر في معهد الشرق بجامعة سكاريا التركية، أضاف لـ"عربي21": "تظل الملفات الأخرى الساخنة، مثل غاز شرق المتوسط، وترسيم الحدود البحرية، والاستقرار على صيغة للوضع في ليبيا؛ كلها ملفات يمكن أن تكون شائكة وغير محسومة حتى الآن، بل وربما يكون هناك تباين في وجهات النظر".

ويرى أن "الملف الاقتصادي سيكون الأبرز"، مبينا أن "الزيارات المتبادلة تهدف بالأساس لتعزيز ذلك المحور الاقتصادي والتجاري، واستخدام مصر كوجهة في شمال أفريقيا للدخول إلى بقية الدول الأفريقية عبر توطين الصناعات التركية في مصر، وإنشاء مدن صناعية، والتوسع بإنشاء المصانع التركية بمصر، بالنظر لرخص الأيدي العاملة المصرية ومهارتها أيضا".

وفيما يتعلق بملف جماعة الإخوان المسلمين، يعتقد الأكاديمي المصري أن "هذا الملف شهد تهميشا كبيرا، ولم تعد له أهمية بالنسبة لمصر أو لتركيا، باعتبار أن هناك ملفات أكثر أهمية طغت على الوضع الداخلي".

وتابع: "وكذلك السياسات الداخلية للانتخابات التركية التي فرضت اتخاذ بعض المسارات ربما المخالفة لقناعات أنقرة الأخلاقية في ملف السياسة الخارجية واستقبال اللاجئين"، ملمحا إلى أن "الأوضاع الاقتصادية التركية أيضا، تفرض التزامات لدى أنقرة لتقليل أعداد المهاجرين، وهذا ما يريده الناخب التركي".

وأوضح أنه "ومن ثم فإن ملف الإخوان المسلمين اتخذ أهمية ثانوية لدى الطرفين، ناهيك عن أن المصلحة المصرية في أن يظل الإخوان المسلمون في الخارج أو بعيدا عن السياسة بصفة عامة"، معتقدا أن "هذا الوضع مريح لمصر، وكذلك لتركيا، وربما الأعداد المصرية لا تشكل عبئا على الدولة التركية، ولا تشكل كذلك ورقة انتخابية في الداخل مثل الملف السوري".

ولذا، ختم الزواوي بالقول؛ إن "الملف الاقتصادي سيكون الأبرز في لقاء السيسي بأردوغان، والتبادل التجاري بين البلدين أيضا، بل إن الزيارة تجيء لتعزيز هذا المسار على الخصوص".

"غير بروتوكولية"
وفي رؤية تركية، قال الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو: "أتصور أن زيارة الرئيس المصري لأنقرة تكتسب أهمية، وتحمل في طياتها العديد من القضايا في ظل أوضاع الشرق الأوسط، خاصة فلسطين وغزة، والقرن الأفريقي، ولذا نصفها بأنها غير بروتوكولية، ولكن للتنسيق والتعاون في ظل ملفات مشتعلة".

ويعتقد في حديثه لـ"عربي21"، أن "لقاء السيسي وأردوغان، يأتي ضمن جملة تطورات إقليمية، وخاصة بعد زيارة أردوغان للقاهرة بعد توتر دام لأكثر من عقد، فهذا اللقاء سيكون إضافة للقضايا السياسية والإقليمية موضع النقاش، وخاصة مع ترؤسهما مجلس التعاون الاستراتيجي، كخطوة للارتقاء بالعلاقات في ظل الثقل الذي تحتلانه".

عودة أشار إلى "هدف آخر، مفاده زيادة حجم التجارة البينية إلى 15 مليار دولار سنويا، عبر توسيع نطاق اتفاق التجارة الحرة، وإعادة تشغيل الشحن البحري، وتعزيز العلاقات في مجال الصناعات الدفاعية"، معتبرا أنها "نقطة لافتة، خاصة بعد نجاح أنقرة بتصنيع المسيرات".

وأكد أنه "يمكنها تعزيز التعاون بمجال الطاقة والغاز الطبيعي، فضلا عن ترسيم الحدود البحرية لاستخراج الغاز، الذي قد يكون نقطة بداية لتهيئة الأجواء لانضمام تركيا لمنظمة غاز المتوسط، وتكون في ظل التهدئة التي تشهدها المنطقة والخطوات التركية نحو المقاربات والمصالحات مع عدد كبير من الدول".

وألمح إلى احتمالات "وجود تقارب في وجهات النظر بين تركيا واليونان وقبرص، عبر الجهود التي تبذلها مصر في ملف غاز شرق المتوسط".

وبالعودة إلى ملف غزة، يرى الباحث التركي أنه "دون شك سيكون اللقاء نقطة وركيزة أساسية، حول تطابق وجهات نظر  البلدين، وخاصة وقف إطلاق النار، وعدم تهجير الفلسطينيين، وأيضا الدعم التركي للوسيط المصري وجهوده في المفاوضات بين الاحتلال وحماس".

"من الحضيض للصورة الختامية"
من جانبه، قال مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية محمد حامد؛ إن "العلاقات المصرية التركية في زيارة السيسي المتوقعة لأنقرة، أكبر دليل على أنها انتقلت من الحضيض إلى البناء، واستكمال الصورة الختامية بهذه الزيارة، التي سبقتها مشاورات سياسية وزيارة أردوغان لمصر، واليوم نجد زيارة الرئيس السيسي".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "الملفات الرئيسية هي تعزيز التعاون الاستراتيجي والاقتصادي، وقد يصل للتبادل التجاري بالعملات الوطنية، وفتح منطقة صناعية تركية بإقليم قناة السويس، وتمديد اتفاقية التجارة الحرة بينهما".

وحول غزة، يعتقد الباحث المصري، أنه "ربما يكون هناك تنسيق مصري تركي حولها، وحول ملف إعادة الإعمار، ومستقبل القطاع وحركة حماس، ووجود القاهرة وأنقرة كضامن لتحول الحركة لحزب سياسي من حركة مقاومة تترك السلاح، بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية ومعها الضفة وغزة".

في ملف ليبيا، قال؛ إن "مصر وتركيا تؤكدان الآن دعم الاستقرار هناك، وإجراء انتخابات جديدة وكتابة دستور وانتخاب رئيس، ولكن ما زالت الظروف الدولية والإقليمية غير مواتية، لكنه تم تحييد الأخطار التركية التي كانت تمثلها بقوات عسكرية ومساندة حكومة فائز السراج، ثم حكومة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس".

وبشأن ملف غاز المتوسط وترسيم الحدود البحرية، يعتقد حامد، أن "هذا الأمر في طور التفاوض، ولم تظهر مؤشرات حدوث ترسيم. لكنْ، هناك تسريبات حول شراء مصر طائرات (بيرقدار)"، ملمحا إلى أن "هذه نقطة إيجابية لصالح الطرفين".

ولفت إلى "زيارة وفد عسكري مصري لأنقرة نهاية 2022 وبداية 2023،  ولقاء نظرائهم العسكريين الأتراك، في دليل أكبر على عودة العلاقات على المستوى العسكري، وأن العلاقات العسكرية تتميز وتختلف وتسير في مسار ناجح".

وعن ملف الإخوان، يعتقد الباحث المصري، أن "هذا الملف تم تجميده تماما"، مؤكدا أن "الرئيس المصري لن يتحرك من القاهرة إلا وأنه واثق بأن هذا الملف أغلق تماما، وأن تركيا حيدت هذا الملف وتخلت عن دعم جماعة الإخوان المسلمين، بما يرضي الجانب المصري، وهو الأمر الذي كان على رأس المشاورات السياسية في 2021 و2022".

"الأكثر نجاحا"
وعلى أرض الواقع، يظل التعاون الاقتصادي بين القاهرة وأنقرة هو أكثر الملفات نجاحا بين الغريمين السابقين، حيث تعد مصر الشريك التجاري الأول لتركيا في أفريقيا، وتعد تركيا أكبر مستورد للغاز المصري (تراجع تصديره منذ العام الماضي لضعف الإنتاج).

ويأتي حرص الجانبين على زيادة معدلات التجارة البينية إلى معدل 15 مليار دولار سنويا، وذلك في ظل ما يعانيه اقتصاد البلدين من أزمات مع الديون والتضخم وشح الدولار.


وبحسب بيانات رسمية للبنك المركزي المصري، تبلغ قيمة الاستثمارات التركية بمصر 2.5 مليار دولار، من خلال 790 شركة تركية تعمل بالبلد العربي الأفريقي، صاحبة السوق الكبيرة التي تربو على 106 ملايين نسمة.

ويصل حجم التبادل التجاري بين البلدين، لنحو قرابة 6.6 مليار دولار العام الماضي، فيما سجلت الصادرات المصرية 3.8 مليار دولار، بينما بلغ حجم الواردات المصرية من تركيا 2.8 مليار دولار، وهي الأرقام التي سيعززها مواصلة الاستثمارات التركية تدفقها على الأراضي المصرية، وتنفيذ الاتفاقيات المعلنة.

وفي إطار زيادة التعاون الاقتصادي، وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، اتفق البنك المركزي المصري مع نظيره التركي على آلية تطبيق التبادل التجاري بين البلدين بالعملات المحلية، بشكل مبدئي في ما يتراوح بين 25 إلى 30 بالمئة، من إجمالي التجارة البينية.

وفي شباط/ فبراير الماضي، أُعلن عن صفقة عسكرية غير مسبوقة بين الجانبين، يحصل بموجبها الجيش المصري على المسيرات التركية، صاحبة الصيت الذائع في عالم التسلح.

كما بحث وزير الصناعة المصري أحمد سمير، ورئيس الغرفة التجارية الصناعية بمدينة بورصا التركية إبراهيم بوركاي، ونائب رئيس اتحاد الغرف التجارية والصناعية التركية، خطة إنشاء منطقة صناعية تركية بمصر.

ووفق المعلن من الأنباء، تكون تلك المنطقة الصناعية منطلقا لتصدير المنتجات التركية من مصر إلى قارة أفريقيا والخليج العربي وأوروبا وأمريكا، وهي المناطق المرتبطة مع القاهرة باتفاقيات تجارية بينها "الكويز"، إلى جانب انضمام مصر مؤخرا إلى مجموعة "بريكس".

وتسعى الغرفة التجارية الصناعية في مدينة بورصا التركية لإنشاء منطقة صناعية في مصر، متخصصة في صناعة "المنسوجات، والسيارات، والألمنيوم، والآلات والمعدات التكنولوجية المتقدمة"، وتركز منها على التصدير إلى أسواق أفريقيا والخليج.