قضايا وآراء

هذا النفط السوري شاغل العالم!

1300x600
لسنوات طويلة، لم يكن أغلب السوريين يعرفون معلومات كافية عن حجم إنتاج بلادهم من النفط، وجل معلوماتهم كانت تقتصر على ما تورده كتب الجغرافيا المدرسية عن وجود ثلاث مناطق إنتاج للنفط في سوريا، الرميلان والسويدية وكراتشوك، دون أي ذكر لحجم الإنتاج.

تكشّف بعد ذلك ان عوائد النفط لم تكن تدخل ضمن الميزانية المعلنة، وكانت تذهب مباشرة إلى القصر، وكان محمد مخلوف، شقيق زوجة حافظ الأسد، وأبو رامي مخلوف، هو المسؤول عن هذا الأمر، باعتباره خازن أموال عائلة الأسد، والصندوق الأسود لجميع أسرارها المالية.

في سنوات متأخرة، صار يتم الإعلان عن ان حجم الإنتاج السوري من النفط يبلغ بحدود 380 ألف برميل يومياً، وظلت هذه المعلومة متداولة لسنوات طويلة، دون حصول زيادة أو نقص في حجم الإنتاج، رغم أن خبراء الاقتصاد السوريين كانوا يلحظون وجود العديد من الاتفاقيات التي أبرمتها حكومات الأسد في فترة التسعينيات من القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي، للتنقيب عن النفط مع شركات روسية وصينية على وجه التحديد، بالإضافة الى شركات فرنسية كانت متواجدة في سوريا.

مؤخراً، وضمن انكشاف الكثير من المعلومات والأسرار عن جمهورية الأسد، ظهرت بعض المعلومات التي تؤكد أن نظام الأسد أنتج ما بين 1.4 و1.6 مليون برميل يومياً قبل عام 2004، ولكن عائدات 380,000 برميل فقط تذهب إلى الخزينة السورية، وأما الباقي فكان يذهب لأصحاب امتيازات مقربة من النظام وعائلة الأسد، الذين أصبحوا من أصحاب الملايين عبر بيع باقي النفط.

وفي عام 2011، صرح النظام عن إنتاج 150 ألف برميل يومياً، فيما بلغ إجمالي الاستهلاك المحلي 250 ألف برميل. وفي الممارسة العملية، أنتجت سوريا أكثر من 800 ألف برميل يومياً. وفي تلك الفترة، باع شركاء الأسد باقي النفط داخل سوريا أو إلى دول مجاورة، بأسعار مخفضة.

وثمة معطيات تؤكد صحة هذه الحقائق:

أولاً: عمليات التهريب الضخمة التي كانت تتم عبر دول الجوار، والتي كان يشرف عليها متنفذون من آل الأسد وأقربائهم، وكان جزء كبير من النفط السوري يتم تهريبه إلى لبنان عبر معابر غير شرعية ولكنها محمية من أجهزة أمنية سورية. ولم يكن الأمر سراً، إذ يعرف سكان المناطق الحدودية، وخاصة القصير والقلمون، كيف تجري هذه العملية، والوكلاء الذين يديرونها لصالح جهات عليا.

ثانياً: الصعود الصاروخي لكثير من الأشخاص من عوائل الأسد مخلوف شاليش في عالم المال يثبت هذه الحقيقة. والمعلوم أن هؤلاء بنوا أموالهم عن طريق نهب مؤسسات الدولة وثرواتها. صحيح أنهم لم يوفروا أي وسيلة في سبيل تنمية ثرواتهم، لكن الصحيح أيضاً أن حصص النفط التي كانوا يحصلون عليها تشكل أسرع وأضمن طريق لنمو هذه الثروات، كما أن هروب هؤلاء، في الفترة الأخيرة، باستثماراتهم إلى خارج سوريا، ما هو إلا نتيجة إدراكهم صعوبة عودة أيام نهب النفط لأن الشركات الروسية هي من سيتسلم زمام أمور النفط.

ثالثاً: السعار الروسي على الاستحواذ على النفط السوري، حيث ضغطت على نظام الأسد، في ما يشبه عملية إجبار علنية، من أجل سيطرة شركاتها على إنتاج النفط. والمؤكد أنه لو لم يكن هذا الإنتاج كبيراً لما اهتمت به روسيا، ولو كان لا يكفي سوى للاستهلاك المحلي، فلن يكون ثمّة حاجة روسية ملحة به.

رابعاً: إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على الاستفادة من النفط السوري، فقد أعلن الرئيس ترامب أنه يحب النفط ولأجل ذلك سيبقي قواته في سوريا، بل إن وزير الدفاع الأمريكي حذّر بما يشبه التهديد؛ روسيا ونظام الأسد من محاولة التفكير بالاقتراب من حقول النفط السورية، ما يعني أن أمريكا تعرف حقيقة الإنتاج النفطي السوري، الذي تقدّر المصادر الدولية احتياطاته بحوالي 300 مليار برميل.

خامساً: ما أعلنته وزارة النفط السورية من أن خسائرها، منذ نهاية 2012 بلغت أكثر من 62 مليار دولار، ما يعني أن الصادرات النفطية كانت تبلغ حوالي عشرة مليارات دولار سنوياً، وهو رقم أكبر بكثير من الأرقام التي كان يتم الإعلان عنها.

وليس النفط، سوى عنصر من عناصر كثيرة، في الاقتصاد والسياسة والمجتمع، تقصّد سدنة جمهورية الأسد إخفاءها عن السوريين، ليتسنى لهم التلاعب في تفاصيلها وحقائقها وعوائدها. والملفت أنه رغم معرفة العالم كله مدى حاجة السوريين لثرواتهم، لإعمار ما دمرته حرب الأسد المجنونة عليهم، وحاجتهم لتلك الثروات لإنقاذ أبناءهم من الجوع والتشرد، إلا أن هناك من يريد أن يرث نهب النفط السوري من عائلة الأسد ليحولها إلى جيوب شركاته المتخمة.. ويقولون لك دول عظمى تعمل من أجل السلام العالمي!