سياسة عربية

"كنا عايشين".. هكذا عانى السوريون من استبداد الأسد

أطلقوا حملة يسترجون من خلالها معاناتهم مع النظام - أ ف ب
أطلق ناشطون سوريون على موقعي التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، و"تويتر" حملة تحت عنوان "كنا عايشين"، في إشارة منهم إلى الاستبداد الممنهج الذي مارسه نظام الأسد على شعبه منذ 40 عاماً.

وتضمنت الحملة قصصاً وأحداثا تعرض لها سوريون، سواء من خلال التعامل الذي كانوا يتعرضون له، أو من خلال عمليات التعذيب السرية المغيبة، أو احتكار الموارد الصناعية في سوريا، في قالب ساخر.

وفي حديث خاص لـ "عربي 21"، قال الناشط والمعارض السوري، فراس الأتاسي، وهو الذي أطلق الحملة: "اطلاق الحملة في هذا التوقيت جاء متزامناً مع الانتصارات العسكرية المتتابعة التي يحققها الثوار على امتداد الأراضي السورية".

وأضاف، أنه في ظل  الانتصارات، يخرج "أتباع الطابور الخامس" ليبثوا التفرقة بين الناس انطلاقاً من مبدأ فرق تسد، وأكد أن أصوات السوريين تتعالى وعلى رأسها عبارتهم المشهورة "كنا عايشين".

 وأشار إلى أن الهدف من حملته، هو تذكير الناس بسنوات حكم الأسد التي عاشوها، من خلال نشر"القصص التي كانت تمر على أسماعنا".

وأكد المتحدث، أن المبادرة تفاعل معها العديد من الناس، وقال: إن من شأن هذه القصص أن تشغل الكثير منهم عن بث التفرقة.

واستطرد المصدر قائلا: إنه لم يكن يتوقع "أن تصل الحملة إلى هذا المستوى الكبير"، مبينا أنه فتح "من خلالها الدفاتر القديمة مع آل الأسد"، وأكد أن "هذا الزمن زمن انتصارات ولن نسمح للماضي الأسود بأن يعود".

وكشف الأتاسي أنه بدأ يجمع الشهادات من التعليقات على صفحته بموقع "فيسبوك"، قبل أن يتطور الأمر إلى استقبال رسائل على "فيسبوك"يحكي فيها السوريون عن قصص المعاناة التي عاشوها.

من جهتها استغربت الناشطة، سمارة الأتاسي في إحدى منشوراتها على موقع "فيسبوك" لطريقة اغتناء قريب بشار الأسد، رامي مخلوف، رجل الأعمال الذي يحتكر معظم المشاريع التجارية والصناعية في سوريا.

وكتبت: "هاد رامي ما كمل 40 سنة لما كان يملك 65% من اقتصاد سوريا، أما عن 23 مليون سوري الباقين فهم لا يملكون شيئاً". 

وكان مخلوف، يضع يده على كل مشروع ناشئ؛ مما تسبب بهجرة عدد كبير من رجال الأعمال، وآخرين توقفت مشاريعهم لأنهم رفضوا أن يشاركهم فيها، وبعضهم تعرض للمساءلة الأمنية بسببه.

وأشار الأتاسي، ضمن حديثه لـ"عربي21" إلى "الاستبداد الكبير الذي يمارسه النظام في سوريا منذ بداية الثورة"، إذ كان يلاحق كل من يضع إعجاب (لايك) على أي منشور يتحدث عن الثورة، متسائلا: "هل نستطيع أن نقول في ظل هذا النظام الذي يمعن في خنق شعبه أننا كنا عايشين في ظله؟".

وتحدث الناشط، عبده عن الأذرع الأمنية أو ما يسمى "بالعواينية"، الذين كان النظام ينشرهم في كل شارع وحارة، وحكى حادثة وقعت له في حماه، عندما ذهب لزيارة طبيب هناك فلم يجده في عيادته، فسأل البقال عنه ليجيبه مرتعباً: "شو بتأمر يا سيدي أنا جاهز"، لأن البقال ظن  أن عبده من رجال الأمن، ويتابع عبده قائلاً: "كنا مرعوبين من أي مخلوق، حتى لو كان شاب في العشرين يحمل حقيبته".

من جانبه استرجع عماد حادثة وقعت لأخيه عندما كانا في حلب وقال: إن مساعدا في الأمن العسكري، كان يقطن في الطابق العلوي للعمارة التي كانوا يعيشون فيها، وذات مرة، كان صوت المذياع الصاخب، يسمع من بيت المساعد، في ساعة متأخرة من الليل، "فخرج أخي إليه طالباً منه بكل لباقة أن يخفض الصوت" فأجابه المساعد: "أنا حر وإذا ما عجبك انقلع من البناية".

 وتابع عماد أن رجل الأمن التقى بأخيه في اليوم الموالي واستفزه، فرد الشاب قائلا: "شو إذا كنت بتشتغل بالأمن بتركب على ضهر الناس"، وبعد ساعة فقط وقفت دورية تابعة للشرطة أمام العمارة، واقتادته إلى فرع الجميلية في حلب.

وأضاف أنه بعد أسبوع ذهب لرؤيته فلم يتمكن من الحصول على أي خبر عنه. وقال أنهم علموا بترحيله بعد أسبوع إلى تدمر بتهمة سحب السلاح، والشروع في القتل، وبقي هناك ثلاثة أشهر، "حتى دفعنا أكثر من مليون ليرة سورية للقاضي، بعد أن دفعنا أيضاً لضابط من القرداحة حتى تم الإفراج عنه".

ويحكي عن أحد جيرانه قائلاً: "سجن رجل من حارتنا لمدة 20 عماً في سجون نظام بشار الأسد، طبعاً لأنه من الإخوان المسلمين، وبعد أن خرج من السجن كان يجلس دائماً أمام بيته".

ومضى قائلا: "أن لا أحد من أهالي الحي يتجرأ أن يحدثه أو يجالسه، خوفاً من أن تكون المخابرات تراقبه، وأن تعد من يجلس معه، من الإخوان المسلمين أيضاً".

وأشار إلى أن الجار أصبح في حالة نفسية اجتماعية صعبة، "وتمنى أنه لو لم يخرج من السجن على الأقل كان يجد هناك من يتحدث إليه، ويجالسه".

وهاجم بعض السوريين الناشطن الذين أطلقوا هاشتاغ "كنا عايشين"، فهؤلاء المنتقدون، حسب بعض الناشطين، لم يتخذوا موقفاً واضحاً لا من النظام ولا من الثورة، بل كانوا ينتقدون سلبيات الثورة في غالب الأحيان.

تقول أميرة وهي فتاة تعلن صراحة أنها ضد الثورة، لكنها ليست مع بشار الأسد،  وكانت تعيش في جوبر بأحسن حياة، ولم يكن هناك خطف، ولا فقر، ولا قتل، ولا جوع، ولا سلاح، ولا حتى اعتقالات.

 وحملت أميرة، المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع، للثوار، وعن آلاف العائلات التي كان الفقر قد غيبها، وظلمات المعتقل، تقول أميرة "لم نستفد شيئاً من هذه الثورة سوى أن هذه الأعداد باتت في ازدياد".
 
وترد أميرة عن من يتحدث عن "التشبيح"، الذي مورس في الجامعات والمدارس والمراكز والمؤسسات الحكومية: "نحن في النهاية لا نعيش في الجنة ونريد بلداً عظيماً بإمكانيات خجولة، وهذه الأمور قد تحدث في أي بلد في العالم". وترى ألا سبيل للخلاص الآن سوى بـ"إيقاف الحرب بأي وسيلة، وأن يسلكوا طريق الإصلاح لا الدمار".

وتقول أمل -وهي فتاة اضطرتها الظروف للهجرة خارج سوريا: "يستطع ضابط الأمن في سوريا أن ينتزع منك بيتك، سيارتك، نقودك وكل ما تملك وأنت صامت لا تستطيع أن تتفوه بكلمة واحدة.

وتضيف أنها حتى في أحد أيام التسجيل في الجامعة، عندما كانت الفتيات يأتين مع طلوع الفجر في انتظار دورهن لإتمام عملية التسجيل، "جاءت، ظهراً، فتاة كان واضحاً من لهجتها أنها من الساحل السوري، ووقفت في أول الطابور، فحاولت أن أخبرها أنه دوري فاستقبلتني بسيل من الشتائم خاتمة حديثها بالقول: لو حابة تنامي برات البيت اليوم وتختفي أخبارك عن أهلك خليكي واقفة هون".