قضايا وآراء

رمتني بدائها وانسلت: الصحة المصرية تشكو نقابة الأطباء للنائب العام

1300x600
من الأمثال العربية المعروفة قولهم "رمتني بدائها وانسلت". وهو مثل يضرب لمن يعير صاحبه بعيب هو فيه، فيلقي عيبه على الناس ويتهمهم به، ويخرج نفسه من الموضوع.

تذكرت هذا المثل حين قرأت ما ورد بالصحف الحكومية المصرية أن وزارة الصحة قد تقدمت، يوم السبت 8 شباط/ فبراير، ببلاغ رسمي للنائب العام ضد النقابة العامة للأطباء، حيث رصدت وزارة الصحة في بلاغها عدة مخالفات ارتكبتها نقابة الأطباء، من شأنها تكدير الأمن العام باختلاق الأكاذيب وافتعال الأزمات، وإثارة الأطباء، والتسبب في إهدار المال العام.

وتضمن البلاغ اتهام النقابة بتعمد لي الحقائق في والعمل على إفشال جهود الوزارة في الارتقاء بالمستوى التعليمي والمهني للأطباء، من خلال إثارتهم ومحاولة منعهم من التسجيل في برنامج الزمالة المصرية، والتسبب في امتناع نحو نصف دفعة أيلول/ سبتمبر 2019 عن التسجيل.

كما تضمن البلاغ اتهاما موجها لنقابة الأطباء بتضليل وتحريض أعضائها على عدم الاستجابة لمناشدة وزارة الصحة للأطباء بالتقدم لتلقي التدريب على كيفية التعامل مع أي حالات محتملة للإصابة بالكورونا، والتأثير على بعض المتدربين؛ مما تسبب في تراجع البعض عن الموافقة على الالتحاق بالحجر الصحي المخصص للعائدين من دولة الصين، بعد انتهاء التدريب، وهو ما كان من شأنه إهدار المال العام وضياع مخصصات التدريب هباء.

واتهمت وزارة الصحة نقابة الأطباء، بتعمد تأجيج الرأي العام، وتوجيه التهم لمسؤولي الوزارة بالتسبب في وفاة ثلاث طبيبات وإصابة 14 طبيبة في الحادث الذي وقع على طريق الكريمات خلال توجههم للتدريب في أكاديمية الأميرة فاطمة، إلى جانب اتهام مسؤولي الوزارة بالتعسف الإداري ضد أي طبيبة، وهو ما أثبتت الوزارة عدم صحته بالمستندات..

وقد ظهر واضحا في الفترة الحالية مدى معاناة الأطباء في مصر، حيث زادت معدلات الاستقالة من العمل الحكومي ليصل عدد من تقدم بالاستقالة إلى 3507 أطباء خلال عام 2019، بزيادة ألف طبيب عن العام السابق، ليصل عدد من استقال من الأطباء إلى رقم قياسي بلغ قرابة التسعة آلاف طبيب منذ 2016 وحتى عام 2019، بالإضافة إلى ما سبق وأن أعلنته وزيرة الصحة بأن 60 في المئة من الأطباء قد هجروا مصر للخارج، وما صدر منذ عدة أيام عن نتائج الدراسة التي أعدتها وزارة الصحة بالتعاون مع المجلس الأعلى للجامعات بشأن أعداد العاملين والخريجين في الكليات الطبية، والتي أظهرت أن أعداد الأطباء العاملين في وزارة الصحة والهيئات التابعة لها يبلغ 46 ألفا و763 طبيبا فقط، من بين 230 ألف طبيب مسجلين في النقابة بخلاف المعاشات والوفيات.

وهذا يؤكد وجود مشاكل حقيقة جعلت الأطباء في حالة اضطرار قصوى لهجر وزارة الصحة والبحث عن فرص أخرى للعمل، سواء خارج مصر أو في القطاع الخاص داخلها، لتنخفض نسبة الأطباء إلى طبيب واحد لكل 1260 مواطنا، وهي نسبة متدنية جدا بحسب المؤشرات العالمية.

ويعتبر فساد بيئة العمل من أهم الأسباب الطاردة للأطباء، حيث تعاني مستشفيات وزارة الصحة من سوء حالة المباني ونقص التجهيزات والآلات والأدوات والأدوية والمستلزمات الطبية. وبدا هذا واضحا من متابعة الاستجواب الذي تم عرضه في البرلمان ضد وزيرة الصحة يوم 14 كانون الثاني/ يناير 2020. وتحدث عدد كبير من النواب عن تدهور الخدمة الصحية وشكاوى المواطنين المستمرة من عدم الحصول على حقوقهم المشروعة في الرعاية الصحية الحكومية.

وشملت الشكاوى جميع محافظات مصر من الجيزة في إقليم القاهرة الكبرى، ومن أسوان حتى محافظة البحيرة في وسط الدلتا. وطالت الشكوى مستشفيات محافظة بورسعيد التي تتفاخر وزارة الصحة بالإنجازات فيها في حين يشكو مواطنوها.

يعاني الأطباء أيضا من نقص فرص التدريب والتأهيل وعدم القدرة على الدراسات العليا التخصصية، خاصة وأنه يوجد تخبط وعشوائية في سياسات وزارة الصحة، حيث تم استحداث نظام البورد الطبي عام 2016 بديلا لنظام الزمالة المعترف به عربيا منذ عام 1998.

ووسط هذا التعارض في البرامج التدريبية، فوجئ الأطباء بصدور قرار من وزيرة الصحة بالتنبيه على جميع الأطباء دفعة أيلول/ سبتمبر 2019 التكميلية، وعددهم 850 طبيبا، بأنهم سوف يلتحقون ببرنامج الزمالة قبل التكليف في 22 تخصصا طبيا، وأن يكون التدريب بصورة دورية للجميع بحيث يكون 25 في المئة فقط بالوحدات الصحية الريفية والباقي في التدريب لمدة ثلاثة أشهر، ويتم تبادل المواقع.

وهنا كان رد نقابة الأطباء بضرورة مناقشة القرار لأن فيه ثغرات كثيرة، من أخطرها أن تلك الدفعة التكميلية عدد الأطباء فيها قليل، وكيف يكون الحال مع الدفعة الرئيسية في آذار/ مارس من كل عام، والتي يبلغ العدد فيها عشرة آلاف طبيب، في حين أن الأماكن المتاحة لتدريب الزمالة تتسع لألفي طبيب فقط. وسلبية أخرى؛ هي خلو الوحدات الصحية من الأطباء، بالإضافة إلى عدم وضوح موقف باقي الأطباء من حقهم في التدريب. وتقدمت النقابة بطلب عقد اجتماع مع وزيرة الصحة فلم يستجب لهم النظام.

وجاء حادث طبيبات المنيا في شهر كانون الثاني/ يناير 2020 ليكشف أبعاد مأساة الأطباء مع وزارة الصحة. فبناء على خطاب من الوزارة إلى المديريات يوم الثلاثاء 14 كانون الثاني/ يناير، كان يتحتم على الطبيبات دفعة 2017 التوجه في اليوم الثاني مباشرة إلى القاهرة، حيث المركز القومي للتدريب (أكاديمية الأميرة فاطمة) لحضور تدريب عاجل لمدة يوم واحد فقط، وشمل الخطاب تهديدا لم ترفض الحضور بالعقاب الفورى بالنقل خارج الادارة الصحية التابعة لها. ونظرا لسوء أحوال الطرق في مصر، حيث تعتبر مصر من أعلى الدول عالميا في حوادث الطرق، فقد وقع حادث راح ضحيته عدد من الطبيبات وأصيبت الباقيات باصابات خطيرة، مما أثار عموم الأطباء ومعهم الشارع المصرى كله، وهذا دفع بالنقابة إلى رفع شكوى للنائب العام في بحث ملابسات الحادث، وتم تحويل عدد من القيادات الطبيبة إلى لجنة تحقيق داخلية حسب قانون نقابة الأطباء.

وكان غريبا أن تعلن وزارة الصحة عن طلب أطباء للعمل في الوزارة بأجور مرتفعة جدا. وفعلا تقدم عدد من الأطباء ليتم نقلهم مباشرة بطائرة إلى محافظة مرسى مطروح، حيث المستشفى الذي تم إخلاؤها لاستقبال المصريين العائدين من مدينة ووهان الصينية، مركز وباء كورونا المستحدث، وتم هذا الأمر على عجالة وبدون تدريب أو سابق معرفة للأطباء بمكان العمل وطبيعة المهمة، مما تسبب في حالة اضطراب كبيرة بين الأطباء وأسرهم مخافة انتشار المرض وتدخلت النقابة. وتم الإعلان أن العمل لن يكون إجباريا، وبالفعل فقد عاد عدد من الأطباء، وبقي الآخرون في مهمة يشوبها الكثير من العشوائية، كان من أبرزها انتشار صورة وزيرة الصحة وهي ترتدى الكمامة الواقية بطريقة خاطئة.

وهذا البلاغ الرسمي من الصحة يمثل خطوة استباقية للجمعية العمومية لنقابة الأطباء والمحدد لها منتصف شهر آذار/ مارس القادم، حيث ورد في جدول الأعمال عدة بنود، منها مناقشة التعنت والتعسف المستمر من الصحة ضد الأطباء. وبدلا من قيام وزارة الصحة بالتواصل مع نقابة الأطباء وبحث سبل حل مشاكل الأطباء، وكيفية ترغيب الأطباء في عدم الهروب من مصر، والسعي نحو تهيئة البيئة السليمة للعمل الصحي، وتقديم الرعاية الصحية للمواطنين، خاصة وأن تقرير منظمة الصحة العالمية قد أعلن أن مصر والعراق ضمن أسوأ عشرين دولة في الرعاية الصحية بحسب مؤشر الرفاة لعام 2019، مما يعنى أن تدهور الرعاية الصحية اصبح موضع رصد وانتقاد عالم مما يضر بصحة المواطن. ولكن الإجراء الذي لجأت اليه وزارة الصحة وإن كان يتوافق مع نظام الحكم الشمولى في مصر، إلا أنه يضر بصحة وسلامة المواطن المصرى.