كتب

كتاب جديد يبحث في أسباب فشل الإسلاميين سياسيا

ياسر الزعاترة: في الحالة الإسلامية نحن أمام نماذج لا ترتقي جميعا إلى مستوى إنتاج القيادات السياسية

الكتاب: لماذا يفشل الإسلاميون سياسيا.. عن الحمْلة الجديدة على "الإسلام السياسي" و"التَّديّن"
المؤلف : ياسر الزعاترة
الناشر : جسور للترجمة والنشر
الطبعة الأولى: 2019
عدد الصفحات: 174

درج كثير من الإسلاميين في سياق دفاعهم عن تجاربهم المتعثرة على اتهام دول وقوى خارجية بوقوفها وراء إفشال مشاريعهم السياسية، وتحريضها لأنظمة الفساد والاستبداد وتأييدها لسياساتها المستهدفة لوجودهم بشكل مباشر، مع نفور تام من ذكر أي عوامل ذاتية، قد تكون هي المنتجة لحالات فشل تجارب الإسلاميين المتكررة.

وعادة ما يصاحب ذلك استدعاء أدبيات ومفردات فقه الابتلاء، بوصفه سنة من سنن الدعوات، فما يصيب الحركات الإسلامية المعاصرة من ابتلاء ما هو إلا حلقة من حلقات الصراع الممتدة من قديم الزمان إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، وأنه لن يكتب لها التمكين حتى تبتلى وتمتحن.

 

"إدراك تعقيدات السياسة يحتاج إلى مزيج من دراسة سيرة النبي عليه الصلاة والسلام إلى جانب قراءة التاريخ البعيد والقريب، وتجارب حركات التحرر والتغيير، وعلوم الحرب، مع الفلسفة وعلم النفس والاجتماع، وفوق ذلك دراسة الدولة الحديثة وطبيعتها".


وعلى خلاف التفكير السائد في أوساط الإسلاميين، والذي عادة ما ينحو في بيان أسباب فشل تجارب الإسلاميين السياسية باللائمة على عوامل ومخططات خارجية، يركز الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة في كتابه "لماذا يفشل الإسلاميّون سياسيا؟"، وبعنوان فرعي (عن الحرب على "الإسلام السياسي" و"التديّن")؛ والصادر حديثا عن دار "جسور للترجمة والنشر" على الأسباب الذاتية التي تقف وراء فشل الإسلاميين سياسيا.

تكتسب معالجة الكاتب الزعاترة أهميتها من كونها تأتي من داخل الدائرة الإسلامية، فهي رؤية من الداخل، وصاحبها معروف بانتمائه للتيار الإسلامي، وانشغاله منذ أربعة عقود بشؤون الظاهرة الإسلامية وقضاياها وهمومها، وإن فضل الاستقلالية في العمل والطرح، ما يعني أنه حينما يركز في معالجته على ما تتحاشى غالب المعالجات الإسلامية الأخرى ذكره، بل وتنفر منه بشدة، فهو يفعل ذلك من منطلق انتمائه الإسلامي الخالص، وغيرته على إخوانه الإسلاميين، وحرصه على صيانة تجاربهم السياسية من الفشل، إلى تبصيرهم بميدان قد يكون من "المسكوت عنه، أو غير المُفكّر فيه" في دوائر الإسلاميين.

معضلة السياسة في تجارب الإسلاميين

مع إشادة الزعاترة بما حققته الحركات الإسلامية على صعيد إعادة الهوية الإسلامية للجماهير العربية والإسلامية، وثنائه على جهودها الخيرة في إنتاج صحوة دينية واسعة النطاق، وتبنيها الصادق لهموم الأمة في الوحدة والحرية والتحرر، وتبني قضية فلسطين، وحشدها للأمة في هذا الاتجاه، إلا إنه "من غير الممكن إنكار فشلها في ترجمة تلك الصحوة وذلك الانتشار الكبير في أوساط الجماهير إلى نجاح عملي في إعادة الهوية للدولة؛ ليس كدولة دينية كما يفهم البعض، أو كسيطرة من فئة معينة عليها، بل من حيث ترجمتها لقيم الإسلام الأساسية في الحرية والشورى والعدل والمساواة".

ويُرجع الكاتب السبب الأكبر في ذلك إلى "ضحالة النظرة السياسية التي اتسمت بها تلك القوى، وعدم فهمها لحركة السياسة وتعقيداتها، وموازين القوى واستحقاقاتها، وللدولة الحديثة وطبيعتها، وجاءت ثورات الربيع العربي وما بعدها لتؤكد هذا البعد في حراكها".

 

من يتأمل في حشد طويل من القرارات والتوجهات السياسية التي اتخذتها القوى الإسلامية خلال العقود الماضية يلحظ قدرا كبيرا من السطحية السياسية، ومعها العجز وخلل الأولويات


ولا تغيب عن معالجة الكاتب الإشارة إلى الأسباب الخارجية المتمثلة في "الاستهداف الخارجي والداخلي، ومن ضمنه خلل موازين القوى" والتي يصفها بـ"السبب الأهم" مستدركا بقوله "لكن ذلك لم يكن سرا، وكان على القوى الإسلامية أن تأخذه في الاعتبار طوال حراكها".

ووفقا للكتاب فإن "إدراك تعقيدات السياسة ليس بالأمر الهين فهو يحتاج ابتداء (في الحالة الإسلامية تحديدا) إلى مزيج من دراسة سيرة النبي عليه الصلاة والسلام في حركته السياسية، وإدارته للصراع على كل المستويات، وعموم حراكه في مجال نشر دعوته، بعيدا عن التبسيط المخل الذي حوّل السيرة إلى مسيرة قدرية، إلى جانب قراءة التاريخ البعيد والقريب، وتجارب حركات التحرر والتغيير، وعلوم الحرب، مع الفلسفة وعلم النفس والاجتماع، وفوق ذلك دراسة الدولة الحديثة وطبيعتها، مع حاجته إلى قدر كبير من الذكاء وقوة الحدس".

ومن غير تهيب ولا تردد يذكر الكاتب أن "هذه الحصيلة المعرفية لم تكن متوفرة في الغالب لقادة القوى الإسلامية الذين كانت تجاربهم مسلسلا طويلا من الانشغال بالهموم والمتابعات اليومية، في حين غاب مبدأ استشارة من يملكون تلك المعارف مع قلتهم، لأسباب واعتبارات مختلفة، بعضها له صلة بمنهج التثقيف".

ويرى الكاتب أن "من يتأمل في حشد طويل من القرارات والتوجهات السياسية التي اتخذتها القوى الإسلامية خلال العقود الماضية يلحظ قدرا كبيرا من السطحية السياسية، ومعها العجز وخلل الأولويات، والتي أفضت إلى خسائر لا تحصى، وآخرها حتى كتابة هذه السطور، وربما أكثرها أهمية، التجربة المصرية، وتجربة الإخوان تحديدا بعد ثورة يناير 2011".

بناء الوعي السياسي

في سياق ذكره للتجارب الإسلامية الفاشلة أو المتعثرة، أشار الكاتب إلى أن مسيرة الفشل تبدأ "من تجربة الصدام مع عبد الناصر، ثم تتوالى المعارك الفاشلة: الصدام مع النظام السوري نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات، صدام الجماعة الإسلامية والجهاد مع النظام في مصر، صدامات الجزائر وليبيا وغيرها، أضف إلى ذلك تجارب سياسية كثيرة في الخليج والمغرب العربي، وكذلك أخطاء إخوان الأردن في إدارة خلافاتهم الداخلية والتي أفضت إلى جملة انشقاقات.. وتجربة حماس ومشاركتها في انتخابات سلطة مصممة لخدمة الاحتلال عام 2006، وإكمال ذلك بحسم عسكري حشرها في قطاع غزة، واطال تيه القضية الفلسطينية..".

يركز الكاتب في بيانه ومعالجته لأسباب الفشل الذاتية على أهمية بناء الوعي السياسي، وينتقد بشدة ما درجت عليه الممارسة الإسلامية الحركية والتي يصفها بأنها "تأخذ من الشورى أو الديمقراطية شكلها الخارجي، فتصل إلى نتائج بائسة، تجعل الشورى أداة هدم بدلا من أن تكون أداة بناء".

 

لم يقل رب العزة إن الإيمان يجعلك قادرا على خوض أي معركة، سياسية أم عسكرية أم سلمية، ومن ثم الانتصار فيها، هو يمنحك مزيدا من القوة، وقد يضاعف قوتك، أما ما تبقى فينبغي أن يكون خاضعا لمنطق السنن


ويشرح ذلك بقوله: "في الحالة الإسلامية نحن أمام نماذج لا ترتقي جميعا إلى مستوى إنتاج القيادات السياسية، ولا الرؤى السياسية القادرة على التعامل مع أوضاع محلية وإقليمية ودولية بالغة التشابك والتعقيد، ومن ثم العبور بالجماعات نحو بر النجاح (ويشمل ذلك تجارب الحكم أو المشاركة السياسية)".

ويقدم الكاتب عرضا لآليات إنتاج القرارات السياسية وفق نسق واحد، خاصة في الحالة الإخوانية، وآليات تشكيل مجالس الجماعة وتصعيد القيادات في صفوفها، لافتا إلى أنه "من النادر أن تجد بين عناصر تلك القيادة من يملكون مؤهلات سياسية بالمعنى الحقيقي للكلمة، مع أن بعضهم يملك مؤهلات قيادية.. مع غياب فكرة المستشارين من الناحية العملية، بل إن بعض الفروع حين قررت في لوائحها الداخلية أن تضم إلى مجالس الشورى من أطلق عليهم وصف خبراء، تم انتخاب هؤلاء بناء على الحسابات الفئوية ذاتها..".

وبعد استعراضه لكثير من مظاهر الخلل والقصور التي تعتري آليات اتخاذ القرارات داخل القوى الإسلامية المختلفة، تساءل الزعاترة: "هل يمكن لمعادلات من هذا النوع أن تنتج شيئا غير التخبط، واتخاذ القرارات السياسية التي لا تأخذ في الاعتبار موازين القوى، ولا معادلة جلب المصالح ودرء المفاسد، ولا طبيعة الدولة الحديثة، سواء تم ذلك مشفوعا بالإخلاص، وهو الغالب للأمانة، أم كان بسبب تأثيرات شخصية وضغوط وتوجيهات خارجية، إن كان قبل صعود الشخصيات للقيادة أم بعد ذلك"؟.

وبحسب الكاتب فـ"إذا كان الحديث عن قواعد واسعة تملك الوعي السياسي أمرا بالغ الصعوبة، فإن فرز قطاعات من الكوادر تمضي في هذا الاتجاه قد يمثل حلا، بحيث تذهب في اتجاه التخصص، وتكون من أكثر العناصر ذكاء، ولها الرغبة في ولوج هذا المجال، وتجري عملية بناء متكاملة للوعي لدى هذه الكوادر عبر قراءات عميقة، ومتابعات دائمة للشأن السياسي، وبعد ذلك يجري وضع آليات لتأثير هذه الفئة في القرار، سواء وصلت إلى مجالس الشورى أم لم تصل".

مراجعات لمسألة النصر والهزيمة؟

في سياق تحليله لأسباب فشل تجارب الحركات والقوى الإسلامية طوال العقود السابقة، يلفت الزعاترة إلى أن "الخلل المنهجي عند القوى الإسلامية يبدأ من القراءة التاريخية للتجربة الإسلامية الأولى، حيث يجري التركيز على الإيمان كسبب أساسي في معادلة الهزيمة والانتصار، واستبعاد ـ وأقله تهميش ـ العوامل الأخرى المتعلقة بموازين القوى الداخلية والخارجية، وإمكانات العدو ووضعه، فضلا عن العناصر الأخرى المتعلقة بإدارة المعارك وما إلى ذلك".

ويركز الكاتب في مناقشته لتلك الأفكار والرؤى المؤسسة على أن عدم إدراك الظروف الموضوعية التي تهيأت للتجربة الإسلامية الأولى نتيجة الصراع المتواصل بين الامبراطورتين الرومانية والفارسية، والذي أدّى إلى تضعضع قواهما وإنهاكهما، ما نتج عنه خللا في ميزان القوى لصالح القوة الإسلامية الصاعدة.. إضافة لما بينه القرآن عن فكرة ميزان القوى في آيات سورة الأنفال والنزول بفكرة ميزان القوى من واحد مقابل عشرة، إلى واحد مقابل اثنين، وهو ما يعبّر عن روح الفكرة وجوهرها بعيدا عن حرفيتها ومثالها المذكور.

وبناء على معرفة ظروف الواقع، وإدراك موازين القوى بشكل دقيق، يشدد الكاتب على أن "حركة التغيير أو الثورة أو التحرير أيا كانت (سلمية أو مسلحة) ينبغي أن تخضع لتقدير موقف بالغ الدقة قبل التحرك، وإلا فستكون قفزا في الهواء، وتضييعا للجهد، ومغامرة بمصالح الناس وحياتهم وبالأوطان.. ولا تسأل بعد ذلك وقبله عن سطحية الاعتقاد بإمكانية إجراء تغيير حقيقي من خلال صناديق الاقتراع وحدها في ظل دولة عميقة تتحكم في كل شيء، ومن دون قوة حقيقية..".

ويخلص الزعاترة إلى القول: "لم يقل رب العزة أن الإيمان يجعلك قادرا على خوض أي معركة، سياسية أم عسكرية أم سلمية، ومن ثم الانتصار فيها، هو يمنحك مزيدا من القوة، وقد يضاعف قوتك، أما ما تبقى فينبغي أن يكون خاضعا لمنطق السنن، ولدراسة من كل الجوانب حتى لا يكون الفشل".

تجربة الإخوان في مصر بعد ثورة يناير

أفرد الزعاترة فصلا خاصا بتجربة الإخوان المسلمين في مصر بعد ثورة يناير، والتي رأى أنها "أكثر ما عكست بساطة الرؤية السياسية للجماعة، ليس في إدراك طبيعة الدولة وحسب، بل ربما المجتمع وتعقيداته أيضا، بجانب أخطاء التكتيك السياسي في إدارة الصراع برمته".

ومع وصفه لدور الإخوان في الثورة بـأنه كان "مبدعا ورائعا، لكن الفشل كان سمة المسار بعد ذلك، والذي تجلى ابتداء في القناعة بإمكانية أن تسلم لهم الدولة العميقة الأمر بمجرد فوزهم في انتخابات ديمقراطية.. بل ربما قبل ذلك حين لم يدركوا طبيعة ميزان القوى المحلي والدولي الذي أفضى إلى سقوط مبارك".

وتحدث الزعاترة عن أن "غالبية مجلس شورى الجماعة كانت تدرك بحس سياسي معقول، وربما فطري أن الأفضل هو عدم خوض انتخابات الرئاسة تبعا لواقع الدولة القائم والوضع الإقليمي المحيط، لكن إشكالية صناعة القرار التي تطرقنا لها سابقا ما لبثت أن فعلت فعلها، وتم استدراج المجلس (لا تشكيك في النوايا هنا) إلى الموافقة على الترشيح، ويبدو أن تسريبات من المجلس العسكري والجهات الأمنية بإمكانية قبول خيرت الشاطر كمرشح هي التي دفعت في هذا الاتجاه".

 

لقد كان الفشل في إدراك تآمر الدولة العميقة وحقيقة الانقلاب القادم هو ما أفضى إلى مجمل التخبط اللاحق


وأضاف: "وهنا المعضلة الكبرى التي ظلت تحكم سلوك الإخوان طوال الوقت حتى الانقلاب، أعني معضلة الاستماع إلى التسريبات، وعدم إعمال منطق التحليل السياسي في قراءتها، وفي قراءة ما يجري ونوايا سائر الأطراف الفاعلة، هذا مع العلم أن فوز الشاطر بدلا من مرسي لم يكن ليغير الكثير عمليا، مع صعوبة الجزم بموقفه في الأيام الأخيرة قبل الانقلاب".

ويحدد الكاتب موضع الفشل بقوله: "لقد كان الفشل في إدراك تآمر الدولة العميقة وحقيقة الانقلاب القادم هو ما أفضى إلى مجمل التخبط اللاحق، والذي انتهى إلى ما انتهت إليه الحال، وكان يمكن للرئيس أن يخرج للناس منذ البداية ليخبرهم بالواقع الذي وجده أمامه على كل صعيد، خاصة الاقتصادي، بدلا من الصمت، ويلتحم بالجماهير من أجل ترويض تلك الدولة (العميقة).

وتابع: "ولم يتوقف مسلسل الفشل عند عدم ادراك حقيقة الانقلاب القادم، بل تجاوزه إلى المرحلة التالية عبر الاعتقاد أن بالإمكان إفشال ذلك الانقلاب عبر اعتصام سلمي (رابعة)، ثم تجاوزه أيضا بالحديث المتواصل عن "انقلاب يترنح" فيما هو قوي ومتماسك ويحظى بدعم دولي، وهو الأمر الذي أفضى إلى تصعيد شعبي أول الأمر أدى إلى كسر العظام وسحق الجماعة على النحو الذي حدث لاحقا.

إضافة لتجربة الإخوان في مصر بعد ثورة يناير، تناول الزعاترة حركة حماس كنموذج لأخطاء سياسية، وتجارب أخرى من بينها تجربة "تنظيم الدولة"، مع قضايا وتفاصيل يصعب تلخيصها في هذه السطور.

ونظرا لأن الكاتب يستشعر مدى حساسية الموضوعات التي عالجها في كتابه، فإنه يتوقع أنها "ستثير الكثير من الجدل، وسيتحدث البعض عن الحكمة بأثر رجعي، وربما عن "التعالم"، وقد يرد البعض بالهجاء"، متمنيا "أن يجري التركيز على الأفكار الأساسية، أو الرسائل الأساسية في كتابه" فهي "رسائل هاجسها الدفاع عن دين الله وأمته، وليس لها أي هدف آخر، وكاتبها مستقل تماما، وإن كانت له تجربة "حركية" انتهت قبل نحو عقدين من الزمان"؛ على حد قوله.