ملفات وتقارير

أول فيلم مصري بدور العرض التركية منذ 6 عقود.. هل بدأ التطبيع الثقافي بين البلدين؟

تشهد دور السينما التركية في 15 ولاية بينها إسطنبول وأنقرة عرض أول فيلم مصري بالبلاد لمدة 3 أسابيع- جيتي
تشهد دور السينما التركية في 15 ولاية بينها إسطنبول وأنقرة عرض أول فيلم مصري بالبلاد لمدة 3 أسابيع- جيتي
شهدت دور السينما التركية في 15 ولاية بينها إسطنبول وأنقرة، الجمعة، عرض أول فيلم مصري بالبلاد ولمدة ثلاثة أسابيع، وذلك بعد غياب نحو ستة عقود، في خطوة لافتة نحو تطبيع ثقافي وفني بين البلدين تعكس حالة التقارب السياسي الحادثة بينهما مؤخرا، بعد قطيعة نحو 10 سنوات.

شركة "داماس فيلم"، المتخصصة بتوزيع وبث الأفلام والمسلسلات العربية، أعلنت عبر صفحتها في "إنستغرام"، عرض الفيلم المصري "بيت الروبي" بتركيا بشكل قانوني ومرخص من حكومة أنقرة، حتى 25 آب/ أغسطس الجاري، وذلك بعد أن حقق الفيلم نجاحا كبيرا إثر عرضه في 21 حزيران/ يونيو الماضي في موسم عيد الأضحى في مصر والسعودية.



المثير هنا أن الفيلم، من إنتاج العام الجاري لمخرج مسلسل "الاختيار" المثير للجدل في مصر والمقرب من الأجهزة السيادية المصرية بيتر ميمي، وإنتاج المنتج تامر مرسي رئيس "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية السابق"، وهي الشركة التابعة للمخابرات المصرية والمسيطرة على الإنتاج الفني بالبلاد.

وتدخل العلاقات المصرية التركية مرحلة الاختبار بعد سنوات من القطيعة السياسية، ما دفع متحدثين لـ"عربي21"، إلى الإشادة بالخطوة وتمني تكرارها.

وعبر صفحتها على "إنستغرام"، ثمنت عارضة الأزياء التركية ذات الأصول السورية ديما أصلان، عرض فيلم مصري عربي وترجمته للغة التركية، وأشادت بالخطوة، وتمنت أن تكون مقدمة لتقارب عربي تركي.

اظهار أخبار متعلقة


"ماذا عن بيت الروبي؟"
تصدر الفيلم إيرادات موسم العرض السينمائي بعيد الأضحى وشباك تذاكر أفلام الصيف، محققا رقما قياسيا بإيرادات السينما المصرية بنحو 150 مليون جنيه (نحو 4 ملايين و854 ألف دولار أمريكي)، في 6 أسابيع ليصبح ثاني أكثر الأفلام تحقيقا للإيرادات بعد "كيرة والجن".

الفيلم، حقق نجاحا كبيرا بالسينمات السعودية، ليكون إجمالي ما حققه في 6 أسابيع بشباك التذاكر السعودي، نحو 18.8 مليون ريال (5 ملايين دولار).

"بيت الروبي"، بطولة بطل مسلسل "الاختيار 3"، كريم عبدالعزيز، والفنانة نور اللبنانية، وتارا عماد، وقصة وسيناريو وحوار محمد الدباح وريم القماش.

ووفق صفحات فنية مصرية محلية، فإن فكرة "بيت الروبي"، كوميدية وتطرح قضية تحكم وسائل التواصل الاجتماعي في حياة أسرة مصرية تمتهن مهنة "الإنفلونسر" التي تثير الجدل في السنوات الأخيرة.

ومع ما في العلاقات المصرية التركية من تباينات وأزمات وملفات لم تحسم بعد إلا أن التطبيع الاقتصادي قائم ويسير على خطى ثابتة، وهو ما يدعو للتساؤل عن مدى اعتبار عرض "بيت الروبي"، بتركيا بداية للتطبيع الثقافي بين البلدين، واحتمالات أن تتبعها عودة المسلسلات التركية للشاشات المصرية.

"مصالح سياسية"
وفي رؤيتها، لمدى تأثير التقارب الثقافي المصري التركي على الجالية المصرية والعربية، قالت الشاعرة وكاتبة القصة المصرية شافية محمود: "تركيا تتبع سياسة صفر مشاكل مع دول العالم، وأهمها دول الجوار والدول العربية حفاظا على مسيرة التنمية التركية، وعدم دخولها في حروب تستنفد قدراتها قبل أن تكتمل نهضتها".

وترى أن "الحضور الفني المصري ربما يزيد من التقارب مع الشعب التركي خاصة في ظل حملة الغضب ضد المهاجرين والعرب في تركيا".

وقال منتج الأفلام أيمن وادي، إن "الدولة التركية بالدرجة الأولى تتحرك وفق مصالحها السياسية والاقتصادية، وبعد مرور 10 سنوات على انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013 وعجز قوى الثورة عن إحداث أي تغيير".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "أتوقع أن مصالح الثورات وشعوبها تراجعت في الأولويات كثيرا لدى الأتراك، بالتالي لا أتوقع أي انعكاسات إيجابية على العرب عموما في تركيا".

ويرى أن "المخرج بيتر ميمي، فنيا من أضعف الأسماء في مصر الحديثة والقديمة، لكنه مخرج الدولة الذي يقدم ما تريد، ولا أتوقع أن عرض فيلم له في تركيا سيفيد صناعة السينما العربية بشكل عام، بل إنه سيروج لرواية نظام الانقلاب فقط".

وختم بالقول: "بالمختصر، لنا كعرب ومقيمين في تركيا وكأبناء ثورات، لا أرى أي خير من أي تقارب بين تركيا وأي من الأنظمة العربية القائمة حاليا".

اظهار أخبار متعلقة


"خطوة منطقية"
الناقد الفني طارق الشناوي، وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى أن تاريخ العلاقات الفنية بين البلدين كبير، مشيرا إلى أن "المصريين صنعوا أفلاما في تركيا وخاصة ما قدمه فريد شوقي عقب نكسة 1967"، موضحا أنه كان "نجم جماهيري هناك خلال تلك الفترة، بعد مغادرته وأغلب الفنانين مصر إلى لبنان ذهبوا إلى تركيا".

ويرى الشناوي، أن "عرض بيت الروبي، خطوة رائعة، وأعتقد أن العرض لا علاقة له بملف السياسة بقدر العلاقة بالمزاج النفسي، ولا أراه تطبيعا ثقافيا بقدر ما هو مزاج نفسي، فالفيلم والدراما التركية محببة لدى المصريين والعرب".

ويتصور أن "عرض بيت الروبي بالسينمات التركية خطوة منطقية، وقد يكون اختيارا جيدا، رغم أنه ليس الأفضل لكريم عبدالعزيز أو بيتر ميمي كمخرج، ولكنه ينطوي على مادة درامية قد تجد نجاحا، وفي الإجمال هي خطوة جيدة".

وبشأن توقعاته لاحتمال تكرار العروض المصرية بتركيا، وفي الوقت نفسه عودة المسلسلات التركية للشاشات المصرية، قال الناقد الفني: "مؤكد أن الدراما التركية لها مساحة تقدير عند المصريين والعرب، وكانت هناك بين الحين والآخر  مناوشات للمقاطعة، ولكن أرى أنها أفكار خاطئة فلا مقاطعة لفن".

ويرى أن "الفيصل هنا هو نجاح عرض بيت الروبي، فعندها ستجد توجها تركيا لعرض الأفلام المصرية"، و"السياسة قد تمهد أو تقدم ضربة البداية لكن في النهاية إرادة ورغبة الجمهور هي التي تحدد استمرار هذا النوع من الأعمال".

وختم بالقول: "أن تُعرض أفلام مصرية هناك أو أن يكون هناك إنتاج مشترك مصري تركي فالنجاح هو الذي يحقق هذا وليس شيء آخر".

اظهار أخبار متعلقة


"لتتلوها خطوات"
وفي رؤيته قال المخرج المصري علي أبوهميلة، لـ"عربي21": "بالتأكيد هي خطوة جيدة جدا أيا ما كان، ورغم عدم رؤيتي للفيلم، لأن هناك انتظارا عربيا للفيلم خاصة في اسطنبول، حيث إنه يوجد حنين كبير لوجود فن مصري في تركيا".

وأشار إلى أنه "في الآونة الأخيرة شهدت إسطنبول وجود بعض الحفلات لمطربين مثل المصري محمد محسن، والسورية أصالة، في تموز/ يوليو الماضي، حضرتها أعداد ضخمة من كل الجنسيات العربية".

وأكد أن "هذا توجه مفيد جدا لأي صناعة فن أو سينما وللسينما المصرية خاصة التي كانت من مصادر الدخل القومي للبلاد في فترة من الفترات"، موضحا أن "الأتراك تعلموا الأمر  ويقدمون دراما تركية عابرة للحدود".

ويرى أن "صناعة السينما والدراما أمر مهم، ونحن في مصر تأخرنا، ونتمنى أن تصبح السينما مفتاحا لعلاقات مهمة بين مصر وتركيا، وتكون مقدمة للتطبيع الثقافي بين بلدين لهما تاريخ مشترك كبير".

وعن البداية بعرض "بيت الروبي"، قال أبو هميلة: "خطوة مهمة جدا أن تتواجد السينما المصرية في تركيا، كتواجد الدراما التركية بكثافة ليس في العروض فقط ولكن عبر منصات العرض عبر الإنترنت".

واعتبر أنه "شيء جيد؛ بعيدا عن اسم المنتج وعن اسم المخرج"، موضحا أن "الدراما المصرية تعكس تقاليد المجتمع المصري وتحاول تقريب العادات والتقاليد للشعب التركي، لذا أراها خطوة مهمة وأتمنى أن تتلوها خطوات".

وأكد أن "كل تقارب بين الشعوب العربية والإسلامية مهم جدا، وتاريخ السينما المصرية يكاد يكون مشابها لتاريخ السينما التركية، بل إن التيمات الفكرية في فترة ما كانت متشابهة وكذلك كان الممثلون متشابهين، والموسيقى التركية قريبة جدا من العربية والمصرية".

اظهار أخبار متعلقة


"العهد الذهبي"
وخلال العهد الذهبي للسينما المصرية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، وتجمع مئات الفنانين العرب والأجانب في القاهرة التي حملت لقب "هوليود الشرق"، انطلقت أفلامها نحو العالمية لتجد مكانا لافتا في دور العرض بجميع أنحاء العالم وبينها تركيا.

ووفق كتاب "وحدة الموسيقى العربية والتركية في القرن العشرين"، للكاتب والمؤرخ مراد أوزيلدريم، فإنه في ثلاثينيات القرن الماضي، حضرت السينما المصرية وشغف بها الأتراك، حتى إن الأفلام المصرية كانت تنافس الأمريكية.

في عام 1939، شهدت دور العرض السينمائي التركية فيلم "دموع الحب"، للفنان محمد عبدالوهاب، ثم فيلمي "دنانير" ونشيد الأمل" للفنانة أم كلثوم، و"أولاد الفقراء" ليوسف وهبي، و"قلبي دليلى" لليلى مراد وأنور وجدي، عام 1951.

وبحسب الكتاب، فإن المديرية العامة للصحافة في أنقرة انزعجت من استمرار اهتمام الجمهور بالأفلام العربية، وحظرت جلب الأفلام من مصر عام 1948.

إلا أنه عقب أزمة الفن المصري في ستينيات القرن الماضي، وهجرة الكثير من الفنانين المصريين للعمل في لبنان فقد انطلق البعض لتقديم أفلام سينمائية في تركيا، وخاصة ملك الترسو فريد شوقي، بحسب تأكيد الناقد الفني طارق الشناوي لـ"عربي21".

مع الصعود الكبير للدراما التركية في القرن الـ21، غزت المسلسلات التركية الفضائيات العربية والمصرية ليردد الجميع أسماء الممثلين الأتراك ويطلقوا أسماء أبطال الأعمال التركية مثل "العشق الممنوع" و"نور" على مواليدهم وخاصة اسم مهند.

ورغم تردي العلاقات المصرية التركية على إثر رفض أنقرة الانقلاب العسكري في القاهرة منتصف 2013، ومنع المسلسلات التركية من الشاشات المصرية؛ فإن المشاهدين العرب والمصريين انطلقوا عبر منصات العرض عبر الإنترنت لمشاهدة الدراما التركية وخاصة: "حريم السلطان"، و"قيامة أرطغرل"، و"قيامة عثمان"، و"قطاع الطرق لن يحكموا العالم"، وغيرها.

التعليقات (1)
نسيت إسمي
الأحد، 06-08-2023 01:11 م
(أرطغرل 1890، أول فيلم سينمائي تركي ياباني مشترك، مبني على قصة حقيقية) ويحكي الفيلم قصة محاولة اليابانيين انقاذ سفينة عثمانية تعرضت لعاصفة قرب السواحل اليابانية، في القرن التاسع عشر، قبل أن تغرق السفينة ويدفن ركابها الـ 6 مائة في التراب الياباني. ثم ينتقل الفيلم زمانيا الى حرب الخليج الأولى، ويحاكي قصة توجه طائرات تابعة للخطوط الجوية التركية لانقاذ مواطنين يابانيين علقوا في إيران وتعرضت حياتهم للخطر أثناء حرب الخليج. ويعتبر الفيلم، أحد أعلى الأفلام التركية كلفة انتاجية، ويشارك فيه طاقم من ممثلين أتراك ويابانيين قديرين. كما يعتمد محتوى الفيلم على الحقائق التاريخية، بنكهة سينمائية أشرف عليها منتجون أتراك ويابانيون. وقد استغرق تصوير الفيلم في كل من تركيا واليابان أربعة أشهر ونصف. تجدر الاشارة الى أن الفيلم يأتي في الذكرى الـ 125 للعلاقات التركية اليابانية.