ملفات وتقارير

"القانون الأكثر إثما".. كيف حول السيسي إجراء الحبس الاحتياطي إلى عقوبة؟

"يرفض المسؤولون المصريون الكشف عن أعداد السجناء في إطار قمع المعارضة"- الأناضول
تواصل السلطات الأمنية والقضائية المصرية عمليات التنكيل بالمعتقلين السياسيين، فبرغم أحكام قضائية صادرة ببراءتهم وقرارات إدارية معلنة بإخلاء سبيلهم، يجري تدويرهم في قضايا جديدة وإبقاؤهم بمحبسهم بالمخالفة للقانون والدستور قيد الحبس الاحتياطي مدة 4 سنوات، بينما المدة القصوى هي عامان.

وخلال الأيام الماضية رصدت "المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، عمليات تجديد حبس لعشرات المعتقلين بينهم السياسي محمد القصاص الأربعاء، والمعتقل أنس البلتاجي، والمعتقل الحسن خيرت الشاطر، و7 معتقلين بقضايا مختلفة بجانب 12 معتقلا آخرين، يوم الاثنين الماضي.

"أسماء لافتة قيد الحبس"
والأربعاء، جددت محكمة جنايات القاهرة، حبس نائب رئيس حزب "مصر القوية" محمد القصاص، 45 يوما بالقضية (786 لسنة 2020)، برغم أنه معتقل منذ 8 شباط/ فبراير 2018، وحصل على براءة وإخلاء سبيل بالقضية المعروفة إعلاميا بـ"مكملين 2"، ليتم تدويره بقضية أخرى وحبسه احتياطيا بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية.

وقررت محكمة الجنايات المنعقدة في مجمع سجون "بدر"، الاثنين الماضي، حبس الحسن خيرت الشاطر، وأنس محمد البلتاجي، -نجلا القياديين في جماعة الإخوان المسلمين المعتقلين أيضا- لمدة 45 يوما على ذمة القضية رقم 1470 لسنة 2019 بتهم الانضمام لجماعة إرهابية.

وفي 31 كانون الأول/ ديسمبر 2013، اعتقلت قوات الأمن المصرية أنس البلتاجي، في عمر 19 عاما، ليقضي أكثر من 10 سنوات في حبس انفرادي بـ6 سجون مختلفة، رغم حصوله على 3 أحكام بالبراءة وإخلاء السبيل، إلا أنه جرى تدويره وحبسه احتياطيا في القضية الجديدة.

وفي 15 شباط/ فبراير 2017، اعتقلت قوات الأمن المصرية حسن خيرت الشاطر، نجل نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وهو حدث دون سن 18 عاما، من منزل الأسرة شرقي العاصمة القاهرة، ليتم اتهامه في القضية المعروفة إعلاميا بـ"التخابر مع حماس" التي تمت تبرئته منها، ليتم تدويره على ذمة قضايا أخرى.

والاثنين الماضي، أيضا، جددت نيابة أمن الدولة، حبس الكاتب الصحفي محمد سعد خطاب، (71 عاما) بالقضية (2063 لسنة 2023)، التي يواجه فيها اتهامات بالانضمام لجماعة إيثارية، بعد القبض عليه من مكتبه شرق القاهرة 19 آب/ أغسطس الماضي.

والأحد الماضي، قررت النيابة الكلية ببنها تجديد حبس الناشط أحمد جيكا، 15 يوما احتياطيا بالقضية (3117 لسنة 2023)، المتهم فيها بـ"نشر أخبار كاذبة".

"أزمة بكل قرية وكل حي"
وانطلاقا مما يجري بحق نجلي القياديين في الإخوان أنس والحسن، وبحق السياسي محمد القصاص والناشط جيكا، والصحفي سعد خطاب، أشار حقوقيون وأهالي بعض المعتقلين إلى ما اعتبروه الانتقام من آلاف المعتقلين عبر "تدويرهم وتجديد الحبس الاحتياطي لهم" الذي يجري بشكل شبه يومي لعشرات المعتقلين عبر دائرة إلكترونية بمجمع سجون "بدر" قرب العاصمة الإدارية الجديدة وغيره من السجون الحديثة.

ولفت متحدثون لـ"عربي21"، إلى أن "النظام الأمني والقضائي في مصر يوجه تهما لكثير من المعتقلين الذين بحوزتهم وأمضوا العقوبة منذ العام 2013، ويجري تجديد حبسهم بقضايا جديدة، بينما كانوا رهن الاعتقال، في سوابق قانونية وغير إنسانية".

ورصد أحد قيادات الصف الثاني من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، نحو 15 اسما من قرية واحدة بمحافظة الشرقية، لـ"عربي21"، "يجري تدويرهم منذ سنوات وحبسهم احتياطيا على ذمة قضايا جديدة، رغم براءتهم وانتظار ذويهم إخلاء سبيلهم"، مضيفا: "وقس على ذلك حبس معتقلين احتياطيا بكل قرية وحي بكل مدينة".


منظمات حقوقية بينها "هيومن رايتس ووتش" ذهبت لانتقاد عمليات تجديد الحبس الاحتياطي، مؤكدة في شباط/ فبراير الماضي، على خطورته على حياة المعتقلين، موضحة أن "القمع أدى إلى اكتظاظ خطير في مراكز الاحتجاز ومفاقمة ظروفها، التي هي أصلا غير إنسانية".

"30 ألف معتقل"
ولا توجد إحصاءات رسمية أو مؤكدة عن عدد المحبوسين في مصر من الجنائيين ومن المعتقلين السياسيين ومن المحبوسين احتياطيا، لكن رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب علاء عابد، قال أمام اللجنة في 13 آذار/ مارس 2017، إن "نصف السجناء في مصر محبوسون احتياطيا".

وإلى جانب السجون العسكرية التي لا يُعرف عددها بالتحديد، ولا أعداد القابعين فيها، توجد سجون تابعة لوزارة الداخلية يديرها قطاع مصلحة السجون ومديريات الأمن بالمحافظات، ومراكز الشرطة، ومقار احتجاز الأمن الوطني، ما يجعل من المستحيل معرفة حقيقة أعداد المحتجزين.

ووفق "مبادرة الإصلاح العربي" -مركز أبحاث بفرنسا- فإن الحكومة المصرية أنشأت عشرات السجون بين 2013 و2021، ما يرفع عدد منشآت الاحتجاز لـ168 تقريبا في 2021، وذلك ما عدا مراكز الشرطة المنتشرة في ربوع البلاد.

"يستخدمهم كرهائن"
وفي رؤيته لأسباب إصرار النظام على التنكيل بالمعتقلين عبر قانون الحبس الاحتياطي، قال الحقوقي المصري هيثم أبوخليل، إن "(المادة 95)، من الدستور المصري تقول إن العقوبة شخصية، وببلد الشريعة الإسلامية فيها أحد مصادر التشريع يقول القرآن الكريم في سورة (النجم): (ألا تزر وازرة وزر أخرى)".

أبوخليل، وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف أن "النظام المجرم يستخدم بعض الأساليب للترويع وبث الرعب في المجتمع، منها أسلوب الرهائن، والرهائن هنا ليس فقط من المعارضين في الخارج لكن أيضا من المعتقلين الموجودين بالمعتقلات".

وأكد أنه "يستخدم بحقهم الحبس الاحتياطي لزيادة التنكيل بهم كما يستخدم أسلوب الاختطاف والإخفاء القسري"، موضحا أن "هذه الأساليب استُخدمت في الحرب العالمية الثانية وتُستخدم اليوم كإرهاب من الدولة ما يؤدي لتكسير قيمة ومعاني الدستور"، معتبرا أن "هذا نوع من أنواع الإرهاب والتنكيل والتحطيم للدستور والقانون".

وعن وجود أرقام حول جريمة الحبس الاحتياطي، لفت الحقوقي المصري، إلى تأكيد المذيع المصري نشأت الديهي، قبل سنتين، بوجود "نحو 30 ألف محبوس احتياطي في مصر"، فيما ألمح أبوخليل، إلى أنهم "يرتدون الزي الأبيض ويتم تدويرهم بقضايا جديدة".


وأرجع استمرار تلك الحالة بحق آلاف المعتقلين، إلى أن "القضاء للأسف الشديد أصبح مؤسسة كرتونية، وكل قراراته لا قيمة لها، نتيجة عدم استقلاله وإطلاق يد الأمن الوطني في موضوع التدوير، وإدخال الأبرياء والمفرج عنهم في دوامة لا تنتهي".

وفي ختام حديثه أوضح أن نظام السيسي خالف الدستور والقانون الذي قام بصناعته، مؤكدا بل إن ذلك الدستور والقانون "لا يتم النظر إليه أصلا، وفي النهاية يمارسون لعبة التدوير والحبس الاحتياطي".

"مطالبات دولية.. وأسرار دولة"
ولأن آخر تقرير حول عدد السجناء أصدره "قطاع مصلحة السجون" التابع لوزارة الداخلية يعود إلى تسعينات القرن الماضي، طالبت 9 منظمات حقوقية بينها "هيومن رايتس ووتش"، و"كوميتي فور جاستس"، و"حرية الفكر والتعبير"، مصر بنشر أعداد المحتجزين والسجناء في إطار قمع المعارضة.

في 28 شباط/ فبراير الماضي، أعلنت المنظمات التسع أنها أرسلت أسئلتها حول عدد السجناء في 15 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، و19 كانون الثاني/ يناير الماضي، لوزارة الداخلية، والنائب العام، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، دون رد.

ودائما ما يرفض المسؤولون المصريون وبينهم رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، الإجابة عن أسئلة الصحفيين حول أعداد السجناء، وهو الأمر الذي عبر عنه الباحث في هيومن رايتس ووتش، عمرو مجدي، بقوله: "وكأنها أسرار دولة".

"أبغض القوانين"
وفي تعليقه قال الحقوقي المصري خلف بيومي، إن "الحبس الاحتياطي من أبغض القوانين لدى المشرع، لأنه قيد على الشخص الذي تلاقيه البراءة، وطبقا للنص الدستوري: الإنسان بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة تتوافق له فيها ضمانات المحاكمة العادلة".

مدير "مركز الشهاب لحقوق الإنسان"، أوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن هذا القانون "مرتبط بسببين فقط هما أمن الدليل، وسلامة التحقيق، وبانتفائهما لا يوجد مبرر للحبس الاحتياطي مطلقا".

وتابع أن "المشرع حرص على جعل سقف للحبس الاحتياطي وجعله سنتين، وهو أمر لا يتوفر مبرر له إلا في جرائم قليلة"، مضيفا: "ولكن الواقع أثبت أن دوائر الإرهاب قد أغفلت النصوص وتخطت علة الحبس الاحتياطي وجعلته قسطا من العقوبة بلا مبرر لذلك".

وأكد بيومي، أن "كل المعتقلين تعرضوا لذلك الإجراء، وأصبحت قرارات إخلاء السبيل تتم بعد السؤال عن المدة التي قضاها المحبوس، وليست بناء على انتفاء مبررات الحبس".

وحول كيفية مواجهة جريمة الحبس الاحتياطي، يرى الحقوق المصري أنه "لا سبيل للقضاء على ذلك التصرف إلا بتكاتف الجميع لوضع حد لتلك التجاوزات، والمطالبة بوضع نص يترتب عليه البطلان لكل الإجراءات المترتبة على مخالفة ذلك النص"، مشيرا في نهاية حديثه إلى وجود "آلاف المحبوسين احتياطيا خلف أسوار السجون".

"إجراء احترازي تحول لعقوبة"
وحول مدى مخالفة نظام السيسي لقانون الحبس الاحتياطي الذي قام بتغيير بنوده، قال الباحث المصري في الشؤون القانونية والتشريعية عباس قباري، إن "النظام عقب تموز/ يوليو 2013، قام بتعديل النظام القانوني للتقاضي الجنائي عبر تعديل قانون الإجراءات الجنائية ليسمح باستمرار الحبس الاحتياطي وعدم التقيد بمدد".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح قباري، أنه "بالرغم من كون الحبس الاحتياطي إجراء احترازيا لكنه تحول لعقوبة وفق هذا التعديل الذي يسمح للقاضي بتجديد الحبس بلا سقف، لمجرد أن التهم المسندة للمتهم عقوبتها المؤبد أو الإعدام بالرغم من أنه يتهمهم بلا دليل أو برهان".

وأكد أن "الانقلاب قام بجريمة قانونية للأسف سكت عنها المختصون بتضمين الإجراءات الاستثنائية التي أقرتها قوانين الطوارئ والمحاكمات أمام المحكمة العسكرية وأمن الدولة العليا وأفرغها في قوانين طبيعية، مثل قانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات".

وتابع: "أضف لذلك قوانين الإرهاب التي تعد بمثابة قانون عقوبات مواز يسجن الناس بالشبهة ويستولي على أموالهم دون منحهم حق الطعن".

وختم حديثه بالقول: "نحن أمام نظام ينتقم من خصومه ويمارس عليهم البلطجة القضائية عبر استخدام أدوات استثنائية للاتهام، وقضاة يحكمون بالزور والبهتان".

"بالمخالفة للدستور"
وكشفت ورقة بحثية لـ"مؤسسة حرية الفكر والتعبير"، صادرة في 30 كانون الأول/ ديسمبر 2021، عما اعتبرته "انحراف مبررات الحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية عن الغرض الذي شرع من أجله"، ومخالفة لدستور 2014، الذي أنتجه النظام الحالي.

وقالت إنه "باستعراض نص المادة (134) من قانون الإجراءات الجنائية نجدها توسعت في الهدف من الحبس الاحتياطي"، موضحة أن "فيها افتئاتا على حق المتهم في الحرية الشخصية وتدحض قرينة البراءة، وتنحرف تلك المبررات عن الغرض الذي شرع من أجله الحبس الاحتياطي وهو مصلحة التحقيق".

ولفتت إلى أن تلك المادة حصرت دواعي ومبررات الحبس الاحتياطي بأربع حالات، هي: "إذا كانت الجريمة في حالة تلبس ويجب تنفيذ الحكم فيها فور صدوره"، و"الخشية من هروب المتهم"، و"خشية الإضرار بمصلحة التحقيق"، و"توقي الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام الذي قد يترتب على جسامة الجريمة".

وجميعها وفق خبراء لا تنطبق على المعتقلين الموجودين في حوزة النظام لأكثر من 10 سنوات.
بل إن "مؤسسة حرية الفكر والتعبير"، أكدت أن "البند الرابع من المادة (134) يخالف المادة (54) من الدستور التي تقول: "الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق …".