الذاكرة السياسية

المتوكل.. نجا من اغتيال في باريس ورفض المعارضة من الخارج

يحيى المتوكل.. نجا من محاولة اغتيال في باريس وتوفي في اليمن بحادث سيارة غامض (أرشيف)

توفي اللواء يحيى المتوكل بحادث سيارة وقع في 13 كانون الأول (يناير) 2003 كما ذكرنا في الحلقة الأولى من هذه السيرة. ويشير التقرير أعدته لجنة رسمية عن الحادث، أنه كان متوجها لإدارة اجتماع لـ "المؤتمر الشعبي العام" في محافظة لحج قادماَ من عدن بعد أن أمضى فيها 3 أيام مشرفا على اجتماعات حزبية مماثلة. تعرضت سيارته لحادث سير أدى إلى انقلابها لأربع مرات متتالية ما تسبب بوفاة اللواء المتوكل وقريبه مطهر المتوكل والمرافق صالح علي سعد المناري والسائق محسن جبر.

نجا من الحادث ثلاثة آخرون أدلوا بشهادتهم حول ظروف الوفاة وقد نشر التقرير في وسائل الإعلام في حينه فاستندت إليه أصوات معارضة للقول إن وفاة المتوكل كانت مدبرة بالقياس إلى كون السيارة اليابانية حديثة جدا (موديل 2002 ويسميها اليمنيون تحببا مونيكا نسبة إلى مونيكا لوينسكي) وبالتالي من الصعب أن تعاني من عطل تقني يؤدي إلى انفصال أحد عجلاتها وتعذر السيطرة عليها جراء السرعة.

الشك في الرواية الرسمية للحادث كان ضئيل التمثيل خصوصا بعد أن أعدت الشركة المصنعة تقريرا عن الحادث أكدت فيه ما ورد في التقرير الرسمي ناهيك عن غياب الدافع لعملية الاغتيال فالراحل كان ركنا أساسيا من أركان الحزب الحاكم ويتمتع بسلطات مهمة فضلا عن قربه من الرئيس علي عبد الله صالح  الذي كان يلتقيه يوميا.

 

                           السيارة التي قتل فيها المتوكل

إن ضعف حجة القائلين بـ "اغتيال" اللواء المتوكل عبر حادث سيارة مدبر، لا ينفي تعرضه لمحاولات اغتيال أخرى في حياته السياسية من بينها واحدة جرت في باريس ويرويها للمرة الأولى ابن شقيقه عصام أحمد المتوكل الذي أرسل لنا هذه الرواية بعد اطلاعه على الحلقتين الأولى والثانية من هذه الذاكرة.

ننشر الرواية حرفيا لأهميتها. 

يقول الراوي: "خرج عمي يحيى المتوكل من مجلس القيادة ومن وزارة الداخلية في عهد إبراهيم الحمدي الذي قال له اليمن لا تسعنا معا أنا اقترح عليك أن تتولى سفارة في الخارج ويمكنك أن تختار، فكان أن اختار السفارة في روسيا خصوصا أنه خريج أركان في الاتحاد السوفييتي ويجيد الروسية لكن الحمدي عينه في واشنطن ومن بعد  تم تعيينه في باريس".

وأضاف: "اعتاد عمي يحيى رحمه الله عند خروجه من السفارة في باريس أن  يصطحب معه عبد الملك الكبسي (مستشار بالسفارة) والوزير المفوض د.محمد القوسي لممارسة الرياضة في فندق "نيكو" (يقع على مقربة من برج إيفيل في دائرة باريس الخامسة عشرة) ومن ثم يتناولون الغداء سوية. اتصل بي عمي في أحد أيام العطلة الأسبوعية سنة 1982 وطلب مني أن أحضر علبة من الرُّوبِيَانُ التي كان السفير الكويتي في باريس حينذاك قد أهداه إياها. أمرني أن أحضر أحدى العلب إلى منزل عبد الملك الكبسي، فركبت السيارة بي ام دبليو وكان عليها لوحة معدنية عادية وليست دبلوماسية. عند وصولي طلب مني إعطاءه مفتاح السيارة على أن آخذ السيارة الأخرى التي تحمل لوحة دبلوماسية". 

ويتابع: "عند اقترابي من مدخل المنزل، الذي كان عادة خال من السيارات والمارة، اعترضتني سيارة حمراء نوع رينو 5 وترجل منها شخص يحمل مسدسا مغلفا بجريدة بينما الشخص الآخر بقي في السيارة. عند اقترابه مني ظهرت عليه علامة التفاجؤ لعدم وجود عمي في السيارة فأعطى إشارة إلى السائق بإفساح المجال لي بالعبور وركبا سيارة الرينو  وغادرا المكان على عجالة. وبرغم صعوبة هذا الموقف والخوف الذي انتابني، فقد تمالكت نفسي وأشعرتهم بأنني لم ألاحظ شيئا.

بمجرد وصولي إلى المنزل اتصلت بعمي فحثني على ألاّ أنزعج وطلب مني أن أنتظره عند باب المنزل حتى عودته وبحوزتي المسدس الذي أهداني إياه عند عودته النهائية من أمريكا.

وصل عمي إلى المنزل من الجانب الآخر من الشارع راجلاً وكأن شيئاً لم يكن. في الصباح عرف مني كل التفاصيل وقصده تجنيبي المواجهة مع الشرطة نظراً لصغر سني. طلب عمي من الشرطة التكتم وعدم نشر الخبر كما فعل مع والدي السفير أحمد محمد المتوكل رحمه الله. فيما بعد  كنت أشاهد من الطابق الثاني للمنزل رجال أمن متنكرين لا يستطيع ملاحظتهم إلا من هو ملم بالموضوع. بالمناسبة سمعت من عمي أن أحد الشخصين اللذين كلفا بالعملية كان لقبه "الحموي." 
ويختم: "غداة هذا الحادث قدم عمي استقالته من العمل الدبلوماسي وأذكر أن إحدى الصحف العربية أشارت للموضوع معلقة أن المتوكل سيتفرغ للعمل الحر. عدت بعد ذلك إلى صنعاء كما عاد إليها عمي وأسرته".

ما نعرفه هو أن المتوكل لم يتفرغ للعمل الحر وعاد إلى صنعاء "لأثبت لهم أني لا أتهمهم بمحاولة الاغتيال ولن أكون مشروع معارضة يمنية في الخارج"، على حد تعبير نجله محمد الذي قال لنا إنه لا يعرف من هو المسؤول عن محاولة الاغتيال وأن الشرطة الفرنسية تعرف الجهة الفاعلة.

بعد عودته إلى صنعاء امتنع المتوكل عن مزاولة العمل السياسي وهو أمر يتناسب مع السياسة التي رسمها الرئيس الراحل علي عبدالله صالح حين أتاح عودة الرئيسين السابقين عبدالله السلال والقاضي عبد الرحمن الإرياني إلى اليمن ما دام العائد لا يناهض حكمه. والراجح أن عودة المتوكل إلى صنعاء كانت تندرج في هذا الإطار. بيد أن العلاقة بين الرجلين ستتخذ منحى آخر بعد 3 سنوات من عودته أي في العام 1985 عندما عين الرئيس علي عبد الله صالح يحيى المتوكل محافظا لمدينة إب وهو منصب فرعي لا يتناسب مع مكانة الرجل السياسية ثم تدرجت العلاقة بينهما من "التحدي النفسي" إلى أن أصبح المتوكل الرجل الثاني في المؤتمر الشعبي العام الحاكم.
ـــــــــــــــــــــــــــ 
(  ) العبارات الايضاحية بين قوسين من الكاتب

 

إقرأ أيضا: يحيى المتوكل.. هاشمي انشق عن أسرته ودمر القصر الملكي

 

إقرأ أيضا: يحيى المتوكل: رفضنا إصلاح "الإمامة" وتمسكنا بالجمهورية

 

إقرأ أيضا: المتوكل: هذه قصة خلع السلال وإقصاء الأرياني واغتيال الحمدي