قضايا وآراء

هرمز.. تسخين مسرح المواجهة مع إيران

1300x600

بعد إعلان الحكومة الفرنسية، الخميس الماضي، بدء مهام تحالف بحري أوروبي في مضيق هرمز، باتت المياه الخليجية وبحر عمان ومضيق هرمز تتجه أكثر من أي وقت مضى نحو عسكرة أجوائها المتوترة بالأساس، لتتحول رويدا رويدا من ممرات ومياه تجارية إلى ساحات تصعيد عسكرية، بفعل تكدّس مطرد لقطع بحرية حربية فيها، حيث بعد الإعلان الفرنسي هذا، ستكون المنطقة أمام تحالفين بحريين "أجنبيين" وتحركات بحرية منفردة لدول أجنبية، مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
 
تحالفات أجنبية في المياه الخليجية

التحالف الأول، شكلته الولايات المتحدة الأمريكية، بعضوية بريطانيا وأستراليا ودول أخرى منها خليجية، بدأ مهامه منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. أما التحالف الثاني، أوروبي، بقيادة فرنسا، وعضوية سبعة دول أوروبية أخرى، هي ألمانيا وبلجيكا والدنمارك واليونان وإيطاليا وهولندا والبرتغال. 


بالإضافة إلى التحالفين المذكورين، هناك دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية، أعلنتا خلال الفترة الأخيرة، اعتزامهما إرسال قطع حربية بحرية لضمان حرية الملاحة، لكن ليس في إطار تلك التحالفات البحرية، بل في سياق تحركات انفرادية.
 
تأتي هذه التحالفات والتحركات بعد أشهر من توتر وتصعيد، شهدته المياه الخليجية على خلفية هجمات ضد ناقلات نفط خلال شهري حزيران (يونيو) وتموز (يوليو) الماضيين، وحرب ناقلات بين طهران ولندن خلال الفترة نفسها، بعد قيام الأخيرة باحتجاز ناقلة نفط إيرانية في مياه جبل طارق، لترد إيران على ذلك باحتجاز ناقلة نفط بريطانية في مضيق هرمز، قبل أن يقوم الطرفان بالإفراج عن السفينتين في عملية تبادل غير مباشرة.
 
لا يخفى أن هذا التوتر البحري كان في صلب التوتر المتصاعد بين طهران وواشنطن، والمرتبط بتداعيات انسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي في الثامن من أيار (مايو) 2018، ليضيف عنوانا آخر إلى قائمة عناوين الصراع بين إيران والولايات المتحدة، هو "أمن الملاحة" في مضيق هرمز والمياه الخليجية وبحر عمان.
 
إلا أن الأشهر الأربع الأخيرة شهدت، هدوءا لافتا في مياه المنطقة، وتأكيدات من الأطراف كافة على ضرورة الحفاظ على أمن الملاحة فيها، لتقدّم طهران، خلالها، مبادرة "السلام في هرمز" (HOPE) لتأمين أمن الملاحة البحرية بمشاركة جميع دول المنطقة، لكنها لقيت تجاوبا كلاميا من عدة دول خليجية فقط، من دون أن تكون لها ترجمة عملية على الأرض.
 
أهداف التحالف الأوروبي

على الرغم من تأكيد الحكومة الفرنسية، أن هدف إطلاق التحالف البحري الأوروبي، هو ضمان حرية الملاحة وتعزيز نهج خفض التصعيد مع إيران، إلا أن ظهور هذا التحالف في هذا التوقيت، وفي ظل هذه الأجواء الهادئة نسبيا في مياه المنطقة، ومعطيات أخرى مرتبطة بتطورات الاتفاق النووي وأخرى بمرحلة ما بعد قيام واشنطن باغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، يطرح تساؤلات ملحة حول أهدافه الحقيقية ودلالاته وسرّ تشكيله بشكل مستقل عن التحالف الأمريكي، إن كان بسبب خلافات مع واشنطن أو نتيجة توزيع الأدوار معها.
 
وفي البحث عن الإجابة على هذه الأسئلة، يبدو أن الدلالة الأولى لهذا الإجراء الفرنسي الأوروبي أن هذه الأطراف على قناعة بأن التصعيد والمزيد منه في المنطقة ومياهها خلال الفترة المقبلة، هو سيد الموقف بين إيران والولايات المتحدة، وهو ما لا يختلف عليه الكثير من المراقبين والمحللين لعدم وجود أفق لحل الأزمة الراهنة على وقع انسداد الطرق الدبلوماسية، بالتالي فالهدف الأولي هو اتخاذ تدابير احترازية حفاظا على مصالح دول الاتحاد الأوروبي في مياه الشرق الأوسط وضمان حرية نقل الطاقة إليها وهي تعتمد بشكل أساسي على الطاقة المستوردة عبر هذه الممرات. كما في السياق، لا يخفى أيضا أن فرنسا التي تعود لها فكرة إنشاء هذا التحالف البحري الأوروبي، تسعى بذلك إلى فرض قيادته على الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه، وانطلاقا من ذلك لعب دور ريادي في القضايا الإقليمية والعالمية.
 
لكن مع وجاهة هذا الدافع الفرنسي الأوروبي إلا أنه سيكون تحصيل حاصل، حيث إن تحريك قطع بحرية نحو المياه الخليجية في هذه الأجواء الساخنة سياسيا لابد أن يكون من خلال تنسيق دولي أمريكي أوروبي وآسيوي كذلك يهدف فيما يهدف إلى تحجيم الخطط المتوقعة لإيران في ردودها المضادة وأن يساهم في مزيد من الضغوط عليها.. 

سياسة الضغط الأقصى

فإذا ما نظرنا إلى السياسات الأوروبية، ولاسيما للدول الأوروبية الثلاث، أي فرنسا وألمانيا وبريطانيا، تجاه إيران، خلال الشهور القليلة الأخيرة، لوجدنا أنها تقترب بنبرة متصاعدة من استراتيجية "الضغط الأقصى" الأمريكية ضد إيران، ولعل خير دليل على ذلك، هو ما آل إليه الاتفاق النووي، بعد رفض الأطراف الأوروبية الشريكة فيه على مدى العامين الأخيرين اتخاذ موقف عملي في مواجهة العقوبات الأمريكية، بل وعلى العكس من ذلك، اتخذت هذه الأطراف خطوات ضد طهران، آخرها، تفعيل آلية فض النزاع الخاص بالاتفاق ودعوتها الصريحة خلال هذا الشهر إلى اتفاق أوسع مع طهران، ينشده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ انسحابه من الاتفاق النووي، يشمل الملفات الثلاث، النووي والصاروخي والإقليمي.
 
وهنا يبرز الاصطفاف الأوروبي الواضح مع الإدارة الأمريكية الراهنة تجاه طهران، التي من جهتها تصر على رفض مثل هذا الاتفاق "الشامل"، وتؤكد على المضي قدما في مواصلة تنفيذ استراتيجية "المقاومة الفعالة" في مواجهة السياسات الأمريكية والأوروبية، ومارست في هذا السياق ضغوطا مضادة، منها ما يرتبط بالاتفاق النووي، حيث أنهت العمل بجميع القيود الواردة في هذا الاتفاق على برنامجها النووي، إلا أنها لم تتخذ بعد خطوات تصعيدية كبرى، مثل الإعلان عن تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية، أكثر من 20 بالمائة، في تدبير مضبوط الإيقاع، يهدف إلى إبقاء خط الرجعة مفتوحا لتشجيع الأطراف الأوروبية على اتخاذ خطوات لإنقاذ الاتفاق النووي.

 

إذا ما نظرنا إلى السياسات الأوروبية، ولاسيما للدول الأوروبية الثلاث، أي فرنسا وألمانيا وبريطانيا، تجاه إيران، خلال الشهور القليلة الأخيرة، لوجدنا أنها تقترب بنبرة متصاعدة من استراتيجية "الضغط الأقصى" الأمريكية ضد إيران


لكن لأن أوروبا قبل غيرها تعلم أنها ليست بوارد اتخاذ مثل هذه الخطوات، سواء بسبب عجزها أو عدم رغبتها، وهي تنشد ذلك الاتفاق الأوسع، فتحاول من خلال الانتقال إلى مسايرة عملية أكثر وضوحا للسياسة الأمريكية تجاه إيران، ممارسة ضغوط سياسية وعسكرية، مثل التهديد بإعادة الملف النووي إلى أروقة مجلس الأمن الدولي وتشكيل تحالف بحري في المنطقة، لتحقيق ثلاثة أهداف، الأول منع طهران من ممارسة المزيد من الضغوط المضادة، وبالأحرى ضبط سلوكها في هذا الاتجاه في المواجهة الراهنة، مثل الذهاب بعيدا في مرحلة ما بعد إنهاء تعهداتها النووية، خصوصا على ضوء تهديداتها بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والهدف الثاني، سحب ورقة "هرمز" منها وإحباط مفعولها، وهو نفس هدف التحالف البحري الأمريكي أيضا، يأتي بموازاة سعي أمريكي وأوروبي دؤوب لسحب أوراق القوة لدى طهران في ساحات المواجهة بالمنطقة، منها العراق ولبنان وغيرهما. والهدف الثالث، هو التحضير لمرحلة ما بعد الانهيار التام للاتفاق النووي ومتطلباتها، إذا ما عاد الملف النووي إلى مجلس الأمن ونفذت إيران تهديداتها.

في المحصلة، يمكن القول إن التحالفات البحرية جديدة التأسيس رغم اختلاف عناوينها، والتحركات البحرية "الانفرادية" لدول مثل اليايان وكوريا الجنوبية في مياه المنطقة، تأتي في سياق محاولة أمريكية لإقحام الحلفاء في المواجهة مع إيران بغية تشديد الضغوط عليها من جهة، وإعطاء طابع عالمي لهذه المواجهة في مياه المنطقة، والتي هي بالأساس جزء من التوترات الناتجة عن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي. 

وفي هذا السياق، يمكن أن نفهم أيضا تسليم قيادة التحالف البحري الذي أنشأته واشنطن في هذه المياه إلى بريطانيا خلال الأيام الماضية. لذلك، وفي الرد على تساؤل بشأن سرّ اختلاف عناوين هذه التحالفات البحرية، يمكن القول إنه يأتي من منطلق توزيع الأدوار بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين والآسيويين على أساس قناعة أمريكية أوروبية بأن المفاعيل ستكون أقوى بهذا الشكل وأنه يسهل بذلك ضبط إيقاعات أي تصعيد محتمل في المياه الخليجية خلال الفترة المقبلة.
 
وأما بالنسبة لإيران فيُستبعد أن ترضخ لمفاعيل هذه السياسة الأمريكية الأوروبية الموحدة بعناوين مختلفة، فلذلك يتوقع أن تواصل ممارسة سياسة الضغوط المضادة في المواجهة الدائرة في كافة الملفات المثارة، بنفس وتيرة الضغوط الأمريكية والأوروبية، الأمر الذي من شأنه أن يجعل المرحلة المقبلة بالمنطقة، حبلى بسيناريوهات أكثر خطورة، خصوصا في مياهها، إلا إذا دفع الخوف من الوقوع في الهاوية عند لحظة معينة، الأطراف كافة إلى الذهاب باتجاه حل ما، ليس واردا، أقله في الوقت الراهن.