ملفات وتقارير

إجرام الاحتلال يتفاقم في غزة.. مدارس "الأونروا" لم تعد آمنة (شاهد)

الاحتلال الإسرائيلي لا يزال مُستمرا في اقتراف "جرائم حرب" بالجُملة- الأناضول
"إياكم تمرّوا على جملة: نازح في مدرسة، مرور عادي، وكأنه وضع عادي؛ نازح في مدرسة أبداً أبداً أبداً مش عادي، ولا عمره راح يكون عادي!" هكذا انطلقت المواطنة الغزّية، وسام ياسين، في شرح "معنى" أن تكون مواطن من غزة، قُصف منزله، وبات بين ليلة وضحايا "نازحا" داخل مدرسة يُفترض أنها مُحصّنة من قصف الاحتلال العشوائي المُتواصل، لكنها غير كذلك، حيث أن الاحتلال تعدّى كل القوانين الإنسانية، وقصف كل شيء.

وتضيف وسام، في منشور لها على منصة "فيسبوك": "..نازح في مدرسة يعني بكل دقيقة بيطَّلع على السما 30 مرة، وهو متخيل أنه المجزرة الجديدة راح تكون في مدرسته، والخبر العاجل الجديد راح يكون هو وعيلته".

تسترسل: "نازح في مدرسة يعني حلم بعيد صعب المنال إنه يتحمّم، الاستحمام بالنسبة إله رفاهية مستحيلة؛ نازح في مدرسة يعني الرغيف بيتقسم على اثنين، وممكن على أربعة، وقد ما فيها بيكفيها، المهم في شيء دخل بطنه، وهذا إنجاز عظيم؛ نازح في مدرسة يعني بيسمع القـصـف حوله ويشوفه لكن مش قادر يعرف مكانه، يتخيل كل استهداف هو له.".


منشور طويل، تظن أنه نص مُتخيل، لكنه واقع مرير يعيش على إيقاعه الأهالي في غزة، على مدار الأيام الماضية؛ آخرها الخميس الماضي، حيث أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" أن أربع مدارس تابعة لها، تأوي نازحين في قطاع غزة، تعرضت لأضرار بسبب غارات الاحتلال الإسرائيلي على القطاع.

وأكدت "الأونروا" أن القصف أوقع 23 شهيدا، موضحة أن "اثنين من المدارس تقعان في مخيم جباليا، والشاطئ (شمال القطاع)، وآخرين في البريج جنوبا". فيما كانت وزارة الصحة الفلسطينية، أعلنت في وقت سابق، سقوط 27 شهيدا، في قصف الاحتلال، قرب مدرسة تابعة للأونروا في مخيم جباليا، وخمسة آخرين في مخيم الشاطئ.

هل المدارس مُحصّنة من القصف؟
وفقا لبنود قانون منع الحرب أو القانون الدولي الإنساني فإنه يجب تقييد اللجوء إلى القوة، والحد من المعاناة الناجمة عن الحرب. بغض النظر عن مبرراتها أو أسبابها، أو منع نشوبها، ويحظر قصف كل من المساجد والكنائس، والمدارس، وهي الأماكن التي "لا يجوز مهاجمتها ما لم تُستغل لأغراض عسكرية"؛ غير أن الاحتلال الإسرائيلي، ومن يدعمه، ضربوا عرض الحائط كافة القوانين، وتجبّرو في غزة، بقصف انتقامي وعشوائي، طال كل شيء.

ورصدت "عربي21" ما يُعتبر "جرائم حرب" تُرتكب بشكل متواصل على الإنسانية في غزة، حيث يروي النازحين في مدارس الأونروا، أنهم لم يعودوا آمنين، والقصف بات يستهدفهم، في كل لحظة وحين. 

ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تضررت ما يناهز 42 منشأة تابعة للأونروا، تضررت من القصف، سواء عبر استهداف مباشر من الاحتلال الإسرائيلي أو غير مباشر عبر الذي يصيب مباني قريبة. وخلال الساعات القليلة الماضية فقط، تعرّضت ثلاث من مدارس "الأونروا" لعدد من الأضرار، فيما استشهد نازح وأصيب 44 آخرون، بينهم تسعة أطفال، في قصف مدرسة في رفح تأوي 4,600 نازح.


وقال مدير "الأونروا" في غزة، توماس وايت، الجمعة، أن "علم الأمم المتحدة لم يعد كافيًا لحماية الفلسطينيين الذين لجأوا إلى مدارس أممية في القطاع المحاصر والبالغ عددهم 600 ألف تقريبا"، مشيرا إلى "استشهاد 38 شخصا فيها".

وأضاف وايت، أمام ممثلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة المجتمعين للاستماع إلى تقرير حول الوضع الإنساني في قطاع غزة: "إنهم أشخاص يبحثون عن الحماية التي يؤمنها عَلَم الأمم المتحدة والقانون الإنساني الدولي"، مردفا: "الحقيقة أننا لا نستطيع حتى توفير الأمن لهم تحت راية الأمم المتحدة".

بحسب "الأونروا" نفسها، قد بلغ متوسط عدد النازحين لديها، في كل ملجأ ثلاثة أضعاف طاقته الاستيعابية المُعد لها، بمعنى أنه يقيم في الفصل الدراسي الواحد، غير المجهّز أساسا، من 70 إلى 100 شخص، جُلهم من الأطفال؛ ووسط المخاوف من تفشّي الأوبئة والأمراض المعدية، تقدّر فرق "الأونروا" الصحية المتنقلة، أن هناك أكثر من 37,900 شخص مصاب بأمراض غير معدية، وأكثر من 4,750 امرأة حاملا، وقرابة 390 حالة ما بعد الولادة تحتاج متابعة طبية في صفوف النازحين.


كذلك، هناك عشرات الإصابات بالالتهاب التنفسي الحاد والإسهال التي تنتشر بشكل متزايد بين الأطفال دون سن الخامسة، يأتي هذا في ظل تناقص مخزون الأدوية والوقود؛ وفي وقت تواصل فيه ثمانية مراكز صحية فقط، من أصل 22 مركزا تابعا للأونروا، العمل في جنوب غزة. 

إلى ذلك، أصبحت مخاوف النازحين في مدارس "الأونروا" تتفاقم، ويمتزج فيها الخوف بين الاستشهاد قصفا، أو عطشا وجوعا، وربما بسبب "وباء" حيث أن أبسط مستلزمات النظافة تنعدمُ، خاصة وأن الغالبية العظمى منهم، من الرجال والأطفال الذكور، ينامون في العراء، حيث تُترك الفصول للنساء والفتيات من أجل بصيص من الخصوصية.

أسلحة محرمة دوليا تصيب ما يُحظر قصفه
"الاحتياجات الأساسية حلم بعيد، والاصطفاف لأجل قضاء الحاجة يستغرق ساعة على الأقلّ؛ الأمر أكثر صعوبة على النساء والأطفال، وكذلك على الأشخاص ذوي الإعاقة وأصحاب الأمراض المزمنة؛ التفكير في المستقبل أكثر تعقيدا"، بهذه العبارات وصف أحد المواطنين الفلسطينيين النازحين بإحدى مدارس "الأونروا" معاناة مئات الآلاف من مواطنين، منذ أيام، عبر مقطع فيديو، نشرته الوكالة الأممية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

رغم القصف المتواصل، والمأساة الإنسانية المُستمرة، حيث إن كافة النازحين هم ممّن قُصفت منازلهم فسوّيت أرضا، وفقدوا جُل أحبائهم وأقاربهم، لكن أيادي المحتل لا تزال مُستمرة في محاولة البطش بهم، حتى وهُم في قلب مؤسسات أممية، يُفترض أنها "ملجأ آمن"؛ لكنهم توصّلوا قبل أيام عن طريق الأونروا والصليب الأحمر، برسالة، تطلب فيها قوات الاحتلال من سكان غزة، بالاتجاه خلال أربع وعشرين ساعة، إلى محافظات جنوب الوادي.

ورصدت "عربي21" عدد من مقاطع الفيديو، تُوثق قصف الاحتلال الإسرائيلي،  الخميس الماضي، لمدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بقنابل الفوسفور والقذائف المدفعية، في مخيم الشاطئ بمدينة غزة؛ وهو المقطع الذي التقطه أحد النازحين، كشف لحظة سقوط قنابل الفوسفور على مدرسة، تضم آلاف الفلسطينيين الذين نزحوا بسبب العدوان الذي يشنه الاحتلال.

من جهتها، أكدت قناة "الأقصى"، أن "طائرات الاحتلال استهدفت مدرسة الوكالة في مخيم الشاطئ بالفوسفور الأبيض المحرم دولياً". وعلى الرغم من توالي الإدانات الحقوقية، إلا أن آذان المجتمع الدولي "صمّاء"، والاحتلال الإسرائيلي لا يزال مُستمرا في اقتراف  "جرائم حرب" بالجُملة.

تجدر الإشارة، إلى أن عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، دخل يومه الـ28، وسط غارات مكثفة لم تتوقف، طالت كافة أنحاء القطاع، ما يهدد بارتفاع حصيلة الشهداء إلى أكثر من 10 آلاف خلال مدة قصيرة.

ومنذ ساعات الفجر الأولى، الجمعة، شن طيران الاحتلال الحربي وسلاح المدفعية غارات مكثفة، استهدفت مخيم جباليا، وبيت لاهيا، وحي الكرامة شمال القطاع، ومخيم البريج وسط القطاع، وحي الزيتون شرق القطاع، وحي تل الهوا والنصر غرب غزة.

وصباح الجمعة، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي مجزرة وحشية بقصفه مدخل مقبرة بيت لاهيا، ما أسفر عن ارتقاء 7 شهداء على الأقل. فيما كانت آخر حصيلة رسمية لضحايا العدوان، صدرت عن وزارة الصحة الفلسطينية الخميس، تفيد بأن عدد الشهداء وصل إلى 9061، منهم 3760 طفلا و 2326 سيدة، إضافة إلى أكثر من 32 ألف جريح. 

ومن بين الشهداء 135 من الكوادر الطبية، و46 صحفيا و18 ضابطا من الدفاع المدني، و49 من الأئمة والدعاة والوعاظ.