سياسة عربية

بعد أخذ "اللقطة".. فض تظاهرات الميادين بمصر خوفا من اتساع رقعة الاحتجاجات

العديد من الاحتجاجات المصرية أعلنت تضامنها مع غزة ورفض تفويض السيسي من جديد- الأناضول
العديد من الاحتجاجات المصرية أعلنت تضامنها مع غزة ورفض تفويض السيسي من جديد- الأناضول
تعددت القراءات السياسية والأمنية حول دوافع السلطات المصرية لفض المظاهرات في بعض الميادين مثل ميدان التحرير الشهير بوسط القاهرة، لنصرة فلسطين، والتي انطلقت، الجمعة، في عدد كبير من عواصم ومدن العالم العربي والإسلامي والغربي.

وتُعدّ هذه المرة الأولى التي تسمح فيها السلطات المصرية للمواطنين بالتظاهر بأعداد كبيرة منذ نحو عقد من الزمن للتعبير عن آرائهم أو تضامنهم إزاء إحدى القضايا المحلية أو العربية الإنسانية المشتركة بعد خفض سقف الحريات إلى أدنى مستوى وتقييد الحريات ومنع التظاهرات.

التظاهرات جاءت مدفوعة بشعور كبير من الألم والغضب تجاه العدوان الإسرائيلي تضامنا مع نحو مليوني فلسطيني في قطاع غزة المُحاصر، وقد أسفر العدوان عن تهجير مئات الآلاف من شمال القطاع، وتدمير منازلهم، واستشهاد وإصابة نحو عشرين ألف فلسطيني.

لكن رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، بحسب مراقبين تحدثوا لـ"عربي21"، استغل دعوة العالم الحر للنزول يوم الجمعة والتظاهر من أجل نصرة فلسطين، وأطلق دعوة مشابهة للنزول والتظاهر الجمعة من أجل تفويضه في مواجهة مخطط إسرائيل لتهجير سكان غزة إلى سيناء، كما قال.

والأربعاء، لوّح السيسي بدعوة المصريين للتظاهر خلال مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني أولاف شولتس في القاهرة، قائلا: "إذا استدعى الأمر سأطلب من المصريين الخروج إلى الشارع للتعبير عن رفضهم هذه الفكرة (تهجير أهالي غزة إلى سيناء)، فسترون الملايين (في الشوارع) يخرجون للتعبير عن رفضهم لهذه الفكرة".

اظهار أخبار متعلقة


وادعى الإعلام المصري أن المظاهرات التي انطلقت في عدد من الميادين المصرية في القاهرة، وفي جميع المحافظات، جاءت استجابة لدعوة السيسي وتفويضه في إدارة ملف غزة، لكن المتظاهرين رددوا هتافات تفنّد تلك المزاعم، مؤكدين أن حراكهم من أجل فلسطين وليس من أجل التفويض؛ مثل "مش بنفوض حد.. المظاهرة دي بجد" و"تفويض إيه يا عم.. فلسطين أهم".



وانتشر مقطع مصور على مواقع التواصل لمدير أمن الإسكندرية، ومساعد وزير الداخلية، اللواء خالد البراوي، وهو يحاول تفريق إحدى مظاهرات "نصرة فلسطين" بالمدينة الساحلية، ويطالب المتظاهرين بالرحيل قائلا: "خدنا اللقطة خلاص"، وهو ما رفضه المتظاهرون، قائلين: "إحنا مش عايزين لقطة.. إحنا عايزين نتيجة، عايزين نوصل صوتنا".


رسالة الشعب وصلت

من جهته، رأى الناشط المصري المعارض وعضو مجموعة تكنوقراط مصر، الدكتور سعيد عفيفي، أن "الشباب نجح في قلب الطاولة على النظام، فقد أثبت الشعب المصري اليوم أنه مارد لا يموت ولديه قدر كبير من الذكاء لتقييم وتقدير حكامه، وقد أرسل الشعب رسالة إلى النظام أنه نزل إلى الشوارع والميادين تعبيرا ورغبةً في الثورة على هذا النظام وليس تلبيةً لطلب النظام بعمل تفويض له، لأنه يدرك تماما أن ما يسميه النظام تفويضا ليس في محله".

اظهار أخبار متعلقة


وأضاف لـ"عربي21": "لقد كسر الشعب المصري حاجز الخوف وأطلق سهام الرعب في صدر النظام وهتف الشعب بمبادئ ثورة يناير المجيدة، وهي التي ترعب النظام كلما تذكرها، وقد أدرك النظام أن مطالبته للشعب بالنزول لتفويضه هي محاولة خاسرة قد تطيح به للأبد، ما أُجبره على إنهاء هذه المطالبة مرتعبا من رد الشعب غير المتوقع، وكانت لديه مخاوف حقيقية من فقدان السيطرة على الشعب بسبب كسره حاجز الخوف".

وأعرب عفيفي عن اعتقاده بأن "هذه بداية وسوف تتكرر في الفترة القادمة، إذا استمر العدوان الإسرائيلي على فلسطين، وسيكون هذا وقود إشعال الثورة المصرية، والتي ستُطَهر بها مصر وإنقاذا لفلسطين كذلك، لأن إنقاذ فلسطين تاريخيا كان دائما يبدأ من مصر".

حذر النظام.. وجرأة الشارع

على المستوى الأمني، استدعت المظاهرات مخاوف النظام المصري من حدوث أي انفلات أمني، وفي هذا السياق، يقول الباحث في الشؤون الأمنية، أحمد مولانا، إن "النظام المصري أراد تنظيم مظاهرات لوقت محدود في أماكن معينة لإبراز وجود ظهير شعبي داعم له، ولا يريد فتح الباب لمظاهرات حقيقية يعبر فيها المصريون عن موقفهم".

مضيفا لـ"عربي21": "ولذا، تعامل مع بعض مظاهرات يوم الجمعة بعنف شمل اعتقال عدد من المتظاهرين لفض الاحتجاجات بعد وقت قصير من بدايتها؛ فهي خطوة يصعب التحكم بهذا النوع من التحركات الشعبية في ظل وجود أزمة كبيرة في غزة".

ونوّه مولانا إلى أن هناك "انزعاجا شعبيا واسعا من تعامل الأنظمة العربية مع قضية فلسطين بشكل مخز، وفي مقدمة ذلك الموقف المصري العاجز حتى عن الضغط لفتح معبر رفح بشكل دائم لإيصال مساعدات إنسانية وطبية بعد مرور أسبوعين من الحرب".


مخاوف من انقلاب المظاهرات ضد النظام

وفي تقديره، يقول الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية الدكتور ممدوح المنير: "بكل تأكيد يخشى السيسي اتساع رقعة التظاهرات المؤيدة لغزة، لأنه يعلم جيدا أنه يتحمل المسؤولية بشكل كبير عمَا يتعرض له أهلنا هناك؛ فهو مَن يحاصر غزة، ولو كان معبر رفح مفتوحا بشكل دائم أمام حركة الأفراد والبضائع لما كان هناك قيمة للحصار الصهيوني لها".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أن "بعض المظاهرات التي خرجت هي بتعليمات مباشرة وتحت السيطرة، والبعض الآخر ليس هدفها الحقيقي الوقوف مع السيسي ضد تهجير أهل غزة لسيناء؛ فهو الذي هنّدس وجهَّز عملية التهجير عندما أزال مدينة رفح المصرية وسوّاها بالأرض وجهّزها منذ سنين كمراكز إيواء مع أجزاء من العريش لاستقبال أهل غزة كجزء من صفقة القرن التي وافق عليها وأيدها وذاكرة اليوتيوب لا تنسى".

وذهب المنير إلى القول إن "السيسي أخرج التظاهرات فقط لإظهار أن هناك معارضة لتهجير أهل غزة لسيناء لتحسين شروط التفاوض على (الثمن) الذي سيحصل عليه لتنفيذ الصفقة، وأعتقد أن الجيش لن يمانع؛ فمن يفرط في قطعة من أرضه مثل تيران وصنافير سهل عليه أن يقبل ما دون ذلك".
التعليقات (3)