قضايا وآراء

الممر الهندي نقلة استراتيجية خطيرة

"حرب بين مشاريع جيوسياسية تضرب العالم"- جيتي
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي، عن إطلاق مشروع الممر الاقتصادي بين الهند، القطب الإنتاجي الصاعد، والشرق الأوسط وأوروبا، لنقل البضائع والمنتجات بين هذه المناطق، التي شهدت علاقاتها التبادلية في مراحل سابقة زيادة نسبية ملحوظة. ويشكل الممر بحسب خبراء من هذه البلاد، ميزة تخفيض وقت العبور (في قناة السويس) بين الهند وأوروبا بنسبة 40 في المئة.

غير أنه بعيدا عن الجانب التقني للمشروع، فإن الأهداف السياسية وراءه لا تخفي نفسها، فالمشروع يتساوق بدرجة كبيرة مع استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة النفوذ الصيني في المنطقة، الذي تنظر له واشنطن على أنه جزء من هدف استراتيجي بعيد، يهدف إلى قلب النظام العالمي القائم على الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم فإن المشروع بمنزلة رد استراتيجي على اللعبة الجيوسياسية الصينية.


المشروع يتساوق بدرجة كبيرة مع استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة النفوذ الصيني في المنطقة، الذي تنظر له واشنطن على أنه جزء من هدف استراتيجي بعيد، يهدف إلى قلب النظام العالمي القائم على الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم فإن المشروع بمنزلة رد استراتيجي على اللعبة الجيوسياسية الصينية.

لكن المشروع ينطوي على مخاطر عديدة بالنسبة لمنطقة الشرق، إذ لا يقتصر على إعادة هندسة وتصميم سلاسل التوريد على المستوى العالمي، لكنه ينذر بإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط، وإعادة ترتيب القوى والتوازنات القائمة في هذه المنطقة، وصولا إلى التأثير بالأهداف وحتى المعتقدات السائدة.

يتجلى ذلك بوضوح من خلال وضع إسرائيل عنوة في قلب التفاعلات السياسية والاقتصادية، وتحويلها إلى طرف طبيعي مؤثر، حيث سيشكل ميناء حيفا مركزا أساسيا لمشروع الممر إلى أوروبا، الذي يخترق منطقة المشرق العربي عبر السعودية والأردن، وهو حلم طالما سعت إليه إسرائيل، التي تملك مشروعا واضحا للشرق الأوسط، سبق أن شرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شيمون بيريز، من خلال دمج إسرائيل في البنى الاقتصادية والتكنولوجية للمنطقة.

خطورة ذلك تكمن في أن إسرائيل، بحكم تفوقها التقني، ستحتل مكانة مميزة في تراتبية الدول الفاعلة في المنطقة وعلى حساب الفعالية والأدوار العربية، بالإضافة طبعا إلى إعلان القطيعة العربية مع القضية الفلسطينية، وتحويلها إلى مجرد خلاف داخلي إسرائيلي، ربما يستوجب عدم التدخل فيه؛ احتراما للمصالح الناشئة مع إسرائيل ومراعاة للديناميكيات الجديدة التي ستؤثر بدرجة كبيرة في الخطط الاقتصادية والمشاريع التنموية لدول المنطقة، التي تحتل في هذه المرحلة أولوية وطنية لدى العديد من الدول العربية الأخرى، بعيدا عن أي اعتبارات ذات طابع أيديولوجي قومي.

خطورة أخرى ينطوي عليها مشروع الممر الهندي، تتمثل بإضعاف الدور اللوجستي لمصر عبر تراجع أهمية قناة السويس، فالمؤكد أن حجم البضائع التي سينقلها الممر الهندي ستكون من رصيد قناة السويس، التي باتت أحد أهم مصادر الدخل لمصر، حيث تؤمن ما قيمته 9 مليارات دولار. ويعتمد الاقتصاد المصري بدرجة كبيرة على هذه العائدات، في ظل تراجع العناصر الاقتصادية الأخرى في رفد الميزانيات، وفي وقت يعاني الاقتصاد المصري من ارتفاع معدلات التضخم ونقص العملة الأجنبية.


تدفع هذه المستجدات إلى تشكيل تحالف متضررين في المنطقة، فالمشروع يضر بمصالح مصر وتركيا وإيران وروسيا والصين، وقد يؤدي إلى تشكيل تحالفات بين أطرافه بهدف إعادة صياغة التوازنات في المنطقة، الأمر الذي من شأنه رفع منسوب التوتر في منطقة باتت تشكل مكبا للخلافات الدولية، وساحة صراع بين القوى الكبرى ومشاريعها.

بدورها تركيا تبدو متضررة من هذا المشروع الذي يهمش موقعها الجيوسياسي، بوصفه الرابط الطبيعي الوحيد بين آسيا وأوروبا، ما دفع بالرئيس رجب طيب أردوغان إلى القول؛ إنه "لا يمكن أن يكون هناك ممر بدون تركيا"، وربما يعود سبب الانزعاج التركي إلى حقيقة أن مشروع الطريق والحزام الصيني، الذي تشكل تركيا آخر محطاته، قد يواجه عقبات عديدة، في ظل تراجع الحماس الأوروبي عن الانخراط فيه، وهو ما ظهر من خلال الموقف الإيطالي، وتراجع مشروع روسيا تحويل تركيا إلى مركز لتوزيع الغاز إلى أوروبا، وبذلك فإن المكانة الجيوسياسية مهدّدة بالتهميش في حال نجاح الممر الهندي بعيدا عن تركيا.

قد تدفع هذه المستجدات إلى تشكيل تحالف متضررين في المنطقة، فالمشروع يضر بمصالح مصر وتركيا وإيران وروسيا والصين، وقد يؤدي إلى تشكيل تحالفات بين أطرافه بهدف إعادة صياغة التوازنات في المنطقة، الأمر الذي من شأنه رفع منسوب التوتر في منطقة باتت تشكل مكبا للخلافات الدولية، وساحة صراع بين القوى الكبرى ومشاريعها، فضلا عن الضرر الذي سيلحقه بالقضية الفلسطينية، التي ستذهب فداء للمشروع الأمريكي وزيادة نسب الأرباح بين الفاعلين المنخرطين في المشروع، الأمر الذي قد يدفع القوى الوطنية الفلسطينية إلى التفكير بوسائل جديدة لمواجهة هذا المتغير الخطير.

هي حرب بين مشاريع جيوسياسية تضرب العالم في هذه اللحظة، ومثل أي حرب أخرى يسقط على جوانبها الكثير من الخسائر والضحايا، وأهم خسائر هذه الحرب إضعاف المواقع الجيوسياسية للاعبين تاريخيين، وتهميش الجغرافيا وإخراجها من الفاعلية اللوجستية، فضلا عن وضع قضايا مصيرية على سكة الزوال.

twitter.com/ghazidahman1