كتاب عربي 21

الصراعات في المنطقة بين الأبعاد المذهبية والمصالح السياسية: أين الحقيقة؟

1300x600
يتردد دائما في هذه الأيام سؤال بين الأوساط السياسية والفكرية والمحللين والإعلاميين: هل الصراعات السياسية في المنطقة هي صراعات سياسية، أم أنها صراعات مذهبية؟ فأين الحقيقة مما يجري؟ هنا محاولة أولية للنقاش:

فالمنطقة العربية والإسلامية تواجه عدة صراعات أساسية حاليا ومنها :

أولا: الصراع اليمني بين حركة انصار الله (الحوثيون) المتحالفة مع أنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح وبعض القبائل والجيش اليمني، الذين يتلقون دعما إيرانيا ومن حزب الله، في مواجهة أنصار الرئيس المستقيل عبدربه منصور هادي والمجموعات المتحالفة معه والمدعومون من السعودية ودول أخرى، ورغم أن هذا الصراع هو صراع سياسي على السلطة فقد أخذ بعدا مذهبيا؛ لأن أنصار الله وحلفاءهم من أتباع المذهب الزيدي، ومنصور هادي من المذهب الشافعي، مع أن الزيديين أقرب للسنة من الشيعة.

ثانيا: الصراع في سوريا بين النظام الحاكم برئاسة الرئيس بشار الأسد وأنصاره، المدعوم من إيران وحزب الله وقوى دولية أخرى، في مقابل قوى المعارضة السياسية والمجموعات المسلحة وخصوصا الجيش السوري الحر وتنظيم داعش وجبهة النصرة والمجموعات الإسلامية المدعومة من تركيا والسعودية وقطر والأردن وأمريكا ودول أخرى، ومع أن هذا الصراع سياسي وتشارك فيه دول متعددة الاتجاهات، فإن الصراع يأخذ أحيانا بعدا مذهبيا كون الرئيس الأسد ينتمي للطائفة العلوية وهو مدعوم من إيران وحزب الله، وفي المقابل فإن غالبية قوى المعارضة تنتمي إلى الطائفة السنية.

ثالثا: الصراع في البحرين بين المعارضة الشعبية ذات الغالبية الشيعية وبين النظام المحكوم من عائلة آل خليفة، المدعوم من أطراف سنية مع وجود قوى وشخصيات شيعية تقف إلى جانب النظام، ومع أن هذا الصراع انطلق من ثورة شعبية سياسية لإصلاح النظام بموازاة التحركات الشعبية العربية في المنطقة فقد أخذا بعدا مذهبيا .

رابعا: التطورات في العراق، التي تأخذ بعدا مذهبيا في بعض الأحيان مع أن الخطر على العراق من قبل تنظيم داعش لا يطال فريقا دون آخر؛ فداعش استهدف السنة والشيعة والأكراد والإيزديين والآشوريين والمسيحيين، ومواجهة داعش تتم من قبل الحكومة العراقية والقوى الشعبية العراقية من قوات الحشد الشعبي والعشائر العراقية وبدعم دولي وعربي.

لكن في مقابل أجواء الصراعات السياسية التي تأخذ بعدا مذهبيا أحيانا، نلحظ وجود تعاون وحوار بين حزب الله وتيار المستقبل في لبنان من أجل حماية الاستقرار والوضع الأمني، ولمواجهة المجموعات الإسلامية المتشددة والبحث عن حلول سياسية للأزمة اللبنانية.

كما لا بد من التوقف أمام رسالة التهنئة التي أرسلها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لوزير الخارجية السعودي الجديد عادل الجبير ودعوته للتعاون من أجل تعزيز العلاقات بين البلدين ومواجهة مختلف التحديات.

ورغم حدة الخلافات السياسية في المنطقة فقد شكلت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إيران مؤخرا، والحرص على تعزيز التعاون المشترك، دليلا على إمكانية تجاوز الخلافات للبحث عن مصالح مشتركة.

أما الموقف الباكستاني المعارض للتدخل في حرب اليمن رغم العلاقات التاريخية والسياسية القوية بين باكستان والسعودية، فهو مؤشر مهم على رفض إعطاء الصراع بعدا مذهبيا .

وفي مقابل هذه الصراعات نشهد حراكا سياسيا متنوعا، وهناك قوى ومجموعات عربية وإسلامية تسعى للتحرك من أجل التخفيف من أجواء الصراعات، فالمؤتمر القومي – الإسلامي وبالتعاون مع المؤتمر القومي العربي ومؤتمر الأحزاب العربية، يبحث في إطلاق مبادرة لدعم الحوار بين الأطراف اليمنية ووقف الصراع هناك، كما أن ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار في لبنان، الذي يرأسه العلامة السيد علي فضل الله، ينشط في تعزيز الحوار الإسلامي – الإسلامي والدعوة لوقف الصراعات والذهاب نحو الحوار، والبحث عن تسويات للأزمات القائمة، انطلاقا من أن التحديات الوجودية للعالم العربي والإسلامي أقوى من الصراعات القائمة، وهذا يتطلب البحث عن نقاط مشتركة للعمل والتعاون.

وإن استمرار إعطاء الأبعاد المذهبية لهذه الصراعات لا يوصل إلى الحقيقة؛ لأنها صراعات سياسية وعلى السلطة وليست دفاعا عن مذهب معين ضد أتباع مذهب آخر.