كتب

الشائع والثابت في جرائم "ريا وسكينة" في مصر (2من2)

تفاصيل موثقة لجرائم رجالات ريا وسكينة في مصر- (عربي21)
تفاصيل موثقة لجرائم رجالات ريا وسكينة في مصر- (عربي21)

الكتاب: رجال ريا وسكينة.. صورة اجتماعية وسياسية
المؤلف: صلاح عيسى
دار النشر: الكرمة، 2019
عدد الصفحات: 940

في الفصل الرابع يواصل الكاتب سرد بقية الضحايا بدءا من الضحية السادسة نبوية بنت جمعة، ثم  زنوبة محمد موسى المعروفة بـ حجازية، وهي الضحية السابعة، التي تقدم أهلها ببلاغ، بسببه حامت الشكوك حول ريا لعلاقتها بها، فما كان منها إلا أن ردت بالهجوم واتهام شقيق الضحية المُبلغ بقتلها. ورغم التوتر بسبب التحقيقات فلم تتوقف العصابة عن نشاطها، فقتلت الضحية الثامنة (فاطمة)، ثم سنية رضوان، وعديلة الكحكية التي كانت العاشرة.
  
بيت أبي المجد وبيت الجمال 

بينما واصلت العصابة نشاطها دون هوادة، يروي المؤلف، بشكل موازي مسار حياة سكينة، الشخصية الشهوانية الشَبُوب. لم تتحمل سكينة هجران محمد عبدالعال، الذي لم يستطع مواجهة والدته، وبسبب طيشها، توجهت إلى قسم الشرطة تشكو زوجها، وما لبثت أن وجدت لها عشيقا جديدا هو سلامة خضر شيال الكارو عربة خشبية يجرها حمار.
 
كانت الضحية رقم 11 هي نبوية بنت علي، ثم اختارت العصابة امرأة تختلف عن سائر النسوة اللاتي استدرجوهن من خلال ترددهن على بيوت البغاء التي أدارتها ريا وسكينة، كانت "أم فرحات" امرأة مسنة تبيع الجاز (الكيروسين) ويشاع عنها انها تلف مدخراتها في نطاق حول وسطها. كاد أمر العصابة أن ينفضح بسبب جثة أم فرحات التي ألقوها في خرابة وانكشف أمرها.
 
أما الضحية التالية فكانت فاطمة بنت عبدربه شيخة المخدمتية المعروفة أيضا بفاطمة العورة، ورغم أنها ايضا لم تكن من عينة النساء نفسها، إلا أن ريا افتعلت خلافا وحرضت على قتلها كعقاب لزوجها رمضان النجار الذي سبق أن عاير حسب الله زوج ريا بسلوك العائلة المشين. والواقع أن نهم العصابة للمال واعتيادهم على اقتراف القتل والدفن، قد بات منفلتا نحو اية امرأة تحمل مصاغا. ومرة أخرى عمدة ريا إلى إطلاق الشائعات حول سمعة فاطمة المخدماتية لتبرر اختفائها وتبعد الشبهات عن نفسها.

حسب ما كشفت التحقيقات فيما بعد كانت آخر ضحية ـ معروفة على الأقل ـ فردوس بنت فضل الله وهي من أصل سوداني وكانت عشيقة لضابط انجليزي.

مرويات آل همام 

في حارة ماكوريس سكنت عائلة همام بيتي الجمال وأبو المجد الذين حملا أرقام 5،6، وقد تم طردهم من الحارة كما أجبر جيران سكينة أيضا على مغادرة البيت في 30 أكتوبر1920، وتم عرضه للإيجار في 4 نوفمبر1920. جاء السمسار بخواجة إيطالي لاستئجار البيت وقبل دفع 3 جنيهات وهي ضعف ما كان يدفعه السكان السابقين مجتمعين، لكنه اشترط إدخال المياه وهو ما يعني توصيل الصرف.
 
اكتشف أصحاب المنزل خلال عملهم هشاشة البلاط وطبقة الملاط أسفله، كما تبينوا انبعاث رائحة لا تطاق، وفي إحدى ضربات الفأس، اصطدمت بجسم غريب، تبين أنه ذراع بشرية (ص538) .
 
كان ذلك يوم الثاني من ربيع الأول، وبدأت احتفالات المولد النبوي في سيدي عماد المجاور. وكان البلاغ بداية لفتح القضية، قامت الشرطة بحبس جميع السكان السابقين ومنهم سكينة وبدأت التحريات التي  ضيقت الاتهام. خلال التحريات والتحقيقات انزلقت بقية العصابة الواحد تلو الآخر، بداية ريا وحسب الله وعبد العال. وفي غضون ذلك تم الكشف عن مزيد من الجثث بعضها خارج البيت، ومعظمها في البيت نفسه بعد مواصلة الحفر.

حضر حسب الله للتحقيق بكامل قيافته، وقد تعمد ذلك ظنا منه أن إظهار الوجاهة سيزيل عنه الشبهات، وبتفتيشه، عُثر معه على نقود، وما يدل على انفاق أموال أخرى ووثيقة زواج بعروسه الجديدة، وحوالة  بريدية وثلاث فواتير مصوغات. أما عبد العال فعُثر معه على ساعة فضية ونقود وحوالة بريدية. 

انهيار خط الإنكار التام 

في الفصل السابع تتبع صلاح عيسى التحقيقات التي تمت مع المتهمين وتطوراتها، كل منهم على حدا، مهمة لم تكن يسيرة أبدا، لأن كل منهم كان يحاول المراوغة بكل السبل، وكان على المحققين اعادة استجوابهم ومواجهتهم بالثغرات والتناقضات في اعترافاتهم، علاوة على تغير المحققين بسبب الإجراءات الروتينية.

وهو ما استغرق من الكاتب عشرات الصفحات، حتى وصلنا إلى مرحلة المحاكمة. تسابقت المطابع على نشر صور ريا وسكينة تحمل أسمائهم وأزجال تصفهم بأبشع الأوصاف بدأ الأمر بخبر سطرين عن عثور  شخص على جثة في بحري، حتى أصبحت التغضية تحتل ركنا ثابتًا. 

جريمة طنطا 

قبل اكتشاف جرائم ريا وسكينة، اكتشفت الشرطة سلسلة جرائم قتل المومسات وسرقة مصاغهم في مدينة طنطا، وتم التوصل إلى مرتكبها ويدعى محمود علام، لكن تنفيذ حكم الإعدام قد أًوقف عندما أبدى استعداده للإدلاء عن 11 شخص من شركائه، واعترف أنهم ارتكبوا جرائمهم في ثلاث منازل، واقتسموا حصصا من المسروقات، وقال إن دوره كان استدراج النساء، وإنه كان يقلد السفاح الفرنسي لاندرو فيحرق الجثث ويلقي الرؤوس في ترعة الجعفرية.

التغطية الصحفية

أخذ المؤلف صلاح عيسى على عاتقه مهام عدة، من بينها البحث عن الصحف المعاصرة للحادث، وتقصي تغطيتها، وهو جهد إضافي فوق تحليل ملف القضية وعرضه بالصورة التي أتى عليها.

حسب عيسى، فقد مالت الصحف لاعتبار الجريمتين مؤشرًا خطيرًا على انحطاط الأخلاق العامة وأسهبت "الأهرام" في وصف الشقيقتين المتوحشتين. حكمت "وادي النيل" وهي جريدة سكندرية على الجناه والمجني عليهم على حد سواء :"انسلخوا عن الطبائع الإنسانية بجملتها وتقمصتهم أرواح شيطانية أو وحشية لا تخضع لوازع من الوازعات التي توقف الإنسان عند حده.. إن قتل عشرات ومئات من النساء ممن تعاف النفس أخلاقهن لا يؤثر في أمه حيث لم يدِن الجريمة بل قيام عصابة من القتلة مكان الحاكم المتسلط".. (ص796)

كفاءة جهاز الأمن 

كان من المستهجن قيام الصحف بكيل المديح لرجال البوليس ونسب الفضل لفلان أو لفلان في جريمة يرجع الفضل في الكشف عنها للصدفة وحدها، خاصة وأن الجريمة وقعت على بعد أمتار من قسم البوليس. ذكرت "الأهرام" ان" البوليس أظهر ضعفا مدهشًا بقدر ما اظهرت ريا وسكينة قوة وثبات غريبين". جدير بالذكر أن الشرطة كانت خاطعة لسيطرة بريطانيا مباشرة كما كانت الصحف منذ الحرب تحت الرقابة العسكرية البريطانية. 

 

قبل اكتشاف جرائم ريا وسكينة، اكتشفت الشرطة سلسلة جرائم قتل المومسات وسرقة مصاغهم في مدينة طنطا، وتم التوصل إلى مرتكبها ويدعى محمود علام، لكن تنفيذ حكم الإعدام قد أًوقف عندما أبدى استعداده للإدلاء عن 11 شخص من شركائه، واعترف أنهم ارتكبوا جرائمهم في ثلاث منازل، واقتسموا حصصا من المسروقات، وقال إن دوره كان استدراج النساء، وإنه كان يقلد السفاح الفرنسي لاندرو فيحرق الجثث ويلقي الرؤوس في ترعة الجعفرية.

 



أرجعت صحيفة "وادي النيل" ضعف الشرطة إلى قلة عدد رجال البوليس وقلة كفاءتهم ورهبتهم من المجرمين، وكذلك استخدام العنف المفرط في معاملة المجرمين. كما علقت الصحف على عدم كفاءة الشرطة في حفظ الآداب العامة (لكون الضحايا من الساقطات) وانتقدت عدم وجود تنظيم موحد ففي الأسكندرية هناك قلم حفظ الأدب ولكن في محافظات اخرى يقع مراقبة بيوت البغاء في  تخصص أقلام أخرى، وهو ما يؤدي إلى تضارب التخصصات أو التعذر بها، حسب صحف أخرى نقلت تعليقات مواطنين أن البوليس غافلًا أو متغافلًا عن البيوت السرية ومحلات حرق الحشيش.
 
تعمقت الصحف في تقدير سلبيات العمل الشرطي، واقتراح تعديلات في عملها، توقفت بعض الصحف عند استخفاف الشرطة إزاء بلاغات الاختفاء، فحتى القبض على العصابة بلغ عدد المختطفات في الأسكندرية 43 امرأه وفتاة وتم العثور على جثة امرأة. وفي غضون ذلك أصدرت حكمدارية الأسكندرية أوامر بمداهمة البيوت السرية وإغلاقها.  

الرشاوى

تحدثت الصحافة عن تواطؤ عناصر من الشرطة مع المخالفات والجرائم، بسبب الأحكام العرفية وزيادة القيد على أسعار السلع ومواعيد فتح الحانات.. وغيرها، كما فرض بعض رجال الشرطة رشاوي على المجرمين للتساهل معهم.
 
كان جورج فليبيدس مأمور ضبط في قطر القاهرة ورئيس المكتب السياسي ـ يوناني الأصل ـ وقد راكم  ثروة من الأتاوات على المعتقلين السياسين، وكذا من تجار الرقيق ومن رجال الشرطة الراغبين في الترقية أو العودة للخدمة بعد فصلهم. حتى قُبض عليه في 1916 مع ستة من شركائه بينهم مساعد حكمدار شرطة العاصمة، وأمين من مأموري قسم الشرطة بالقاهرة.

ولم تنطوي صفحة القضية السابقة بعد، حتى نشرت الصحف في 1917 تفاصيل رسمية عن إقالة اسماعيل صدقي باشا وزير الأوقاف في حكومة حسين رشدي، وترددت الأنباء عن ضبطه متلبسًا مع سيدة شابة وهما عاريان، ولأنه وزير تم اعتقال السيدة وحدها، ثم اتضح أنها ابنة يحيى ابراهيم رئيس حكومة بعد ذلك وانتحرت في اليوم التالي.

استدعى السلطان الوزير وسبه سبا مقذعًا وركله وطلب منه الاستقالة، كما أشيع أن صدقي هدد عبد الخالق ثروت وزير الحقانية بكشف علاقته بسيده متزوجة وسعيه لتعين زوجها في منصب كبير إذا لم يتدخل رئيس الوزراء عند السلطان. رددت الجماهير أن السلطان "أراد أن يكحلها فعماها".. عندما عيّن إبراهيم فتحي الذي لا يقل عن تهتك صدقي في النساء... 

لقد قادت اعترافات محمود علام في جريمة طنطا خمسة من رجال الشرطة لقفص الاتهام حيث شاركوا في الجريمة من بينهم شرطي المراسلة الخاص بحكمار الغربية، وتضمنت الاعترافات أن سيارة حكومية كانت مستخدمة لنقل الجثث. كما أن أحد المسجونين اعترف لزميلة بأن العصابة ضمت عددا من رجال الشرطة كما احتمت بآخرين. وأن ريا وسكينة كانتا تستعينان بالصول في البوليس السري الشحات أفندي محمد الذي شارك في القتل وفي حماية العصابة نظير النصيب الأكبر والذي راكم منه ثروه مكنته من شراء 4 عمارات، وإن لم تثبت التحقيقات شيئًا.

كانت صحيفة الأكسبريس الأكثر حدة في نقد الشرطة، ونشرت قيام بعضهم بملابسهم العسكرية بمعاكسة النساء، ومحاكمة آخرين بتهمة الرشوة والتزوير والسكر وحرق الحشيش، وفصل  كونستابل أجنبي لتستره على امرأه وطنية تدير بيتا للبغاء لعلاقة بينهما ثم مضايقتها بعد انقطاع علاقتهما.
 
كما أشارت الأكسبريس إلى المعاملة المتدنية وإهانة المواطنين بدون مبرر مقابل تبجيل آخرين وأن العاملين بالشرطة يعلمون جيدا ما يجري في الدعارة والفجور ويعرفون الأشرار الذين لا مورد رزق لهم ولا عمل ومنهم زوجا ريا وسكينة ومن غير المتصور ألا يكون أحد منهم لاحظ أنهما ينفقان من سعه على  أن لا عمل لهما يربحان منه (ص806).

وانتقد محرر الأكسبريس حجة قيام الحرب لتبرير اختلال الأمن وأعرب عن القصور الأساسي في إعداد مدرسة البوليس للخريجين، ثم في احتكاكهم بالمرتشين من زملاء ورؤساء فيصبحون صور منهم.
 
ومع انتقاد كفاءة الشرطة المصرية أعرب آخرون عن رفضهم لانتشار الإنجليز بالمناصب العليا واعتبارها سببا في عدم تأهيل قيادات شرطية.. توقف محرر الأكسبريس عند اختلال العدل في رواتب الشرطة بين الرتب العليا والمنخفضة، وبين المصريين والأجانب، فالجنود الفقراء لا يتجاوز راتبهم الشهري 50 قرشًا أما الراتب المتوسط 61 جنيهًا بينما الرتب العليا المقصورة على الأجانب 150 جنيها..

علقت الجريدة أن كل مرتبات الغفر والجنود هي السبب في بسط أكفهم فهم يعيشون على البقشيش وتسول الفرنكات من المتظاهرين والمتشاجرين بل ويقاسمون المجرمين غنائمهم ويتسترون عليهم ويشهدون في صفهم، وأن مرتبات الضباط المصرية تجعلهم مهضومي الحق لعدم مساومتهم بالضباط الأجانب.
  
كان الملازم أول يتقاضي 6 جنيهات تزيد شيئا فشيئا فإذا أصبح مأمور برتبة صاغ (رائد) 18 جنيه.
 
صدر مرسوم سلطاني في 20/10/1920 لرفع  مرتبات الضباط لتبدأ بـ 12 جنيها وتصل إلى 41 للصاغ وتصل إلى 100 لرتبه اللواء. لاحظ الضباط أن مرتباتهم لا تتجاوز نصف مرتبات الرتب المناظرة في الجيش، فنظموا حملة مطالبات بالبرقيات والعرائض دعمتها الصحف.
  
أبلغ نسيم باشا وزير الداخلية مندوب الضباط أن مرتباتهم ستُعدل ولكن الأمر يتطلب بعض الصبر، لأن تعديل رواتبهم وهم يعملون في هيئة مدنية سوف يشجع المواطنين الملكيين على المطالبة بالمثل وهو ما لاتتحمله ميزانية الدولة. (ص811)

لقد جرى ما سبق قبل اكتشاف جرائم الأسكندرية وطنطا، فما أن وقعت حتى تراجع تعاطف الرأي العام ولفت النظر إلى تقصير الشرطة. 

ملف الإصلاح الاجتماعي 

ربطت "وادى النيل" بين الجهل وجرائم ريا وسكينة وانتقدت نظام التعليم القائم، ولفت أحد القراء النظر إلى أن بعض الضحايا تم استدراجهن بحجة قراءة البخت، وأشارت الصحيفة إلى ممارسات الساقطات العلنية، وما تعرضه السينما من فظائع فتكون المناظر دروسًا إجرامية.. أشارت "اللطائف المصورة" إلى مئات الأطفال المشردين في الشوارع، معلقة أن كل واحد منهم سيكون يومًا ريا وسكينة أوحسب الله أو عبد العال (ص815).

 

الصورة الأسطورية لريا وسكينة لاتزال قائمة، في القرن الحادى والعشرين. ربما لأن أحد لم يحول تبديدها أستنادًا إلى الحقبة التاريخية وربما لا يريد أحد أن يعرفها. حتى لا يهتز يقينه بأنها كانت رمزا للشر المجرد.

 



استغلت الجمعيات الخدمة الاجتماعية الحدث في المطالبة بالدعم المادي ومنها جمعية مقاومة الرقيق الأبيض التي أصدرت بيانًا مفصلًا عن انجازاتها في رعاية البغايا التائبات وتوفير المأوى للفقيرات المغتربات لحمايتهم من السقوط، دعا نجيب شقرا المحامي لبناني الأصل صاحب مجلة الاستقلال للتفكير في انشاء جمعية "جيش الخلاص" على غرار الجمعية الانجليزية. واعتبر أن الجرائم ريا وسكينة حلقة صغيرة في سلسلة الرذائل "انتشرت بسبب الإلحاد والانصراف للشهوات (ص816)

يرى الكاتب أن "الصورة الأسطورية لريا وسكينة لاتزال قائمة، في القرن الحادى والعشرين. ربما لأن أحد لم يحول تبديدها أستنادًا إلى الحقبة التاريخية وربما لا يريد أحد أن يعرفها. حتى لا يهتز يقينه بأنها كانت رمزا للشر المجرد. 

وينتهي كتاب عيسى على مشارف الألف صفحة، بذل فيه جهدا يحسد عليه، ورغم حجم الكتاب وكثرة تفاصيله، إلا أنه اتسم بالحيوية، كما كانت الفصول التحليلية المتعلقة بالخلفيات التاريخية عن أحوال مصر في مطلع القرن العشرين رصينة ومهمة لفهم أعمق للقضية، كما كانت الفصول المتعلقة بالظواهر الاجتماعية السلبية في المجتمع المصري آنذاك، مثل البلطجة (الفتونة) والانحراف والرشوة، مهمة في فهم جرائم ريا وسكينة في سياقها الصحيح دون التهويلات التي أضيفت لها في المخيلة الجمعية، والتي ساهم في تكريسها الكثير من أصحاب الأقلام مع الأسف.

في 2005، عرض مسلسل "ريا وسكينة" للمخرج جمال عبد الحميد الذي اعتمد على كتاب صلاح عيسى نفسه، لذا يعد المعالجة الدرامية الوحيدة التي اقتربت قدر الإمكان من الواقع، خلاف المعالجات الأخرى،.

بالنسبة للقاريء العادي، ربما تكون مشاهدة المسلسل متطابقة لأكبر مدى مع الفصول التي تسرد حياة آل همام منذ نزوحهم، وحتى ضلوعهم في جرائمهم، وكذا ما يتعلق بارتكاب الجرائم بتفاصيلها. لكنها بالطبع لا تغني عن الفصول التاريخية والتحليلية الغنية التي قدمها صلاح عيسى. 

أسطورة لا تموت

لم تفقد قضية ريا وسكينة إثارتها، فخلاف المزيد من الأعمال الهزلية المستوحاة من قصتهم، ظهرت مسرحية جديدة. ولكن من ناحية أخرى انتشرت على عدة مواقع مقالات تزعم أنهم أبرياء، بل وتجعل منهم مناضلين ضد الإنجليز، وبالطبع تلاقفت مواقع التواصل تلك الكتابات، وزاد الأمر بإنتاج فيلم يقوم على ذلك الطرح. وباختصار لم تقدم أي من تلك الكتابات ولا صناع الفيلم ما يفيد صحة زعمهم من قريب ولا من بعيد. ليظل جهد صلاح عيسى هو الأكثر تكاملا واحتراما وحيادية.

 

إقرأ أيضا: الشائع والثابت في جرائم "ريا وسكينة" في مصر (1من2)


التعليقات (0)