كتاب عربي 21

الخلاف الإماراتي- السعودي المستجد

1300x600
برز إلى العلن مؤخراً كلام عن وجود خلاف إماراتي- سعودي حول عدد من الملفات الإقليمية المتعلقة بالسياسات الخارجية لكلا البلدين؛ بشكل يهدّد التحالف القائم بينهما في السنوات الأخيرة، لا سيما منذ صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى سدّة الحكم.

ويشير أولئك الذين يؤيدون وجهة النظر هذه إلى أنّ الخلاف بين البلدين بدأ يطفو إلى السطح مع التحوّل الحاصل في سياسة أبو ظبي تجاه إيران. ففي الوقت الذي كانت الرياض تدعو فيه إلى تشديد الضغط على إيران، قامت أبو ظبي باستدارة 180 درجة لتفتح قنوات للتفاوض بشكل منفرد مع النظام الإيراني، تحت غطاء التنسيق العسكري والأمني في مياه الخليج. سرعان ما تبيّن أنّ الموضوع بالنسبة للإمارات لا يتعلّق فقط بملف إيران، وإنما بسلسلة من القضايا الإقليمية التي قد تكون مرتبطة بإيران كذلك، لكنّها تحمل كذلك قيمة استراتيجية بالنسبة إلى طموح أبو ظبي في الجغرافية الجيو- استراتيجية للمنطقة المحيطة بها، ومنها اليمن بطبيعة الحال.

إعلان أبو ظبي الانسحاب من اليمن أو إعادة الانتشار، أو سمّه ما شئت، وما تلاه من أحداث، كسيطرة الانفصاليين المدعومين من قبلها على عدن بعد هزيمة القوات الحكومية للرئيس اليمني المدعوم من السعودية، عبد ربّه منصور هادي، كانت مؤشراً إضافياً على تفاقم الخلاف بين الطرفين.

إذ بينما كانت تطمح السعودية إلى تأمين المناطق الشمالية من اليمن، والتي تنطلق منها معظم الهجمات الصاروخية والهجمات بالطائرات المسيّرة إلى العمق السعودي، بالإضافة إلى هزيمة الحوثيين، كانت الإمارات تعمل على توظيف العمل العسكري في اليمن لخدمة أهدافها الإستراتيجية هناك، وهي انفصال الجنوب والسيطرة على الموانئ. وقد تمظهرت هذه الأولويات بشكل بارز في معركة عدن الأخيرة بين القوات اليمنية المدعومة من الإمارات؛ والقوات المدعومة من السعودية.

هناك تفسيرات متعددة لهذا التباين الذي توسّع بشكل سريع ليتحوّل إلى تناقض بيّن الطرفين، لا سيما مع الإشارة إلى الفشل الذريع في إخضاع قطر في الأزمة المفتعلة معها منذ العام 2017، وهي الأزمة التي هدمت البيت الخليجي وشلّت قدراته الجمعيّة في الملفات الإقليمية. الإمارات وبخلاف السعودية لها حساباتها في كل هذه الملفات، فهي تفتقد إلى العمق والقدرات التي تخوّلها صد أي هجوم إيراني حال إندلعت الحرب، وبما أنّ الدول الغربيّة أظهرت ضعفاً في مواجهة تعدّيات إيران الأخيرة في مياه الخليج، فانّ أبو ظبي قدّرت انها ستكون مجرّد ضحيّة، ولذلك أخذت خطّاً مختلفاً عن السعودية.

علاوةً على ذلك، فإنّ الأزمة الخليجية المفتعلة ضد قطر، أثرت بشكل سلبي على إقتصاد دبي التي تعتمد على الإستثمار والسياسة والخدمات والأعمال، وزاد وضعها تدهوراً مع تشديد العقوبات على إيران، وبالتالي لم يكن أمام أبو ظبي من مفر من تعديل سياساتها الإقليمية بما يتوافق مع وضعها وأولوياتها. السؤال الذي يطرح نفسه: هل تم ذلك بالتوافق مع السعودية أو دون علمها، أو ربما رغماً عنها؟

البعض يذهب إلى أنّ الخلاف بين أبو ظبي والرياض غير حقيقي. بالنسبة إلى هذه الشريحة من المراقبين، فهو بمثابة خلاف شكلي في الظاهر وتوزيع مدروس للأدوار في الباطن، هدفه تقسيم المغانم في بعض الساحات وتخفيف التكاليف في البعض الآخر، ومن غير الممكن أن يتم رغماً عن إرادة المملكة في جميع الأحوال. المؤمنون بمثل هذا التفسير كثر، وبالرغم من أنّ هناك احتمالا بأن يكون مثل هذا التوجّه صحيحاً، إلاّ أنّه يبسط الأمور إلى درجة التسطيح.

تاريخياً الخلاف بين الإمارات والسعوديّة بينّ في العديد من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، ولم يسبق أن عقد الطرفان تحالفاً بالمعنى الحقيقي للكلمة كما حصل منذ بضع سنوات فقط. التحالف الذي حصل بين أبو ظبي والرياض تمّ بين شخصين وليس بين دولتين، أي بين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان. ولمّا لعب الاول دوراً كبيراً في تسويق الثاني في واشنطن والدفع باتجاه تعيينه وليّاً للعهد، فقد استطاعت أبو ظبي قرصنة السياسة السعودية من خلال حظتها على ولي العهد محمد بن سلمان.

آخذين بعين الاعتبار هذه المعطيات، يمكن القول إنّ هناك خلافا حاصل بن أجندتي الدولتين، لكن العلاقة بين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان تعمل على تجسير هوّة الخلاف. وبهذا المعنى، إذا ما استطاعت أبو ظبي الحفاظ على تأثيرها على شخص محمد بن سلمان، فمن غير المتوقع أن ينفجر الخلاف على شكل مواجهة بينهما، لكن ذلك سيتغيّر بالتأكيد في الوقت الذي تنتهي فيه مثل هذه العلاقة أو تضعف.