قضايا وآراء

تلويث التعليم بالتحريض السياسي

1300x600
الحاجة إلى وثيقة مبادئ لحماية استقلالية التعليم 

في الوقت الذي يتم فيه تطبيع المناهج التعليمية العربية للتسامح مع أعداء أمتنا العربية والإسلامية بتحريض من قوى الاستعمار القديم والجديد؛ يتم تفخيخ هذه المناهج في الإمارات بالتحريض السياسي والتكفير والتخوين لمئات الملايين من المسلمين الذين ينتسبون إلى تيارات الاعتدال والوسطية في مشارق الأرض  ومغاربها. 

فهل أصبح القائمون على مناهج التعليم أشداء على المسلمين رحماء بالصهاينة والصليبيين؟ وما سر تزامن هذا العبث الذي تتعرض له المناهج التعليمية في الإمارات  مع عبث آخر يتعرض له التعليم المصري ومن أخر مظاهره حذف درس القائد صلاح الدين الأيوبي محرر القدس للصف الخامس الابتدائي، وحذف ستة فصول من قصة عقبة بن نافع للصف الأول الإعدادي؟.

هل أصبح تاريخ صلاح الدين وعقبة بن نافع وعزالدين القسام وحسن البنا عار يهرب من عقدته الحاكم العربي الغارق في أوحال الخيانة والعمالة؟

لمصلحة من يتم تلويث المناهج الدراسية بثقافة الفتنة الداخلية والتكفير للمخالفين والتخوين للمعارضين، والتسامح مع أعداء الأمة العربية والإسلامية؟

فبدلا من اهتمام المناهج الدراسية بتعميق الأخوة الداخلية بين المسلمين والتأكيد على وحدة الأمة في مواجهة القضايا المصيرية وتمييز جماعات العنف عن التيار العام للحركة الإسلامية الوسطية والمعتدلة لتوسيع دائرة التعاون في مواجهة خطر العنف.

وبدلا من إهتمام المناهج بتكريس ثقافة الحرية وحقوق الإنسان والمواطنة المتساوية واحترام التعددية الثقافية والرأي الآخر والعقل الناقد والتفكير الإبداعي. 

بدلاً من كل ذلك يتم تفخيخ المناهج بثقافة الكراهية والتكفير والتحريض على الفتنة الداخلية وتخوين المعارضين وتبرير قمعهم وتعذيبهم والتنكيل بهم وبأهليهم وتجريدهم من أبسط الحقوق.

ما يجب أن يدركه العابثون بالتعليم أن هذا العبث لن يحقق النتائج التي يتوهمونها، وأنه لم يعد من السهل إخفاء الحقائق وتزييف الوعي في عصر ثورات المعرفة والمعلومات. وأن العبث بالتعليم والمناهج الدراسية سيؤدي إلى اهتزاز ثقة الطلبة بالمنظومة التربوية والشعور بأن التعليم أصبح بوقاً من أبواق الدعاية السياسية للتشهير بالخصوم، مما  يهدد بانهيار المنظومة التربوية التي فقدت وظيفتها التنورية وتحولت إلى منظومة  تعبوية تستهدف المخالفين لتسلطية المنظومة الأمنية والإجراءات القمعية و تبرير تنكيل المتسلطين بالأحرار من دعاة التغيير والإصلاح.

ولهؤلاء نقول: لم يتمكن التعليم الشمولي التعبوي الذي تبناه نظام القذافي "نظام الكتاب الأخضر" من حماية نظامه القمعي من السقوط المريع وأصبح الكتاب الأخضر مادة للتندر والسخرية رغم المليارات والجهود التي أنفقت من أجل تعميمه وتدريسه. بل كان التخلص من عار هذا الكتاب دافعا من دوافع الثورة، ولن يكون كتاب "السراب" أسعد حظاً من الكتاب الأخضر فأمثال هذه الكتب التحريضية الشمولية تتحول إلى أضحوكة ومادة للسخرية، وستؤدي هذه الفضيحة إلى انهيار الشعور بقداسة التعليم واستقلاليته عن العصا البولسية التي توجهه لخدمة منظومة التسلط والقمع مالم يتدارك العقلاء هذه السقطة الأخلاقية ويتنبه الجميع لخطورة توظيف التعليم في الصراع السياسي الداخلي.

ولعل هذه الفضيحة الأخلاقية كافية لتنبيه العقلاء إلى ضرورة إنقاذ المنظومة التربوية وتعزيز استقلاليتها وتطوير المناهج وفقا لميثاق شرف أو وثيقة مبادئ تشترك جميع مكونات المجتمع في صياغتها كما هو معمول به في معظم دول العالم المتقدم، وتتضمن الاتفاق على تجريم توظيف التعليم في الصراع السياسي الداخلي لتشويه الخصوم وتكفيرهم وتخوينهم.

ختاما أود أن أقول إن العبث الأمني بمناهج التعليم ناتج من نواتج تغييب التربويين الإصلاحيين في السجون الذين كانوا يتهمون ظلماً وكذباً بتضمين أجندتهم في التعليم، واتضح اليوم بجلاء من يعبث بالمناهج التعليمية ويوظفها بصورة سافرة في محاربة خصومه في الداخل ومحاباة خصوم الخارج في مخالفة واضحة لقيم المجتمع وثوابت الأمة اللذين ترتكز عليهما أي فلسفة تربوية وتعكس ثقافة المجتمع بجميع مكوناته.