قضايا وآراء

المجاعة في الصومال واليمن بين التكافل والتراحم

1300x600
في الوقت الذي يفترش المسلمون في الصومال واليمن الأرض ويلتحفون السماء، ولا يجدون ما يسد رمقهم والبقاء على قيد الحياة، فافترسهم الموت بالجوع والحرب، بالليل والنهار، نجد في المقابل من أمة الإسلام من هو في كوكب آخر فأصابته التخمة وغيبه الترف وحركته الشهوة نحو نفسه، وقُتل الإحساس فيه تجاه بني دينه بل بني آدم الجائعين، فلم يحركه العيون الغائرة والبطون الفارغة والأجساد الهزيلة المستسلمة.

لقد كشفت العديد من المؤسسات الدولية فداحة تلك المجاعة التي تدمر كل شيء حي، لاسيما في الصومال واليمن، فقد صرح دومينيك ستيلهارت مدير عمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر على مستوى العالم -في مناشدة لطلب التمويل- بأن هناك فرصة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو أربعة، لتجنب الموت جوعا وعلى نطاق واسع في اليمن والصومال اللذين يشهدان صراعات وموجة جفاف.

كما حذرت الأمم المتحدة من أن العالم يواجه أسوأ أزمة إنسانية منذ عام 1945، وأطلقت نداء عاجلا للمساعدة من أجل تجنب وقوع كارثة. وذكر ستيفن أوبراين، مسؤول الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، إن 20 مليون شخص يواجهون مجاعات في اليمن والصومال وجنوب السودان ونيجيريا.

وشددت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) على أن 1.4 مليون طفل قد يموتون جراء الجوع هذا العام. 

إن الناس دائما تقول (لا أحد يموت من الجوع)، ونحن أولاء في عهد العولمة والتقدم والعالم الذي أصبح قرية صغيرة نجد أناسا يموتون من الجوع. وهذا مناف للفطرة مخالف للواجب الإنساني والإسلامي، ومن فضل الله تعالى أنه لا يوجد دين على ظهر الأرض حفظ للإنسان كرامته كالإسلام، هذا الدين الذي جعل من أسسه الاقتصادية تحقيق التكافل الاجتماعي ليس بين المسلمين وحدهم بل بين البشر أجمعين.

فكيف الحال إذا كان من يموتون من المجاعة في جلهم مسلمين؟!

إن التكافل الاجتماعي ومد يد العون للغير ينطلق من مفهوم الاستخلاف الذي جعل ذلك التكافل مبنيا على أسس عقدية وإيمانية وأخلاقية ، وقائما على التكامل والترابط، فيبدأ بالفرد ثم الأسرة ثم المجتمع ثم الإنسانية جمعاء حاضرا ومستقبلا. 

عن جابر –رضى الله عنه- قال: أعتق رجلا من بني عذرة عبدا له عن دبر فبلغ ذلك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال : ألك مال غيره؟ فقال: لا ، فقال : من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم ، فجاء بها رسول الله  –صلى الله عليه وسلم- فدفعها إليه ثم قال : "ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا يقول فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك" رواه مسلم.

وعن النعمان بن بشير –رضى الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"مثل  المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" " رواه مسلم.

وعن سالم عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال : "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" " رواه مسلم. ومن ترك أخيه المسلم للجوع يفتك به وهو قادر على مساعدته فقد ظلمه وأسلمه.

وعن عبد الله بن عباس –رضى الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "ما يؤمن من بات شبعان  وجاره طاو إلى جنبه" رواه ابن أبي شيبة . فكيف والعالم بات قرية صغيرة وتعددت الجيران من كل حدب وصوب بفعل التقدم وتوافر وسائل النقل السريع بالطيران؟!

كما أن التكافل الاجتماعي لغير المسلمين يبدو واضحا من وصية الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء" رواه الطبراني. وهاهوعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يمربباب قومٍ، وعليه سائلٌ، شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه، وقال: مِنْ أيِّ أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي. قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسألُ الجزيةَ والحاجةَ والسنَّ. فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منـزله فرضخ له بشيء من المنـزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءَه، فواللهِ ما أنصفناه أنْ أكلْنا شبيبته ثم نخذلُه عند الهَرَمِ!.

إن مأساة المجاعة هذه تضع دول العالم وفي القلب منها الدول الإسلامية على المحك.والأمم المتحدة مطالبة بالكف عن الكلام وإبراز جوانب العمل لإنقاذ تلك الأرواح التي تشتكي لربها من ظلم إخوانها من البشر لها وتركها للجوع يفتك بها. كما ينبغي على الدول الإسلامية بما تملكه من إمكانيات ومؤسسات خيرية فتح باب التكافل والتراحم مع الجوعى والوصول إليهم وبذل الجهد لإنقاذهم، والعمل على الصعيد الإسلامي والدولي لإنهاء تلك الحروب، وصدق الله العظيم إذ يقول: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) المائدة/32.