حقوق وحريات

لماذا يصر السيسي على عزل المعتقلين بمصر عن العالم؟

وزارة الداخلية المصرية قررت في مارس الماضي تعليق الزيارات بجميع السجون وأماكن الاحتجاز بسبب كورونا- جيتي

أكد بعض أهالي المعتقلين المصريين أن السلطات المصرية قامت بعزل ذويهم عن العالم تماما لأكثر من شهر، حيث لا زيارات، ولا إدخال أطعمة أو أدوية أو أدوات نظافة أو مطهرات، إلى جانب رفض إدارة السجون استلام الخطابات المكتوبة للمعتقلين من ذويهم.

ومر نحو 34 يوما على قرار وزارة الداخلية المصرية، الصادر في 9 آذار/ مارس الماضي، بتعليق الزيارات بجميع السجون وأماكن الاحتجاز بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد.

وذكرت زوجة المحامي والحقوقي المعتقل في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، محمد الباقر، أن سلطات سجن "العقرب2" رفضت استلام خطاب كتبته لزوجها، مؤكدة أن خطاب الدولة المعلن عكس ما يحدث بالسجون تماما، وأن "الظلم تجاوز كل حدود ومنطق وعدل ورحمة وقانون".

 

ويسمح القانون ولائحة السجون المصريين، بتبادل الخطابات بين المسجونين وذويهم دون حد أقصى، وإجراء المكالمات الهاتفية بواقع مكالمتين شهريا على نفقة السجين أو المحبوس مدتها ثلاث دقائق، حسب تأكيد المحامي الحقوقي خالد علي عبر صفحته بـ"فيسبوك".

وعلى مدار الأشهر الماضية تتواصل الدعوات لإطلاق سراح المعتقلين والحملات الحقوقية المحلية والدولية، ومنها نداء "مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان" في آذار/ مارس الماضي، لإطلاق سراح المعتقلين؛ إلا أن النظام العسكري الحاكم تجاهلها جميعا.

والخميس الماضي، أقامت "مؤسسة حرية الفكر والتعبير" الحقوقية دعوى قضائية تختصم رئيس الوزراء المصري بصفته، وتطالب بالسماح لذوي السجناء بإدخال مستلزمات وأدوات الوقاية من فيروس كورونا.

ووفق "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، فإن عدد السجناء بمصر نحو 106 آلاف، بينهم 60 ألف معتقل.

"تنكيل بهم.. وعقاب لنا ولهم"

وحول أوضاع المعتقلين وذويهم في ظل تعنت النظام، قالت زوجة المعتقل ياسر الأباصيري إن "قرار منع الزيارات عن المعتقلين تسبب في عزل المعتقلين عن معرفة أحوالنا وعن العالم، وصرنا لا نعلم أي شيء عنهم بهذه العزلة التامة".

وأضافت في حديثها لـ"عربي21": "بل إنه تسبب في أننا نموت كل يوم، ونحن لا نعرف عن حالهم شيئا، ومَن منهم مريض ومَن منهم بخير، وكيف يأكلون ويعيشون ويواجهون معاناتهم الصحية والمعيشية".

وتعتقد زوجة الأباصيري أن "إصرار النظام على عزل المعتقلين عن العالم وحرمانهم من ذويهم هو عقاب لنا ولهم، ولزيادة التنكيل بهم، وليس للحفاظ عليهم كما يدعون".

"إخفاء قسري جماعي"

وفي تعليقه، قال أحد النشطاء المهتمين بشؤون المعتقلين (رفض ذكر اسمه): "نستطيع توصيف وضع المعتقلين الآن بأنهم في حالة إخفاء قسري جماعي يطال عشرات الآلاف من كافة التيارات ومن عموم الشعب غير المسيس"، مُعتقدا أن "النظام ينظر للوباء كفرصة ثمينة للخلاص منهم".

وأضاف بحديثه لـ"عربي21"، أنه "في ظل انعدم المعلومات والشفافية وانقطاع أخبار المعتقلين عن العالم فلا زيارات ولا اتصالات"، مشيرا إلى أن كثيرا من الدول أفرجت عن مسجونيها، بينما نجد النظام يمعن في إذلالهم وتشديد الإجراءات في تعمد واضح للقتل البطيء".

وأشار أيضا إلى أن "الأزمة أثرت على الحاضنة الشعبية المساندة بالقليل لأسر المعتقلين بعد تسريح العمالة بالداخل والخارج"، واصفا وضع النظام مع المعتقلين الآن بأنه "أشبه بمجنون يختطف ركاب مصعد بين السماء والأرض".

وأكد الناشط المُقرب من جماعة الإخوان المسلمين أن "الأدهى من ذلك هو أن النظام المسعور يواصل شن حملات الاعتقال وخطف الناس من الطرق والكمائن".

ويرى أن "الجانب الإيجابي بهذا النفق المظلم أن طاقة الأسر المادية استهلكت بمرور السنين، فجاء قرار منع الزيارة رغم أنه يزيد ضغوطهم المعنوية، إلا أنه خفف نسبيا من وطأة معاناتهم المالية؛ كمن يتمنى الموت ليستريح".

"انتصار.. وتشفي"

وفي تعليقه أكد البرلماني المصري السابق، عز الدين الكومي، أن "الوضع يتفاقم في ظل أزمة كورونا خاصة في التجمعات الأضعف، ومنها المعتقلون والسجناء على اختلاف توجهاتهم وتنوعهم سياسيين أم جنائيين أم مختفين قسريا".

الوكيل السابق للجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى، قال لـ"عربي21"، إنه "يجب على سلطات الانقلاب أن تتخذ إجراءات على الأقل بعمل تهوية للزنازين وتعقيمها، وإخراج المعتقلين للتريض، وإدخال الأدوية ومواد النظافة، واستخدام الكمامات".

وشدّد الكومي على أن "وسيلة الخطابات من حق السجين والمعتقل القانونية وعبر أي آلية من آليات التواصل، ومن حقه قراءة الصحف ومعرفة ما يدور حوله، وبالتالي فإن ما يحدث هو تعنت من السلطات".

وأشار إلى أن "بعض الدول كإيران والسودان والبحرين والمغرب سارعت بالإفراج عن بعض المعتقلين بتدابير وضمانات معينة، فيما تدرس الجزائر وتونس الأمر؛ لكن الانقلاب يعتبر أن هذا نوعا من الانتصار والتشفي من المعتقلين".

وانتقد السياسي المصري "إصرار النظام على سياسة عزل المعتقلين عن العالم، وانقطاع أخبارهم عن ذويهم"، مشيرا إلى أنه "يمنع الزيارة، بينما هناك الآلاف من إدارة السجون والأطباء والمشرفين والحراسات ممن يحتكون بالمعتقلين يخرجون للشارع".

ولفت إلى "سياسة التجاهل والتعنت والانتقام برفض النظام للمطالبات الحقوقية بكافة المستويات الدولية والإقليمية للإفراج عن المعتقلين والمسجونين ظنا منه أنه يكيد للإخوان".

وقال الكومي إن "هناك وسائل كثيرة يمكن اتخاذها مع الإفراج عنهم منها التدابير الاحترازية، أو دفع كفالة، أو وضعهم قيد الإقامة الجبرية؛ لكنه نظام غبي".

"الزيارة.. ومرارة الفقد"

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أكدت زوجة عضو حزب الكرامة الناشط سامي النهري، المعتقل في كانون الأول/ ديسمبر 2019، في تعليقها على حديث زوجة محمد الباقر أنها "نفس مشكلتي، بالإضافة إلى أن زوجي مريض ولا أعلم عنه شيئا".

والخميس، الماضي كتبت زوجة المخرج بالقناة الخامسة المحلية بالتليفزيون المصري، والمعتقل منذ نحو 7 سنوات، إبراهيم سليمان، أنه مر شهر منذ وقف الزيارات، متمنية ألا تطول تلك الحالة لشهور أخرى، ومؤكدة أن "الزيارة تهون علينا مرارة الفقد".