كتاب عربي 21

الإمارات ومخطط فرض الانفصال عبر فوضى الأدوات

1300x600
الحدث الذي يطغى على المشهد اليمني منذ ثلاثة أيام وحتى اليوم؛ هو ذاك الذي تشهده العاصمة السياسية المؤقتة عدن في جنوب اليمن، مُعبَّرا عنه بالعمليات واسعة النطاق لترحيل مواطنين يمنيين شماليين من مدينةٍ يفترضُ أنها عاصمتهم.

الترحيل يجري عبر عصابات مناطقية ترتدي البزة العسكرية، وينتمي معظم قادتها للتيار السلفي الجهمي المدخلي؛ الذي يعد أحد الاستثمارات الأكثر سوءا للسعودية في اليمن منذ عقود.

وتندرج هذه العصابات المناطقية المنفلتة تحت مظلة التشكيلات شبه العسكرية؛ التي أنشأتها الإمارات في هذه المدينة، وحقنتها بالكراهية تجاه السلطة الشرعية والدولة اليمنية والوحدة والجزء الآخر من الشعب الذي يقطن في المحافظات الشمالية من البلاد، في سياق مهمة محكومة بالطموح التوسعي لولي عهد أبو ظبي، في تأسيس "أسبرطة" الصغيرة التي تتوسل العداء المطلق للإسلام المستنير وللديمقراطية؛ بما هي تعبير عن إرادة الشعب لا إرادة الدكتاتور.

الانتهاكات الواسعة النطاق التي تشهدها عدن تأتي ارتدادا للهجوم الذي تعرض له في الأول من شهر آب/ أغسطس الحالي؛ معسكرُ الجلاء المجاور للمعسكر الرئيس للتحالف في غرب عدن، أثناء عرض عسكري غاب عنه (على غير العادة) قادة إماراتيون، وكانت حصيلته أكثر من ثلاثين قتيلا؛ أبرزهم العميد منير اليافعي المعروف باسم "أبو اليمامة"، الذي يتولى قيادة اللواء الأول دعم وإسناد، وهو اللواء الأكبر بين ألوية ما تعرف بقوات "الحزام الأمني" التي أنشأتها الإمارات في عدن.

وبالتزامن مع تفجير الجلاء، تعرض قسم شرطة الشيخ عثمان الواقع في حي عمر المختار المكتظف بالمباني السكنية؛ لهجوم بسيارة مفخخة تبنى داعش المسؤولية عنه واستهدف تجمعا للشرطة أثناء العرض الصباحي في باحة القسم، موقعا العشرات من القتلى والمصابين، بينهم مدنيون، وأضرارا متفاوتة لحقت بالمباني السكانية المجاورة للقسم.

ومع أن السائد هو أن الحوثيين تبنوا المسؤولية عن الهجومين، إلا أن ما يعتقد أنها غرفة عمليات الإمارات، بقدر ما استفادت من إعلان الحوثيين، إلا أنها أتقنت اللعب بالأدوات المتاحة لتظهر داعش على الطرف الثاني من خط العنف، ليس فقط في تفجير قسم الشرطة المتزامن بل أيضا بالتبرع بعملية إضافية مساء اليوم ذاته، من خلال هجوم على معسكر للحزام الأمني في مديرية المحفد بمحافظة أبين المجاورة، علما بأن الحزام الأمني يتقاسم مع داعش الممارسات المتطرفة نفسها والعمل خارج سلطة الدولة الشرعية، بالإضافة إلى أن معظم قادته يتشاركون مع داعش الجذر العقائدي المتطرف نفسه.

ظهرت السلطة الشرعية إزاء هذين الهجومين في وضع لا تحسد عليه، فقد اكتفت بالإدارة والتنديد بالهجومين الإرهابيين منسوبين إلى الحوثيين وداعش، مقابل الإشادة المبالغ فيها بمن لقوا مصرعهم، والذين يحفل سجلهم بأعمال التمرد والانتهاكات لحقوق الإنسان، والقتال المستمر ضد السلطة الشرعية، والتورط في عمليات إرهابية وتخريبية سقط جراءها العشرات من الابرياء ومن القوات الحكومية طيلة الفترة الماضية، وظهرت أقل حيلة أمام التداعيات الخطيرة التي تلت هذين الهجومين ممثلة في عمليات التهجير الواسعة لمواطنين يقعون تحت الولاية الدستورية والقانونية لهذه السلطة.

وفي المقابل، قدم المجلس الانتقالي الانفصالي المدعوم من الإمارات نفسه طرفا معنيا بكل ما يجري ومصادرا سلطة البت في التحقيق وفي التعاطي مع النتائج، وظهر في البيان الذي تلاه هاني بن بريك، نائب رئيس المجلس، متريثا ولم يذهب قط إلى اتهام الحوثيين، واعتبر الهجومين "عملين غادرين".

وكان واضحا أنه، وبإيعاز من مموله الإماراتي يترك المجال لتخريجات تسمح بإعادة توظيف الهجومين، بما يتسق مع أجندة المرحلة الراهنة التي أعلنت فيها الإمارات إعادة تموضعها في سياق الحرب اليمنية؛ من المواجهة مع الحوثيين إلى دعم وإسناد الوحدات العسكرية المحلية التي تخدم المشروع الانفصالي، وفي ظل اندفاعة لافتة نحو إيران والتخلي عن خطاب المواجهة معها، بعد أن كان هذا الخطاب خلال الفترة الماضية من زمن الحرب وقودَ المواجهات العسكرية على الساحة اليمنية على نحو حولها بامتياز الى حرب بالوكالة.

ومع ما يمكن اعتباره اتساقا مع توجه الإمارات الملحوظ للتحلل من التبعات القانونية والأخلاقية لتدخلها العسكري في اليمن ضمن التحالف الذي تقوده السعودية، فإن ثمة قراءة موضوعية ترجح أن يكون هجوم معسكر الجلاء قد حقق حاجة أبو ظبي نفسها في التخلص من أكثر أدواتها انخراطا في العمليات القذرة تجنبا لمحاسبة محتملة.

لكن ما يتعين التركيز عليه؛ هي حملات التهجير الواسعة النطاق، وصنوف التنكيل والإضرار بالممتلكات والتفريق بين المسافرين وعائلاتهم في الحواجز ونقاط التفتيش عند مداخل مدينة عدن، في توجه يتعمد توسُّلَ هذه الممارسات الترويعية الإرهابية؛ بهدف إخلاء عدن وما جاورها من أي وجود لمواطنين من المحافظات الشمالية.

وتلك خطوة تمهيدية من المتوقع أن تتلوها خطوة أخرى لمواجهة ما تبقى للشرعية من أدوات عسكرية وأمنية وطرد المسؤولين والوزراء والقادة المحسوبين عليها، وصولا إلى فرض الانفصال عبر هذه الوسيلة من التثوير الشعبي.

يأتي ذلك بعد أن فشلت أبو ظبي باعتبارها جزءا لا يتجزأ من تحالف تقوده السعودية وتتحمل كامل المسؤولية عن ممارساته، في فرض قوى الأمر الواقع الناعمة (المجلس الانتقالي) والخشنة (الأحزمة الأمنية والنخب العسكرية) كطرف في المعادلة السياسية وفي طاولة المفاوضات المعنية بانهاء الحرب وإحلال السلام.

لكن التحدي الأكبر الذي يواجه مخطط التثوير الشعبي في فرض الانفصال، هو أنه يتجاهل صمت الشارع العدني والجنوبي عامة حيال الجلبة التي تحدثها الإمارات عبر أدواتها، ليظهر هذا السلوط الهمجي الترويعي وكأنه خيار شعبي جنوبي.

والحقيقة هي أن نسبة كبيرة من الجنوبيين في عدن وفي غيرها يقفون على الضد من هذه التصرفات الكارثية التي عانوا على مدى السنوات الماضية من تداعياتها على أمنهم وحريتهم وكرامتهم، ورسخ لديهم الإيمان بأهمية بقاء اليمن موحدا، حتى لا يقع الجنوب مرة أخرى فريسة لدورة عنف جديدة.