قضايا وآراء

قرصنة الدولة العراقية واستقالة الرئيس!

1300x600
مصطلح الهكر (Hacker) أو الاختراق، أو القرصنة يقصد به في "عالم الحاسب الآليّ، أو الكمبيوتر، أيّ جهد تقنيّ للتلاعب، والتحكّم عن بُعد بسير المنظومة الطبيعيّ للشبكات، أو الأجهزة"!

والقرصنة تختلف بحسب الجهة المستهدفة، فقد تستهدف أجهزة حاسوب رسميّة، أو خاصّة (للأفراد، أو الشركات)!

والقرصنة للمواقع الرسميّة، أو الشخصيّة نوع من الحرب النفسيّة والمخابراتيّة للتجسّس على بعض السياسيّين والإعلاميّين، وسرقة معلومات عن الدوائر المتّهمة بجرائم كبرى يمكن أن يُحاسب عليها القانون!

والتعرض للقرصنة حقيقة مؤلمة مفادها أنّ برامج السلامة والحماية غير فعّالة، ولا تسهم في حفظ خصوصيّة المُستخدم، ولا في سلامته الفكريّة والجسديّة، وحتّى الماليّة؛ لأنّ بعض عصابات القرصنة تبتزّ ضحاياها بأموال طائلة مقابل تجاهل المعلومات التي حصلوا عليها، وخلاف ذلك، ربّما، يتمّ نشرها لتسبب ضرراً معنويّاً ونفسيّاً واجتماعيّاً على الضحيّة!

والقرصنة اليوم لم تعد مختصّة بالأفراد فقط، بل إنّ الدول البعيدة عن البناء المؤسّسي الرصين تتعرّض للقرصنة، ومنها العراق!

مساء الاثنين الماضي تمكّن "هكرز مجهول" من اختراق الصفحة الرسميّة لوزارة الصحّة في "فيسبوك"، ونشر صورة الناشط "صفاء السراي" الذي قتل في التظاهرات وجعلها غلافاً للصفحة!

ويوم الأربعاء الماضي كشفت وسائل إعلام عراقيّة عن اختراق مواقع وزارات الصحّة والتربية والدفاع والداخليّة والاتصالات والنفط والتجارة، وهو الاختراق الأكبر من نوعه على يد مجموعة "ماكس برو"!

الاختراق تسبّب بتعطيل تلك المواقع الحكوميّة، وكشف معلومات حسّاسة ومراسلات، من بينها تأجير "Server/ خادم" لوزارة الدفاع مقابل 25 ألف دولار سنوياً، بينما التكلفة الحقيقية تبلغ 700 دولار سنوياً!

وكذلك حصولهم على نحو 180 جيجابايت من المعلومات والبيانات الخاصّة بوزارتي الداخليّة والدفاع، متضمّنة عقودهم ومراسلاتهم!

واليوم هنالك أنواع مُفْزِعة من القرصنة في العراق، ومنها:

- القرصنة الدستوريّة: الدستور العراقيّ، ومنذ كتابته في العام 2005، تمّ اختراق الكثير من موادّه، ومنها المادّة الأولى، والمتعلّقة بشكل الدولة، بحيث لا ندري اليوم ما هو شكل نظام الحكم في البلاد؟

أيضاً اختراق الموادّ الدستوريّة الخاصّة بحقّ الحياة والحريّات والتظاهر، وغيرها من الحقوق التي بقيت حبيسة بين دفتي الدستور المُخترق وفقاً للمصالح الحزبيّة والشخصيّة الضيّقة!

والآن، ومع استمرار رحلة البحث عن رئيس لوزراء العراق، تعود القوى الحاكمة لذات القرصنة الدستوريّة، وليتلاعبوا بالتوقيتات، التي هي من الألفاظ القطعيّة الدلالة في اللغة العربيّة!

والدستور حدّد توقيت اختيار خليفة لرئيس الوزراء المستقيل بـ(15) يوماً فقط، لكنّ القوى السياسيّة "اخترقت الدستور" وأضافت للتوقيت الدستوريّ أيّام العطل، لتمديد التوقيت لأكثر من ثلاثة أسابيع، ومع هذه القرصنة لم يختاروا رئيس الكتلة الأكبر حتّى الساعة!

ومن القرصنة الدستوريّة الإصرار الغريب على أن يكون رئيس الوزراء من الشيعة، ورئيس البرلمان من السنة، ورئيس الجمهوريّة من الكرد، وهذه كلّها مخالفات دستوريّة رتّبت وفقاً لنظريّة التوافقات غير المنصوص عليها دستوريّاً!

وآخر صور القرصنة الدستوريّة هي وضع رئيس الجمهوريّة (برهم صالح) لاستقالته من منصبه بيد البرلمان، بعد أن وجد نفسه أمام ضياع لمفهوم الكتلة الأكبر المنصوص عليها دستوريّاً، ووقوعه تحت ضغوطات سياسيّة وأمنيّة لإقرار ترشيحات غير متّفق عليها!

- القرصنة القانونيّة: حيث دخلت المحكمة الاتحاديّة، وبطريقة "غير منطقيّة"، لتوصيف الكتلة الأكبر التي تشكّل الحكومة بأنّها الكتلة التي تتشكّل داخل البرلمان في الجلسة البرلمانيّة الأولى، وهذا التفسير بعيد عن منطوق الدستور، الذي أشار عند الحديث عن الانتخابات إلى تكليف مرشّح الكتلة الأكثر عدداً لتشكيل الحكومة!

- القرصنة الأمنيّة: وتمثّل ذلك بأنّ الجهات الرسميّة تقول إنّ "الطرف الثالث" هو الذي قتل أكثر من (500) متظاهر، واختطف واغتال المئات!

فمنْ هو "الطرف الثالث"؟

وأين دور الدولة، بكافّة قدراتها الأمنيّة الهائلة، في الحفاظ على الأبرياء العزل؟

وهنالك أيضاً القرصنة الثقافيّة والدينيّة والإعلاميّة والاجتماعيّة والعلميّة والتجاريّة!

وهكذا صار العراق لقمة سائغة لقوى القرصنة الالكترونيّة والدستوريّة والقانونيّة والأمنيّة وغيرها!

فمتى يتعلّمون الحفاظ على العراق من قراصنة الداخل والخارج؟