مقالات مختارة

جميلا تصنعه حماس.. إن تجاهلت الرد عليه

1300x600
كتب عدنان أبو هليل: في لقاء له ولا يمكن تجاهل دلالات توقيته أورد بشار الأسد أمام فئة من الفلسطينيين الذين زاروه في دمشق بيانا سياسيا جاء فيه جملة من المزاعم التي طاول فيها موقف حماس مما يقع في سوريا ومنتهيا إلى أن ما يجري في سوريا هو مؤامرة وأنه هو حامي حمى العروبة والمنزّه عن أي شك والمقّدس عن كل ذم.. وقد رمى في بيانه حماس بأربع تهم هي..

* أن حماس شكت له قطر ذات مرة وأنها أبدت له تشككا فيها وفي مواقفها.. 

* وأن حماس حرضته على سحق المؤامرة (الثورة السورية) وتعهدت باستعدادها لمشاركته في فعل ذلك ردا لجميله عليها- كما يقول.

* وأن حماس حاولت التدخل في الشأن الداخلي لسوريا عبر محاولة التوسط بين النظام و"الإخوان المسلمون" السوريين وأنه نصحهم بترك هذه المسألة للقوانين السورية.. 

* وأن حماس حاولت استغلال الحصانة الدبلوماسية لبعض رموزها في إدخال السلاح لمن يسميهم المتآمرين.. 

وأقول: 

لننظر هذه الرميات الأربع بعين المنطق وفي ضوء سياق الأحداث، ولا أظن أننا بحاجة لبيان رسمي من حماس ينفيها ويقدم رواية مقابلة لها، فحماس – وهذا ظني – لا ترغب في الانجرار إلى مواجهة معه رعاية لماضي العلاقة كما يفعل الأنقياء الذين يستحيون بحسن وفائهم، ولكي لا تنشغل بمهاتراته عن مواجهة العدو، فضلا عن ضرورة تفويت الفرصة على محاولته المشاغبة على مستجد تقاربها مع إيران. 

وأرى أنه يجدر التنبيه في البداية إلى ثلاث حقائق أجدها كافية لتأكيد أن ما جاء هنا على لسانه لا يعدو أن يكون مجرد دعاوى مغرضة وليس لها سند في الواقع أو في منطق التحليل.. 

الحقيقة الأولى: هي أن الثورة السورية كانت انتقالا طبيعيا لحراك ثوري بدأ في تونس ثم إنتقل لمصر وليبيا واليمن وصولا بالمنطق الطبيعي لسوريا، وأن كرامة الشعب السوري ليست بأقل من كرامة كل الشعوب الساعية لاستقلالها وحريتها، كما أن النظام السوري وممارساته ليست بأنزه ولا أقدس من أن تتسبب في ثورة شعب مظلوم بل مسحوق استبدادا واستغلالا ونهبا وإعوازا؛ ولئن اندس في هذه الثورة مندسون فإن جوهرها ولحمتها ثورة ككل الثورات.

الحقيقة الثانية: أن النظام السوري اليوم ليس هو ذات النظام السوري الذي أقامت معه حماس علاقات مودة وتعاون ذات يوم.. فهو اليوم حليف المنظمة التي كسرت البندقية وارتمت في أحضان العدو من زمن بعيد، وهو اليوم يقتل شعبه، ويقاتل عن طائفية بغيضة نتنة، وهو الذي تغض عنه وعن جرائمه أمريكا عينها ودبلوماسيتها، وهو الذي صارت (إسرائيل) تعتبره أخف الشرين، وتدفع أعوانها في المنطقة لمناصرته والتخلي عن الثورة ضده..

الحقيقة الثالثة: حماس التي يراد اتهامها بالمؤامرة لا تزال في معسكر المقاومة، ولم تجف دماؤها بعد من حرب عدوانية شنها عليها الكيان لواحد وخمسين يوما وهي التي قصفت تل أبيب ولقنت العدو درسا سيحسب حسابه كلما فكر بالعدوان.. المفروض والواقع أن لذلك انعكاسه الموضوعي والمنطقي على تشريف كل مناصر لها بقدر ما هو فضيحة وخزي وخيبة لكل من يعاديها.. وعليه فلا يمكن النظر لمواقف تركيا وقطر إلا بالاحترام ولا النظر لخصمائهم إلا بالتهمة والريبة والإدانة والذم.. 

فإن جئنا لتفريد الرد على كل تهمة (أو فرية) وللمناقشة التفصيلية فلنا ودون إسهاب غير لازم أن نتساءل: 

* إن كانت حماس شكت له من قطر أو تشككت له في مواقفها بشار.. فلماذا هي اليوم تتركه وتتفق مع قطر؟ أليس المفروض لو صدقت روايته أن يكون العكس؟ ثم هو لم يخبرنا عن رده على شكاية حماس.. فهل قبل شكايتها فيكون المفروض أن حماس في صفه ضد قطر وهذا مخالف للواقع؟ أم رفض شكايتها فيكون المفروض أنه هو مع قطر ضد حماس.. وهذا مخالف للواقع أيضا؟

* وأما أن ن حماس حرضته على سحق الثورة السورية (التي يسميها مؤامرة).. فالسؤال: ولماذا لم يقبل بعرضها كما قبله من إيران ومن العراق ومن حزب نصر الله ومن أحمد جبريل "القيادة العامة" ومن كل طائفي مذهبي إجرامي؟ أخشى أن يزعم ذات مرة بأنه قبل عرض حماس ويحمّلها مسؤولية قتل المائتي ألف سوري الذين قتلهم والتي ألقت البراميل المتفجرة على المدارس والمشافي وطوابير الخبز وعلى الحارات الوادعة المسالمة التي ألقاها!! 

* وأما أن حماس حاولت التوسط بينه وبين "الإخوان المسلمون" السوريين.. فلست أرى محاولة حماس إصلاح الحال السوري تهمة تتبرأ منها أو تدان بالسعي فيها.. وما ذلك لو حدث إلا الواجب شرعا وعرفا ونخوة وعروبة والإخوان أصفى الناس وأحق أن تنصلح العلاقة بينهم وبين نظام كان يجسد القومية والوطنية قبل أن يتورط في الحروب الطائفية. 

* وأما أن حماس حاولت استغلال الحصانة الدبلوماسية لأسرة "صهر خالد مشعل" في إدخال السلاح لثوار سوريا.. فما رأيت ولا سمعت أسمج ولا أبلد ولا أسخف من هذه الفرية التي ينسج أحسن منها طفل صغير.. وإلا فما الذي ستسربه امرأة وزوجها في حقائبهم الشخصية لثوار سوريا الذين يسيطرون على أكثر من ثلثي مدنها وتحت أيديهم مفاتيح حدودها من جهاتها الأربع ويملكون الدبابات والمدافع والراجمات؟ 

آخر القول.. واضح أن بيان رئيس النظام السوري هذا إنما يأتي كمحاول للمشاغبة على مساعي التقارب بين إيران.. فيكون جميلا تصنعه حماس إن تجاهلت مشاغباته وأبقت معركتها كما هي دائما مع الاحتلال..



( صحيفة بوابة الشرق)