ملفات وتقارير

صحفيون في قلب "طوفان الأقصى".. الاحتلال يستهدف "ناقلي الحقيقة" ويحولهم إلى شهداء

الصحافي في فلسطين يتعرّض لكافة الانتهاكات من الاحتلال الاسرائيلي- الأناضول
الصحافي في فلسطين يتعرّض لكافة الانتهاكات من الاحتلال الاسرائيلي- الأناضول
"طمّنو من حولكم، أنكم بخير، سوف تكونون دوما على خير، هي ساعات صعبة وستمر" كانت هذه آخر كلمات يتلفظ بها الصحفي الفلسطيني، هشام النواجحة، في فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل ساعات قليلة من استشهاده، إثر قصف الاحتلال الإسرائيلي لمجموعة من الصحفيين؛ وكذلك استشهدت الصحفية في إذاعة صوت القدس، سلام ديمة، مع زوجها وأطفالها الثلاثة في غارة جوية أصابت منزلها، الأسبوع الجاري.



ومع توالي الأحداث، عقب عملية "طوفان الأقصى"، تسارعت الأخبار، التي تكشف استشهاد ثمانية صحافيين، واختفاء اثنين، وإصابة عشرة صحفيين بجروح متفاوتة، بعد قصف وتدمير 40 مؤسسة إعلامية، من ضمنهم برجي فلسطين ووطن، وهدم كلي أو جزئي لمنازل عشرات الصحفيين الآخرين، من طرف الاحتلال الإسرائيلي؛ وأقلهم ضررا، أمام هذا الوضع، من تم احتجازهم، أو إقفال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.


الحقيقة في مواجهة الاحتلال
وكان هؤلاء الصحافيين يعملون من أجل إيصال الحقيقة للعالم، وتوثيق مشاهد الأسى التي يُخلفها القصف الانتقامي المتواصل للاحتلال، منذ أسبوع، على قطاع غزة؛ لكنهم جزء من الحدث، ومن النطاق الجغرافي الصعب الذي يشتغلون فيه، فلم يتم استثنائهم، على الرغم من توفر جُلّهم على مقومات السلامة المهنية للصحفيين، من قبيل الدرع الواقي للرصاص أو الخوذة، والسترات التي توضح أنهم صحافيين.


ورصدت "عربي21" كمّا هائلا من المقاطع، التي تُوثق بالصوت والصورة، الانتهاكات الصارخة لمبادئ وقواعد القانون الدولي، التي تُلزم باحترام حقوق الإنسان وضمان سلامة المدنيين حتى في حالات الحرب.


ويوضح عدد من الصحافيين المتواجدين في قلب "طوفان الأقصى"، أنه "لولا الإعلام، لما كُشف المستور في عدد من القضايا، ولما عرف الناس بحال الأهالي في الأراضي المحتلة سواء في قطاع غزة أو حي الشيخ جراح أو بيتا أو سلوان، أو غيرهم من المناطق الصعبة بسبب تواجد الاحتلال الإسرائيلي" مبرزين أنه "لهذه الأسباب يتم استهدافنا بشكل شخصي، لأنهم غاضبون من فضحنا لجرائمهم التي تنتهك مواثيق القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان".


حين تُنتزع الإنسانية..
وحاولت "عربي21" التواصل مع عدد من الصحافيين، الذين لا يزالون مستمرين في تغطية "جرائم الاحتلال" بعضهم تحدث لنا بأسماء مُستعارة، حفاظا على سلامتهم، في حين لم تستطع "عربي21" الحديث إلى كثيرين منهم، بسبب الإرهاق الشديد والعمل المستمر ليلا ونهارا، وتواصل القصف العنيف على قطاع غزة، وغياب الأماكن الآمنة.


ويقول عدد من الصحافيين، إن "الصحافي في فلسطين يتعرّض، في كل ساعة، لأبشع أشكال الانتهاكات من قبل الاحتلال الاسرائيلي، لأنه يعيش من أجل القيام بواجبه المهني، وهو فضح جرائم الاحتلال، وننقل الصورة على حقيقتها للعالم" ولهذه الأسباب، يتم استهدافهم، فقط لأنهم صحافيين.

ومن بين الصحافيين، الذين ذاقوا مرار الانتهاك الصارخ، الصحافي من قطاع غزة، مؤمن فايز، الذي فقد قدميه، في تاريخ كانون الأول/ ديسمبر 2008، وقصفت قوات الاحتلال منزله في عام 2014، وقُصف مكتب "إديا" للخدمات الإعلاميّة، الذي أسسه، في أيار/ مايو 2021؛ وكذا الصحافي معتز، الذي تفاجأ وهو يقوم بتغطية قصف منطقة سكنية في غزة، قبل يومين، بخبر استشهاد عائلته بقصف إسرائيلي.


ومن أجل بعض من السلامة، يعمل الصحافيون، منذ أسبوع، في تغطية الأحداث الجارية عقب عملية "طوفان الأقصى"، في مجموعات، إذ يتفقون أولا بشكل جماعي على مكان التواجد، وكيفية التحرك، وكُلّما تعرّض أحدهم لإصابة أو اعتقال، انقسموا لنصفين، الأول يعمل على إنقاذ زميله، والآخر يحرص على توثيق الاعتداء. 


"حين يبكي الرّجال"
صعب هو حال الصحافيين المُتواجدين، في الأيام الجارية، في قلب ميدان عملية "طوفان الأقصى" في قطاع غزة؛ لكن حال باقي الصحافيين الذين يغطون الأحداث، عن بعد، في مختلف دول العالم، كذلك لا يسرّ. إذ من الصعب العثور عن كلمات لتصف بها، كمية المأساة التي تتوالى عليك، في كل ساعة، فيجف قاموس اللغة، وحدها الدموع تنهمر لعلّها تقول عنك الكثير.

اظهار أخبار متعلقة


بعيون باكية وصوت متلعثم، يتعثر صحافي قناة الغد، محمد عبد الله، في وصف الصور التي تُعرض على الهواء مباشرة، قائلا: "اعذروني، المشاهد صعبة، نحن بشر في نهاية المطاف" مشيرا في حديثه عن المنشورات التي تُطالب الأهالي في غزة بترك المناطق التي يتواجدون فيها: "أقولها على الهواء مباشرة، هذه المنشورات كاذبة، الوعود بأن هذه المناطق لن تُضرب ولن تُقصف، هي كلمات باطلة وكاذبة".


وأمام هذا الوضع المؤسف والصعب، رصدت "عربي21" عددا من الفيديوهات التي سعى من خلالها الأهالي في غزة، عبر حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، إيصال صوتهم المكلوم، وبث رسالة إلى أي جهة مسؤولة، مفادها، أنهم في حصار تام، ووضع صعب جدا، يستدعي التدخل الفوري لمد يد العون إليهم. 



من بينها، فيديو لشاب، يوصف بأنه "صحافي مواطن" يستنجد في مقطع فيديو، انتشر كالنار في الهشيم على مختلف المنصات، يوثق لحظة توالي القصف عليهم وهو يقول "قد يكون هذا آخر فيديو لي، أود من خلاله أن أقول أن الأهالي هنا بدون ماء ولا كهرباء، ويعيشون في ظل وضع إنساني مزري".


ومع تسارع الأحداث في قطاع غزة بشكل يوصف بـ"المخيف"، لا يزال مصير عدد من صناع المحتوى والصحافيين، مجهولا بعد انقطاع اخبارهم، في ظل صعوبة الاتصال والتواصل في المناطق المتواجدين بها، تحت استمرار قصف الاحتلال الاسرائيلي، الذي لم يرحم أحدا، ولم يستثني أحدا.


وأدانت نقابات الصحافيين، في عدد من الدول، استهداف الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة، مطالبة بالتحرك العاجل من أجل حمايتهم وفرض تطبيق القانون الدولي الإنساني الذي يجرم ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي.
التعليقات (0)