قضايا وآراء

الإعدامات "الطائفيّة" ومستقبل العراق!

"يفترض أن تكون سياسات الحكومة بعيدة عن تحريك الشارع وتأجيج الفتن المجتمعيّة"- الأناضول
عقوبة الإعدام ليست من العقوبات الجديدة في القوانين الإنسانيّة، بل هي قديمة قدم الإنسان على كوكب الأرض، وقد عَرفت الشرائع السماويّة والأنظمة الأرضيّة عقوبة الإعدام للعابثين بأرواح الناس وأمنهم وسلامتهم!

وبعد احتلال العراق في العام 2003 عَلّقت "سلطة الائتلاف المؤقتة" العمل بعقوبة الإعدام، وبتاريخ 8 آب/ أغسطس 2004 أُعيد العمل بالعقوبة!

ومن يومها، وبالذات بعد العام 2011، صِرنا نسمع بتنفيذ لعقوبات إعدام جماعيّة في السجون العراقية، الرسمية وغير الرسمية!

وسبق للمفوّضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتّحدة، نافي بيلاي، أن أعربت يوم 19 نيسان/ أبريل 2013 عن إدانتها الشديدة لتفشي استخدام عقوبة الإعدام في العراق، وأكّدت  أنّ"عمليّات إعدام الأشخاص، وعلى دفعات، هو عمل فاحش وأصبح يجري كما يجري العمل في مجازر الحيوانات"!

وهنالك سجون عراقية مُخيفة، وأبرزها سجن الناصرية الجنوبيّ المشهور بظروفه المزرية، وقد أُعدم يوم 27 كانون الثاني/ يناير الماضي 13 سجينا عراقيّا محكوما عليهم بالإعدام، داخل سجن الناصرية!

مع هذا الواقع المُرْبَك والضربات الجوّيّة الأمريكيّة الساحقة لسيادة العراق الخارجيّة والمُحطّمة لسيادته الداخليّة، يفترض أن تكون سياسات الحكومة بعيدة عن تحريك الشارع، وتأجيج الفتن المجتمعيّة! وينبغي على الدولة العادلة ألا تُطبّق عقوبة الإعدام إلا على المجرمين الحقيقيين، وليس المُفْترضين المظلومين بوشايات المخبر السرّيّ، أو باعترافات نُزِعت بالظلم والإكراه

ويقال بأنّ عمليات الإعدام الأخيرة نُفّذت دون إشعار مُسبق، حيث أُذيعت أسماء المحكوم عليهم بشكل مفاجئ عبر مكبرات الصوت في اليوم السابق للإعدام، ونُفّذت الأحكام دون أن يتّصل المحكوم بأهله!

وهذه الطريقة غريبة ومريبة، وقد بيّنت المادّة 291 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة العراقي رقم 23 لسنة 1971 أنّه "لأقارب المحكوم عليه أن يزوروه في اليوم السابق ليوم تنفيذ عقوبة الإعدام، وعلى إدارة السجن إخبارهم بذلك"! وهذا ما لم يحصل!

وبعد تنفيذ الإعدام بأيّام أعرب خبراء الأمم المتّحدة عن قلقهم العميق إزاء التقارير التي تُفيد بأنّ العراق قد بدأ تنفيذ عمليّات إعدام جماعية في السجون، وأشاروا، بفَزَع، إلى أنّ" 250 شخصا قد يكونون معرضين لخطر الإعدام الوشيك"!

ومع هذا الواقع المُرْبَك والضربات الجوّيّة الأمريكيّة الساحقة لسيادة العراق الخارجيّة والمُحطّمة لسيادته الداخليّة، يفترض أن تكون سياسات الحكومة بعيدة عن تحريك الشارع، وتأجيج الفتن المجتمعيّة! وينبغي على الدولة العادلة ألا تُطبّق عقوبة الإعدام إلا على المجرمين الحقيقيين، وليس المُفْترضين المظلومين بوشايات المخبر السرّيّ، أو باعترافات نُزِعت بالظلم والإكراه والتعذيب القاتل!

ومصلحة العراق، الحاليّة والمستقبليّة، توجب على القوى الفاعلة نشر السلام والعدل والمحبّة في أرجاء الوطن، ورفع المستوى الإنسانيّ بين المواطنين لبداية مرحلة جديدة خالية من القتل والإرهاب!

إنّ زراعة الشرّ والكراهية في الإنسان والأُسر المظلومة سيُثمر في يوم ما جيلا ناقما على الدولة الظالمة؛ وبالتالي ستُهْدَم الدولة من حيث تظنّ أنّها تَسير في طريق البناء!

والعدل من الفضائل الساميَة في الأمم النبيلة، وعليه ينبغي العمل على صيانة سلامة المجتمع، والابتعاد عن الظلم وتهديد كيان الإنسان بسحق القوانين الناظمة والضابطة للعدالة.

هنالك في العراق الآن ثُلّة من المفكّرين والأطباء والمهندسين والمدرسين والمعلّمين والعلماء بمختلف الاختصاصات؛ يَقبعون في ظلمات السجون ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام بحقّهم، أو هم بلا محاكمات واضحة وحاسمة لقضاياهم، أو حُكِمَ عليهم بأحكام مؤبّدة أو طويلة. ويفترض أن تُحسم هذه القضايا إما بإعادة المحاكمات، أو بعفوّ عامّ شامل باستثناء مَنْ ثَبُت تورّطهم، حقيقة، بجرائم قتل عَمد للعراقيّين

وهنالك في العراق الآن ثُلّة من المفكّرين والأطباء والمهندسين والمدرسين والمعلّمين والعلماء بمختلف الاختصاصات؛ يَقبعون في ظلمات السجون ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام بحقّهم، أو هم بلا محاكمات واضحة وحاسمة لقضاياهم، أو حُكِمَ عليهم بأحكام مؤبّدة أو طويلة. ويفترض أن تُحسم هذه القضايا إما بإعادة المحاكمات، أو بعفوّ عامّ شامل باستثناء مَنْ ثَبُت تورّطهم، حقيقة، بجرائم قتل عَمد للعراقيّين!

ويفترض أن يُنقى القضاء من التفرقة العنصريّة والطائفيّة والقوميّة، ويبتعد عن شتى أنواع الظلم، ويُفترض بالأحكام القضائيّة ألا تدور في الدوّامات الطائفية بكافّة أنواعها الدينيّة والقوميّة والفكريّة.

وعقوبة الإعدام لا تقف تبعاتها عند لحظة إعدام المتّهم (أو البريء) بل تمتد لعائلته وعشيرته؛ ولهذا يُفترض التأنّي والتدقيق بأحكام الإعدام قبل تنفيذها وفوات فرصة النجاة.

إنّ البلدان التي تقتل شبابها ورجالها قتلا مادّيّا بالإعدام والأحكام القضائيّة القاسية والظالمة، أو مَعنويّا بالاتّهامات الكيديّة التي تضرب مكانة الإنسان وسمعته أمام أهله والمجتمع، لا يمكنها النهوض والعمران!

وستُطارد صيحات المظلومين الظَلمة، وعليه يفترض أن تكون الغلبة للعدالة، والنصر للمظلوم على الظالم، والفوز للدولة بتطبيق العدالة في أرجاء الوطن، وعبر العمل الجاد الساعي للحفاظ على الحرّيّات الشخصيّة، وإنهاء وباء الظلم، وحماية الحقوق العامّة والخاصّة للمواطنين.

إنّ تَسلّل الأحكام القضائية الظالمة لأيّ مجتمع ستكون له تداعياته الآنيّة والمستقبليّة، الكبيرة والقاتلة.

إنّ القضاء العادل هو الأداة لنهوض الأمم العليلة من كبوتها، والتغلّب على واقعها المرير، والتأسيس لمجتمع متماسك، ودولة متراصة تحافظ على السيادتين الداخليّة والخارجيّة، وإلا فإنّ سياسات الانتقام الطائفيّ هي الأساس لانهيار الدولة والتماسك المجتمعيّ.

لنجعل من القضاء البوّابة الأبرز لبناء الدولة والإنسان، ولا نجعله بوابة للانتقام وزراعة الأحقاد والكراهية في مجتمعاتنا التي تعاني أصلا من مشاكل إنسانيّة عميقة.

سياسات التغليس والتجاهل للإعدامات وتنفيذها بصمت، وكذلك استمرار اعتقال آلاف الرجال، هذه السياسات لا يمكن أن تُخفَى لأنّنا نتحدّث عن كيانات بشريّة متعلّقة ومرتبطة بالمجتمع العراقيّ!

البلدان الساعية لبناء مستقبلها تزدهر فيها الجامعات والمدارس والمعامل والمصانع، والبلدان التي تكثر فيها السجون والمعتقلات لا يمكنها أن تجاري التطوّر العلميّ والتقنيّ الهائل في العالم.

عَمّروا العراق بالعلوم وليس بالسجون، وعَمّروا العراق بالعدل والإنصاف وليس بالظلم والطائفيّة!

twitter.com/dr_jasemj67