تقارير

معروف رفيق الشيخ محمود.. ابن عنبتا الوفي لفلسطين وشعبها

توفي الشاعر معروف رفيق الشيخ محمود في 9 أيار (مايو) 2005 في الدوحة التي منحته جنسيتها تقديرا له
توفي الشاعر معروف رفيق الشيخ محمود في 9 أيار (مايو) 2005 في الدوحة التي منحته جنسيتها تقديرا له
عندما كتبت عن الشاعر أديب رفيق محمود (توفي منذ سنة تقريباً)، لم أكن أربط بينه وبين الشاعر (القَطَري الإسلامي) معروف الشيخ محمود، رغم وجود المعلومة عن جذور العائلة وتشعباتها.. ووجدتُ أن عائلة محمود منسوبة إلى الجد الشيخ الأزهري الشاعر محمود عبد الحليم، الذي أنجب ثلةً من الشعراء، أولهم الشاعر الفلسطيني الكبير عبد الرحيم محمود والشاعر الشيخ والخطيب والمدرّس رفيق محمود، وأحفاده الشاعران الأخوان أديب ومعروف رفيق محمود، والحفيد الشاعر طارق عبد الكريم محمود. وينتسبون جميعاً إلى عائلة الفُقهاء الشهيرة بتدينها وفقهائها عبر التاريخ. هي إذن عائلة الفقهاء والشعراء في فلسطين.

صحيح أن معروف اكتسب الجنسية القطرية، وحرص على إعادة لقب "الشيخ" لجدّه في الهوية، لكنه لم يبتعد عن عنبتا وأزقتها وبقي على تواصل واتصال في المحيط التعليمي والإنمائي في المنطقة، خصوصاً أن مجال تخصصه كان تربوياً إعلامياً.

من هو شاعرنا؟

هو الإعلامي والشاعر الوطني الإسلامي الفلسطيني معروف رفيق الشيخ محمود، الذي ولد في قرية عنبتا بين طولكرم ونابلس في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 1935. ودرس في المدرسة الفاضلية في طولكرم، حيث حصل على الثانوية العامة عام 1953.



عمل مدرّساً في وطنه بمدرسة بلدته عنبتا عاماً واحداً، واستمر في حقل التعليم في فلسطين والأردن، ثم في السعودية عام 1955، وهناك في منطقة الطائف كان له نشاط في المسرح الطلابي للمدرسة اليمانية، حيث صقل فيها موهبته الشعرية بالدُّربة والممارسة، واقترب أكثر من طموحات الشباب وأحلامهم، ونظّم معهم النشاطات الطلابية، وكتب بعض الأغاني التي صدرت بأصوات بعض الفنانين هناك.

ثم انتقل إلى دولة قطر عام 1961، إثر رسائل شعرية مع شقيقه برهان الذي كان يعمل في حقل التعليم هناك، حيث أسّس وترأّس قسم الإعلام التربوي في وزارة التربية القطرية، وأسس عدداً من المسابقات والجوائز التربوية، وكتب الشعر في أجواء قطر والطبيعة الصحراوية، حتى كرّمه الدكتور سيف الحجري مؤسس مركز أصدقاء البيئة في قطر وأطلق اسمه على جائزتهم السنوية الربيعية الشعرية.

وانتقل شاعرنا إلى إدارة العلاقات العامّة في وزارة الداخليّة القطرية. فاهتم بالسلامة العامة وتنظيم السير والمرور، وكتب قصائد وأغاني توعوية للكبار والصغار في هذا الشأن، وألف كتاباً نثرياً في الموضوع. وأسس مجموعة من البرامج الإذاعية للأمن والسلامة، كبرنامج "الشرطة معك" الذي كان يعدُّه ويقدمه في البدايات، ومنه انتقل إلى تقديم برنامج أسبوعي لتلفزيون قطر بعنوان "اللقاء المفتوح" الذي استضاف فيه شخصيات عربية ودولية مرموقة.



وقبل ذلك، عمل شاعرنا في الإذاعة القطرية منذ تأسيسها في عام 1962، وأطلقوا عليه لقب "شاعر الإذاعة"، وهو الذي أعدّ وقدّم عدداً من البرامج فيها مثل "الزورق" و"المجلة الثقافية" والمسابقات الثقافية الرمضانية. وقد كرّمته الإذاعه القطرية لاحقاً بطبع مجلد يحمل بعض مؤلفاته الإذاعية.

انتسب أثناء وجوده في قطر إلى جامعة بيروت العربية، وواصل تعليمه الجامعي فيها حتى حصل على ليسانس الحقوق عام 1968.

وفي حالةٍ تُذكِّر بحالة المعلّم ومقامه وتأثيره في العصر العباسي، كمعلّمي أبناء الخلفاء (علم وتربية ودين وثقافة)، كالكسائي والأصمعي وغيرهم.. فقد تفرّغ شاعرنا لهذه المهمة، فعمل لدى الشيخ خالد بن حمد بن عبد الله آل ثاني كمستشار تعليمي وثقافي لأولاده.



نشر نتاجه الشعري والأدبي في العديد من المجلات الثقافية بالأردن وقطر ومصر والسعودية والكويت. وانتسب إلى رابطة الأدب الإسلامي العالمية عام 2001.

حصل شاعرنا على عدد من الجوائز الأدبية والثقافية المتنوعة من دولة قطر، كما حصل على الميدالية الذهبية لجائزة الشاعر الباكستاني محمد إقبال 1979.

وتقديراً لدوره في الحياة القطرية، منحته دولة قطر جنسيتها عام 1989.. ونظراً لخدماته في مسقط رأسه عنبتا، افتتحت له البلدية شارعاً باسمه في بلدته (انظر الصورة) التي تقع على الشارع الرئيسي بين نابلس وطولكرم.

وما زالت حتى يومنا هذا "تعلن الدائرة المالية في جامعة النجاح عن منح دراسية لطلاب البكالوريوس باسم الشاعر معروف رفيق الشيخ محمود". ما يدلّ على اهتمامه بالتعليم في فلسطين التي لم ينسَ أن يخصص لها بعضاً من ردّ الجميل بتعليم أبنائها في الجامعات.

توفي الشاعر معروف رفيق الشيخ محمود في 9 أيار (مايو) 2005 في الدوحة.

منهجه في الحياة من خلال شعره

رتّب شاعرنا أولوياته المنهجية في الحياة ترتيباً انعكس على مجلد الأعمال الكاملة، وكتب في مقدمته عن هذا الترتيب:

رأيت أن أرتب الدواوين حسب موضوعات القصائد، لا حسب تاريخها مع أهمية ذكر تاريخ ومكان القصيدة ما أمكن ذلك، وفلسفتي في ذلك بسيطة نابعة من عقيدتي كمسلم ومن مسئوليتي كعربي من أصل فلسطيني له قضية عظمى لم تُحلّ بعد.

بدأت بالإسلاميات بمجموعة ابتهالات، تليها مجموعة أو ديوان صرخة مسلم (فكان الإصدار الأول والثاني). ثم ثنّيت بالوطنيات التي تجمعت عندي في الوطن.. فكان الديوانان الثالث والرابع، فلسطين الجرح والطريق، ثم قطر على شفة الوتر.. ثم جمعت أشعاري التربوية والتعليمية للطفولة والفتيان والفتيات فكان الديوان الخامس طبقاً للترتيب الوارد على الصفحة الأخيرة من الديوان الخامس بعنوان (أشعار للفتيان والفتيات).



ثم نظرت فيما تجمع لدى من قصائد جديدة لها علاقة مباشرة (بالقدس).. وأدخلت فيها قصائد خاصة بالانتفاضة وقصائد هدفها التوعية بخطورة المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية والقدس، وما يجري فيها من تهويد وظلم شديد وتشريد، وسحب هويات ومصادرة أراض ونسف بيوت واقتلاع أسر من أرضها.. وأسميتها (القدس قصيدتي).. وقد صدرت في طبعتين: الأولى سنة 97 والثانية سنة 98.. فكانت كل قصيدة من قصائد الديوان تكشف غطرسة القوى وصمود الضعيف.

منهجه في الشعر

كتب معروف الشيخ محمود في مقدمة أحد كتبه، ما يختصر علينا دراسة واستنتاج منهجه:

ابتعدتُ عن الهجاء مع القدرة عليه. لأنه يوغرُ الصدر.. ويغضب الله.. إلا إذا كان هجاءً للأعداء الذين يحتلون الأوطان، وشهادتي لنفسي على نفسي بأني إنسان ملتزم في هويتي كمسلم وعربي.. ملتزم بآلام الأمة في بُعديها العربي والإسلامي.. ملتزم بمسؤوليتي تجاه الأجيال الصاعدة. قلت كثيراً ومازال لديّ الكثير.. وأعاهد الله عزّ وجل، أن ألتزم بالكلمة الطيبة التي تغرس في النفوس حب الله والوطن.. وحب الناس من كل الأجناس.. وحب ذرة التراب وقطرة الماء وحب البيئة التي دُعِينا لأعمارها لا لتخريبها.

وقد نظم شاعرنا رسالته في الشعر من خلال قصيدة جميلة، فقال:

هو الشعر عندي فؤاد يمور              ..            وروح تعانق أسمى الفكر
وشعري على الظلم والظالمين         ..             إذا ولغوا في دماء البشر
وشعري مع الناس إن أنصفوا         ..             وأكره منهم عدواً غدر
وتؤلمني صرخات الجياع                    ..             وفي الأرض خيرٌ يعمُّ البشر


مؤلفاته

من دواوينه الشعرية:

"صرخة مسلم"، عمان، 1985.
"ابتهالات"، عمان، 1985.
"فلسطين الجرح والطريق"، الدوحة، 1985.
"بذور الكرامة"، مختارات شعرية لعدد من الشعراء عن المقاومة، الدوحة، 1986.
"قطر على شفة الوتر"، الدوحة، 1987.
"القدس قصيدتي"، عمان، 1998.
"أشعار للفتيان والفتيات"، عمان، 1996.
"الأعمال الشعرية الكاملة"، عمان، 2007.



ومن كتبه:

"رسائل غير عادية"
"خواطر وأفكار"
"مذكرات شاعر"
"في الأمن والسلامة"، الدوحة، وزارة الداخلية القطرية.

نماذج من شعره

"وفلسطين دائما في خيالي"، قصيدة يرسم فيها مشاهد طفولته في "عنبتا".

في بلادي على سفوح الجبال          ..              صغت شبابتي بفيء الدوالي
أشربت ريشتي بكأس الأماني          ..              وفؤادي سقته كأس الليالي
للجمالِ النقيِّ نقشٌ بقلبي              ..              عفَّرَتْه الدما تلوح حيالي
فحديثي عن الجمال خليط                ..               من بهاء الرُّبا ووقع النضال
قريتي في طفولتي وشبابي           ..              نزلت مهجتي بدنيا ارتحالي
سهلها والرُّبا شريط توالي               ..              قد تجلى بذكرياتي الغوالي
هي في القلب جرح عميق             ..             وهي في العين نورٌ بدا لي

*كاتب وشاعر فلسطيني
التعليقات (0)

خبر عاجل