قضايا وآراء

الأمة ومفهوم الوطن

1300x600
لقد حاولت في مقالي السابق أن اناقش مفهوم الوطن، والحديث حول علاقة الوطن بالدولة والنظام، وكذلك إمكانية المفاضلة بين الوطن والحرية، وخلصنا إلى أن النظام والدولة هما أشكال تنظيمية وإدارية تدير الوطن ولا تصنعه أو تُعرفه أو تملكه. وأن الوطن والحرية مرتبطان إرتباطا كليا، وأنه لا مجال للاختيار بينهما، فلا الوطن يصلح مكان للحياة دون الحرية، ولا الحرية تكتمل بلا وطن حر.

وفي ذات الوقت الذي نتحدث فيه عن مفهوم الوطن يحاول البعض أن  يظهر تعارضا بين مفهوم الوطن والأمة، وكأنه بديل عنه، وهذا غير صحيح.

فالأمة ليست بديلا لأي شيء، بل هي أصل الشيء. فالأمة هي إحساس بالتجانس بين الأفراد، تجانس لا بد أن يشمل عدة أوجه على ألا تتعارض هذه الأوجه. ويبدأ ذلك التجانس بوحدة الهدف، ولا بد أن يكون ذلك الهدف هدفا أبديا وليس مرحليا، ذلك لأن الأمة ليست وحدة مزاجية تتغير بتغير الظروف أو المصالح.

ومشروع الأمة مشروع متجاوز للحدود ومتصالح مع التاريخ دون تنازل عن الحقوق، فلا تعارض بين التصالح مع التاريخ وعدم التنازل عن الحقوق، وذلك لأن المصالحة الحقيقية لا تتحقق إلا برد الحقوق، ورد الحقوق هو المدخل الوحيد لتحقيق المصالحة.

مشروع الأمة يمثل أفراده المتبنين له والمنتمين له، وليس مشروعا للدول أو الأنظمة، لأن مشروعات الدول والأنظمة ليست إلا مشروعات منفعة وقتية قد تنتفي ويسهل الانقلاب عليها، فهو لا يحقق حلم الأمة الحقيقي.

والأمة هي مشروع تحقيق حلم، وليتحقق ذلك الحلم يجب أن يتحدد مفهوم الأمة وأن يتصالح مشروعها المستقبلي مع التاريخ، ولكون الأمة مشروع حضاري فهو لا يتحقق إلا إذا عبر عن رسالة رقي ونهوض عبر تحقيق السلام والحرية الكاملين. وشرط نجاح مشروع الأمة ألا تمثل تلك الأمة أية عصبية قبلية أو منهجية موجهة ضد أي مشروع أو ضد أي من الأمم الأخرى، من باب العنصرية أو الذاتية، وألا يتقلص المشروع ليندمج في الأشخاص، فيصبح شخصيا يرتبط بالشخص يعلو معه ويندثر معه.

ونعود لتصور البعض بأن الأمة والوطن يتعارضان، وهذا لا يمثل حقيقة الأمر إلا إذا كان مشروع الأمة مشروعا عدوانيا، وهذا الطابع الذي يضفيه البعض على تعريف الأمم ليس إلا تمثيلا لمشروع لحظي وليس لهدف أبدي. ولأن الأمة تمثل مشروعا متجاوزا للحدود، فهي تستطيع الجمع بين أوطان متعددة لا تتعارض مصالحها الوقتيه وتتحد أهدافها المطلقة.

الأمة تنشأ من الهوية، ولا بد أن تعبرهوية الأمة عن مجموع أفراد الأمة، وهي الصفة التي تشكل الأمة، والهوية تتقاطع عبر الأوطان وتسكن الأوطان، وهذا ما يعرف بتعدد الهوية.

ولذا، فلا تعارض بين الوطن والأمة، فالوطن يمثل هوية، والفكر يمثل هوية، والانتماء الديني يمثل هوية، والقناعة الذاتية بالهوية هي المدخل للانتماء لها ونجاح مشروع الأمة.

وانتمائي الذاتي للأمة والأمل الكبير في نجاح مشروعها هو ما يجعلني متعدد الهوية في علاقة تقاطع بلا تعارض، فهويتي التي تشكل ذاتي تستمد من الهوية الإسلامية التي تلتقي مع الهوية العربية والمصرية، ولا تمانع من أن تمتد حتى تشمل هوية شاملة، هوية تمتد لتشمل كل الإنسانية.