سياسة عربية

"الاختفاء القسري" ظاهرة خطيرة تهدد سكان الشمال السوري

تزايد حالات الاختطاف التي ينفذها الجيش السوري والمعارضة المسلحة - أرشيفية
تزايد حالات الاختطاف التي ينفذها الجيش السوري والمعارضة المسلحة - أرشيفية
بات الاختفاء القسري أو ما يعرف بالخطف أو "التشويل" باللهجة الشامية من الظواهر التي تهدد أمن السورين وتنغص عيشهم، وتؤرق ليلهم وتشكل مصدر خطر دائم لا يتوقف بالنسبة لهم على اختلاف انتماءاتهم وطوائفهم، وأيّن كانت أماكن تواجدهم يكفي أنهم يتواجدون على الأراضي السورية، وقد بدأت هذه الظاهرة مع اندلاع الثورة في سوريا ثم انتشرت وتوسعت حتى أصبحت من أسوء الظواهر التي لا يعرف لها حل حتى الآن. 

بدأت هذه الظاهرة على أيدي قوات جيش النظام السوري حيث بدأت تطال الناشطين والشخصيات الثورية التي كانت دافعا ومؤثرا بالحراك الثوري في بداية إنطلاقته، فأقدمت عناصر النظام على اختطاف هؤلاء الناشطين وتغييبهم، وذلك من أجل محاصرة الحراك الثوري وتحجيمه والقضاء عليه بشكل كامل.

ومع توسع رقعة التظاهرات  والانفلات الأمني الذي بدأ يرافق تطور الأحداث في سوريا تباعا، بدأت تتشكل ما يعرف بوحدات الدفاع المدني والتي كان لها باع طويل في نشر ظاهرة الخطف وتجسيدها بالواقع السوري، حيث شكلت هذه الوحدات من أجل اختطاف المدنيين وترويع الناس وابتزازهم بالأموال، ثم لم تقف القضية عند هذا الحد بل تعدتها حتى طالت النساء بدافع انتقامي واستغلالي ونيل من كرامة العائلات المحسوبة على الثورة وإهانتهم قدر الإمكان.
  
يقول بلال وهو موطن سوري فضل الوقوف في بداية الأحداث على الحياد في حديث مع "عربي 21" أنه وأثناء مروره على أحد حواجز لجان الجيش الشعبي في حماه قام الحاجز بإلقاء القبض عليه وتم اقتياده بعد أن أعصبوا له عينيه، وكبلوا يديه إلى مكان مجهول، ثم ليعرف فيما بعد أنه في أحد المستودعات المهجورة في إحدى القرى الموالية للنظام في ريف حماة، كما تم احتجاز سيارته ومصادرة كل ما يحمل من أموال وأشياء خاصة، وبقي على هذا الحال أكثر من ثلاثة أشهر لا يعرف شيء عن حاله ولا أحد من أهله يعرف عنه أي شيء.

ويتابع بلال أنه وبعد وقت طويل لم يدخر فيه أهله جهد في البحث، عنه تمكنوا من معرفة  الحاجز الذي ألقى القبض عليه، ثم عن طريق ضابط له نفوذ كبير في حماه تم التوصل إلى عناصر الحاجز ودفع مبلغ كبير من المال مقابل إطلاق سراحه، ولكن من غير أن يعيدوا له أي شيء من الأغراض والأموال التي كانت بحوزته إضافة إلى سيارته، ما اضطره لأن يتفاوض معهم من جديد بخصوص السيارة ويدفع لهم ما يعدل ثلاثة أرباع ثمنها حتى تمكن من استعادتها.

ثم انتقلت هذه الظاهرة إلى المناطق المحررة وبدأت تعرف بـ(التشويل) وبدأت تطال المتعاملين مع النظام في بادئ الأمر، ولا سيما الشخصيات التي تنتمي لعائلات كبيرة وليس بالإمكان مواجهتا بشكل مباشر والتي كانت تشكل عائقا كبير في وجه الثوار في المرحلة الأولى بحسب قول مصطفى أحد شباب الثورة في إدلب. 

ويقول مصطفى أن ظاهرة الخطف كانت إحدى الطرق التي اعتمدها الثوار في بداية حربهم مع النظام، وكان لها أثر إيجابي كبير حيث مكنت من إزاحة شخصيات فاعلة محسوبة على النظام لم يكن متيسر التخلص منها وليس بالأمر السهل الوصول إليها بشكل مباشر، وتلك المرحلة كانت مهمة جدا من مراحل الثورة التي استطاعت من خلالها أن تضع حدا للجواسيس والمفسدين  الذي كان لهم كبير الأثر في محاربة الثورة وتكبيدها العديد من الخسائر.

بعد كثرة الفصائل واختلاف توجهاتها أصبحت ظاهرة الخطف حالة سلبية، حيث يقوم كل فصيل تبعا لتوجهه وتوجه قيادته باعتقال الأشخاص، وخاصة الذين لا تربطهم صلة به أو لا يتبعون لفصيل آخر يتولى حمايتهم حيث يتم خطفهم إما لتحقيق غرض سياسي أو لغايات شخصية تعود للفصيل، أو لغرض مادي.

 وطالت عملية الخطف كافة الشخصيات المدينة، والسياسية، والعسكرية حتى أنها طالت عدد من قيادات الفصائل والأولية العسكرية المعروفة والتي لم يتم معرفة مصير المخطوفين منهم حتى الآن.
 
ومن جهته يرى محمد أبو زاكي أن الجانب السلبي الأساسي هو ما تم استغلاله من قبل بعض اللصوص وبعض الفصائل ذات التوجه والمشروع الخاص مثل القاعدة، والدولة الإسلامية والتي تعمدت هذا الأسلوب في التخلص من بعض قيادات ورموز الثورة وأزاحتهم عن الساحة لما كان لهم دور أساسي في الوقوف في وجه  هذه الفصائل ومحاربة مشاريعها.
  
ودفعت المرأة ثمن كبيرا باهظا ولا سيما في مناطق سيطرة جيش النظام حيث سجلت عشرات حالات الاختطاف من قبل الحواجز التابعة للنظام أو اللجان الشعبية المنتشرة في الحارات والأحياء السكنية، ومعظم حالات الخطف كان الغاية منها الاعتداء الجنسي، إضافة إلى الضغط على بعض العائلات المحسوبة على الثورة وكذلك الفدية المالية.
 
وتشهد المناطق التابعة للنظام العديد من حالات الخطف والاختفاء القسري اليومية التي تم توثيق قسم كبير منها، وبعضها الآخر لم يتم معرفة أي شيء عنها حتى الآن، وخاصة التي تكون الضحية فيها امرأة نتيجة العادات والتقاليد السائدة عند الشعب السوري التي تدفع الأسر للتكتم بشكل كامل عن أية حالة اختطاف تطال بناتهم حيث تعتبر أن جريمة اختطاف المرأة جريمة تمس الشرف ولا يجوز الإفصاح عنها.

ويشار إلى أن ظاهرة الخطف والاختفاء القسري أصبحت من الظواهر الخطيرة المتفشية في المجتمع السوري، وقد سجل أيضا في المناطق المحررة، ولا سيما في الشمال السوري، عشرات حالات الخطف التي طالت العديد من شرائح المجتمع لأغراض وأسباب عديدة والتي كانت سببا ودافعا لهجرة الكثير من الشباب والمدنيين، خاصة الميسورين منهم والذين يرتبطون بمؤسسات ومنظمات تعمل خارج سوريا خوفا من تعرضهم للخطف أو" التشويل".
التعليقات (0)

خبر عاجل