قضايا وآراء

إسرائيل.. هل يتحول الاهتمام الأمريكي بعد الانسحاب من أفغانستان؟

1300x600
لقد دق الانسحاب الأمريكي من أفغانستان جرس الإنذار لدى حلفاء واشنطن في منطقة الشرق الأوسط، وعلى الأخص إسرائيل، التي ترتبط ارتباطا عضويا منذ نشأتها بالولايات المتحدة الأمريكية، ويمثل الحضور الأمريكي في المنطقة أهمية استراتيجية ومعنوية لها، وعامل قوة وردع لكل من يهدد إسرائيل.

ورغم الصمت الرسمي على مستوى القيادة الإسرائيلية فيما يتعلق بالحالة الفوضوية للانسحاب الأمريكي من أفغانستان، إلا أن القلق كان سائدا في كافة الأوساط الإسرائيلية، وانعكست صورة شديدة السلبية عن مدى تمسك الولايات المتحدة بدعم حلفائها.

لقد رأت الصحافة الإسرائيلية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان خروجا مذلا ومهينا، وعد كثيرٌ من المحللين الاستراتيجيين والمراقبين في إسرائيل ما حدث فشلا وانهيارا للاستراتيجية الأمريكية، ستكون له تداعياته التي ستتأثر بها إسرائيل، خاصة أنه يصب إيجابيا في مصلحة إيران التي أقامت علاقات جيدة مع طالبان.

ومن جهة أخرى ترى وجهة نظر إسرائيلية أن التعامل الأمريكي مع القضايا في المنطقة يؤشر إلى تحول عميق في السياسة الأمريكية، وهناك تخوف من تراجع مكانة إسرائيل لدى أمريكا؛ مما يستدعي الاستعداد لذلك، لأنه يؤثر على أمن إسرائيل.

لماذا يقلق الإسرائيليون من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان؟

حالة الخوف والقلق لدى إسرائيل من تراجع مكانتها في السياسة الأمريكية ليست وليدة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان؛ ولكن لها صداها منذ العقد الماضي، حيث كان هناك اتفاق في الرأي حول انحسار الدور الأمريكي في المنطقة، مع صعود آخرين.

وفي ظل حالة عدم الاستقرار التي تعيشها المنطقة وتحولات المصالح الأمريكية، زاد التخوف لدى الإسرائيليين أن يحدث تغير في مسلّمة حفظ أمن إسرائيل في السياسة الأمريكية الجديدة تجاه المنطقة.

غير أنه من المهم أن ندرك أن التخوف من تراجع مركز إسرائيل في اهتمامات السياسة الأمريكية ينطلق من مرجعية أساسها نظرية الأمن الإسرائيلي؛ التي تقوم عليها استراتيجية إسرائيل الأمنية.

نظرية الأمن الإسرائيلي

منذ أن وُضعت نظرية الأمن الإسرائيلي على يد ديفيد بن جوريون، أول رئيس لإسرائيل، وموردخاي ماكليف، أول رئيس أركان للجيش الإسرائيلي، وهي ترتكز على مجموعة من المبادئ والمفاهيم لضمان أمن إسرائيل؛ تفسر لنا الرؤية الإسرائيلية للدفاع عن أمن ووجود إسرائيل، والتخوفات من الانسحاب الأمريكي، والتي منها:

- التركيز على ضرورة توفر مؤازرة ودعم قوة كبرى عالمية أو أكثر، تمثل حليفا موثوقا يوفر لإسرائيل الدعم والمعاونة في الوقت المناسب.

- ترسم نظرية الأمن الإسرائيلي خريطة استراتيجية للدول العربية، مقسمة إلى دوائر استراتيجية، تشمل المجال الحيوي لإسرائيل الذي يضم ثلاث دوائر، وأضاف وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أرئيل شارون عام 1982 دائرتين إضافيتين؛ ليصبح هناك خمس دوائر استراتيجية، هي:

1- دائرة وادي النيل والتي تقودها مصر.

2- دائرة الشام، وتشمل العراق وسوريا.

3- دائرة الخليج العربي وتمثل السعودية القائد لها.

4- الدائرة الإسلامية وهي تضم الدول الإسلامية النشطة، وخاصة باكستان وإيران ودول آسيا الوسطى.

5- الدائرة الأفريقية وتشمل دول منابع نهر النيل (شرق ووسط أفريقيا)، وكذلك الدول المطلة على البحر الأحمر والمؤثرة فيه.

وبناء على ما سبق فإن مفهوم الأمن الإسرائيلي يمتد ليشمل محاولة التأثير والتحكم في التفاعلات الإقليمية؛ بما يقوي دور إسرائيل العسكري والسياسي ويثبته في المنطقة.

وبما أن المفاهيم التي يقوم عليها أمن إسرائيل تتحدد وفقا لما يمكن أن تتعرض له من تهديدات؛ فإن الوجود الأمريكي في منطقة تقع ضمن دوائر المجال الحيوي يعد ضامنا لأمن إسرائيل، والانسحاب الأمريكي يمثل تهديدا لهذا الأمن.

ولذلك تعتمد الاستراتيجية الإسرائيلية للأمن على عدة أسس نذكر منها:

- منع التقارب بين الدول القائدة في مناطق الدوائر الاستراتيجية للمجال الحيوي الإسرائيلي، وخاصة وادي النيل والشام.

- تشجيع الانشقاقات في تلك الدوائر.

- العمل على منع أي تماس أو تنسيق بين الدائرة الإسلامية والخليج العربي، وعرقلة أي توجه نحو ذلك.

ورغم أن إسرائيل يتحقق لها بضمانة ودعم أمريكي وغربي التفوق النوعي على كافة دول المنطقة، وتمتلك ترسانة عسكرية وسلاحا نوويا؛ فإنها لن تستمر لو رفعت أمريكا كقوة كبرى يدها عن حمايتها وضمان أمنها.

لذلك يمثل الانسحاب الأمريكي من المنطقة وأفغانستان وتداعياته رياحا تأتي بما لا تشتهيه سفينة إسرائيل؛ لأن ذلك يصب في تقويض استراتيجيتها الأمنية.

مؤشر تحول المصالح وتغير المزاج الأمريكي

مع الخروج الأمريكي من أفغانستان، وحالة الطوارئ التي تعيشها المنطقة؛ يتخوف الإسرائيليون أيضا من تحول المصالح الأمريكية، والتي قد تقتضي الانسحاب من المنطقة لتحقيق مصالح أمريكا التي تعد فوق كل اعتبار للحلفاء؛ وهذا يمثل كابوسا مزعجا بالنسبة لهم.

على جانب آخر شهد المزاج الأمريكي تطورا غير مسبوق بخصوص سياسة واشنطن تجاه إسرائيل، فهناك دعوات تطالب بخفض الدعم لإسرائيل، وضرورة النظر بشكل متوازن لصراعات المنطقة والقضية الفلسطينية، وتجنب الانجرار في سياسة المواجهة مع إيران.

في مقاله في الفورين بوليسي في 27 أيار/ مايو 2021، أشار ستيفن إم والت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، إلى أن هناك من ينادي بأنه حان الوقت لإنهاء العلاقة الخاصة مع إسرائيل، موضحا أن "فوائد الدعم الأمريكي لم تعد تفوق التكاليف"، بما معناه أن تكلفة دعم الولايات المتحدة الأمريكية باتت أكثر بكثير مما تحصله من فوائد.

الخلاصة

إن الانسحاب الفوضوي لأمريكا من أفغانستان ترك بدون شك أثرا عميقا لدى حلفائها وعلى الأخص إسرائيل.

إن ساسة إسرائيل ومنظريها يرون أن الانسحاب الأمريكي له تداعياته المستقبلية السلبية على المكتسبات الإسرائيلية، من الناحية الاستراتيجية والعسكرية، ناهيك عن الناحية المعنوية.

ولأن إسرائيل كيان لا ينتمي للمنطقة التي زرعت فيها، وعملت أمريكا لدمجها عبر الضغط على دول المنطقة مما جعل بعضها تسعى للتطبيع إرضاء للحليف الأمريكي؛ فإن الانسحاب الأمريكي سيجعل الحسابات مختلفة، ومع مرور الوقت، وإذا قررت أمريكا عدم الانشغال بالمنطقة؛ ربما يُعاد التموضع الإسرائيلي من جديد، لتجد إسرائيل نفسها في عزلة، وخاصة في ظل نجاحات المقاومة في فلسطين المحتلة، ومع صعود قوى أخرى في المنطقة؛ مما يستوجب على إسرائيل إعادة الحسابات من جديد حال فقدت مظلتها الاستراتيجية، ومع عدم وجود بدائل استراتيجية من القوى الكبرى يمكنها الاعتماد عليها.

إن تراجع المصالح الأمريكية في المنطقة هو الكابوس المخيف الذي يقض مضاجع الإسرائيليين؛ لأنه يعني بلا أدنى مواربة تراجع الاهتمام الأمريكي بإسرائيل، مما يعني بالتبعية تراجع اهتمام الغرب ومن يدورون في فلك أمريكا.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع