ملفات وتقارير

معهد واشنطن: ما دلالات استهداف عباس لفياض وعبد ربه؟

تأتي إجراءات عباس في وقت تواجه به السلطة الفلسطينية أزمات عميقة (أرشيفية) - الأناضول
تأتي إجراءات عباس في وقت تواجه به السلطة الفلسطينية أزمات عميقة (أرشيفية) - الأناضول
ناقشت ورقة بحثية صادرة عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أسباب وتداعيات استهداف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لرئيس الوزراء السابق سلام فياض، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه.

وقال الباحث القديم في معهد واشنطن غيث العمري في ورقته التي ناقش بها الإجراءات، إن "الساحة السياسية الفلسطينية أيام حافلة في الآونة الأخيرة. ففي 15 حزيران/ يونيو 2015، جمّد المدعي العام في السلطة الفلسطينية أصول منظمة (فلسطين الغد) غير الحكومية، التي أسسها ويديرها رئيس الوزراء السابق سلام فياض".

وأضاف الباحث أنه في 30 حزيران/ يونيو، أبلغ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بإعفاء ياسر عبد ربه من مهامه كأمين سر اللجنة. وقد جرت هذه الأحداث على خلفية عملية تشكيل حكومة فلسطينية يلفها الغموض"، على حد قوله.

وأشار العمري إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها عباس كلا من فياض وعبد ربه، إذ "في آب/أغسطس الماضي، دققت السلطة الفلسطينية في حساباتهما للاشتباه بتخطيطهما للقيام بانقلاب ضد عباس. وقد غابت تلك الإجراءات عن الأضواء بهدوء، من دون توجيه تهم رسمية إليهما أو اتخاذ أي إجراء قانوني آخر ضدهما".

وعن العداء بين عباس وفياض، فإن ذلك يرجع إلى "قيام فياض بإصلاحات واسعة النطاق واتخاذه تدابير لمكافحة الفساد، استهدفت المؤسسات المدنية والأمنية للسلطة الفلسطينية خلال ولايته كرئيس للوزراء ووزير للمالية"، مما دفعه لتقديم استقالته إثر الضغوط التي مارسها عباس عليه، وتأسيسه لمنظمة (فلسطين الغد)، التي تقدم الخدمات والدعم للفئات الضعيفة من المجتمع الفلسطيني، بحسب الباحث.

أما عبد ربه فقد وصفه العمري بأنه "سياسي فلسطيني متمرس، وكان عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1971"، وكان أول مسؤول في المنظمة يلتقي مع نظيره الأمريكي عام 1988، وظل منذ ذلك الحين ناشطا في التفاوض مع إسرائيل، وكان يرأس الوفد الفلسطيني في المفاوضات الرسمية وغير الرسمية.

وحول العلاقة بين فياض وعبد ربه، فقد قالت ورقة المعهد إن "عبد ربه وفياض مستقلان سياسياً ويُعتبران حليفين سياسيين، رغم عدم وجود علاقات تنظيمية رسمية بينهما. ويُنظر إليهما بأنهما مقربان من الغرب، وخاصة الولايات المتحدة. كما أنهما يتمتعان بعلاقات قوية مع الإمارات العربية المتحدة"، مشيرة إلى حفاظهما على العلاقة مع محمد دحلان، منافس عباس المستقر في أبو ظبي.

وتابع العمري في ورقته بأن "كلا من فياض وعبد ربه، اللذين يؤيدان حل الدولتين علناً، ينتقدان سياسات الرئيس عباس، غير أنهما لم يعبّرا غالباً عن معارضتهما لهذه السياسات سوى في اجتماعات القيادة المغلقة وليس علنا أو في وسائل الإعلام"، مشيرا إلى توتر علاقتهما مع حركة فتح "لكونهما لا ينتميان إلى الحركة، بالإضافة إلى بعض الإجراءات الرسمية المحددة التي اتخذاها، والتي أدت إلى إضعاف احتكار حركة (فتح) لمؤسسات السلطة الفلسطينية وشؤونها المالية".

قانونيا

ومن الناحية القانونية والإجرائية، فإن "الاتهامات الأولية ضد فياض حول تبييض الأموال أسقطت بعد أن اكتُشف أن حساباته نظيفة"، إلا أن المدعي العام  أمر دون أمر قضائي بتجميد أصول فياض؛ بتهمة "إدارة مال سياسي"، وهي تهمة لا ينص عليها قانون السلطة الفلسطينية.

أما قرار عبد ربه، الذي لم ينشر رسميا ولم يخبر به شخصيا، فهو إجراء شخصي من عباس، في ظل غيابه ودون إجراء تصويت من اللجنة التنفيذية للمنظمة، التي انتخبت عبد ربه لهذا المنصب، بحسب الورقة البحثية، وهو ما لم يحصل في تاريخ المنظمة بأن يقيل الرئيس أمين سر المنظمة بقرار منفرد.

الدوافع

واعتبر الباحث أن هذه الإجراءات ليست ذات اعتبارات قانونية، بل "بناء على ديناميكية الاحتكار والإقصاء السياسية التي اتسمت بها ولاية عباس"، موضحا أنه منذ تسلم عباس للرئاسة فقد سعى لاحتكار السلطة، ويظهر ذلك في سلسلة الألقاب التي يحملها، والتي تضم: رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس دولة فلسطين، ورئيس حركة فتح، والقائد العام للقوات المسلحة، وغيرها.

وتابع الباحث "وبالإضافة إلى الألقاب، يجمع عباس سلطات غالباً ما تتخطى نطاق صلاحياته الدستورية. فحالياً، على سبيل المثال، تأخذ قوى الأمن الداخلي للسلطة الفلسطينية أوامرها من الرئيس، الأمر الذي يتعارض مع "القانون الأساسي" الفلسطيني الذي يمنح السلطة على هذه الخدمات للحكومة، وفقاً للتعديل الذي تم إدخاله عام 2003".

وبجانب هذه الإجراءات الداخلية، فقد "ضُيق الخناق على الساحة السياسية الفلسطينية وعلى الحريات العامة. فإلى جانب الإجراءات العقابية التي اتُخذت ضد شخصيات عامة مثل فياض وعبد ربه وآخرون لتشكيكهم بسياسات عباس، فإن المدونين، والهجائيين، ونشطاء المجتمع المدني الذين يؤيدون التعاطي مع إسرائيل، يجدون أنفسهم في كثير من الأحيان يواجهون مضايقات أو حتى اعتقالات من السلطة الفلسطينية"، بحسب الورقة.

وأشارت التقارير الأخيرة إلى أن السلطة الفلسطينية تخطط لفرض قيود على تمويل منظمات المجتمع المدني الفلسطينية وعملياتها، مما يجعل فلسطين - التي لطاما اعتُبرت من أكثر الكيانات السياسية العربية تنوعاً وحيوية - تتحول تدريجياً إلى ما يشبه بالأنظمة العربية الأستبدادية التقليدية والنمطية، وهي عملية بدأها عرفات وسرّع وتيرتها عباس، على حد قول الباحث.

وتأتي هذه الإجراءات في وقت تواجه به السلطة الفلسطينية "أزمات عميقة"، فعلى الصعيد الداخلي "لم تنجح إجراءات الحوكمة في ظل حكم السلطة الفلسطينية، التي تعاني من وضع مالي غير مستقر- بعد تحسين صورتها في أذهان المواطنين في ظل الإصلاحات التي قام بها فياض خلال فترة حكمه - ويُنظر إليها ثانية من عدد كبير من الفلسطينيين على أنها فاسدة"، على حد تعبير الباحث.

أما خارجيا، فإن "العلاقات مع الحلفاء والداعمين العرب المعتدلين التقليديين في المنطقة متوترة أيضاً. وقد أصبحت العلاقات بين السلطة الفلسطينية، والإمارات العربية المتحدة وقطر على وجه الخصوص، عدائية - لأسباب مختلفة مع دولة الإمارات، بما فيها استضافتها لدحلان، وبسبب دعم الدوحة لحركة حماس، منافسة عباس. وعلاوة على ذلك، فإن العلاقة مع الأردن ومصر باردة، كما أن السلطة الفلسطينية لم تُقم بعد علاقات متينة مع القيادة السعودية الجديدة".

وأضاف الباحث بأن الانقسام بين فتح وحماس "ينهش عموم السياسة الفلسطينية، خصوصا مع تداعيات جذرية على عملية إعادة إعمار غزة، وفي وقت تبين به أن "حكومة الوفاق الوطني" كانت مجرد وهم، إذ إن حماس لم تسمح لها إطلاقاً بالعمل داخل قطاع غزة"، إلا أنها كانت رواية مفيدة، لأنها سمحت للجهات الإقليمية الفاعلة، وفي مقدمتها مصر، بالإصرار على أن عملية إعادة الإعمار في غزة لا يمكن أن تتم إلا عن طريق حكومة عباس، وبالتالي الضغط على «حماس» وتهميشها. 

وأشار الباحث أنه "مع انهيار هذه الحكومة، يمكن لحماس  أن تقدّم نفسها على أنها المرجعية الوحيدة فعلياً لإعادة الإعمار في غزة، وبالتالي اكتسابها شرعية دولية، فضلاً عن حصولها على الأموال والمواد لإعادة الإعمار".

التداعيات

وأوضح الباحث أن قضيتي فياض وعبد ربه سيتم حلهما "في إطار السياسية الفلسطينية المحلية وفي السياق الإقليمي المباشر"، مستدركا أن التوجهات العامة تثير مخاوف حول السياسة الفلسطينية ككل.

وتابع العمري بأن "استمرار تآكل الإصلاحات المؤسساتية التي كرسها القانون الأساسي الفلسطيني، والتي طبقها فياض في الأصل دون انقطاع، فسوف تستمر الشرعية الوطنية للسلطة الفلسطينية في معاناتها"، مضيفا أن حماس والحركات الأخرى، ستستغل الطبيعة المتهورة وغير المدروسة لهذه القرارات.
التعليقات (0)

خبر عاجل