كتاب عربي 21

زمن الكاتب اللص!

1300x600
لم تكن المشكلة في أن يتم ضبط أحد كتاب الصحافة المصرية متلبسا بسرقة مقال لكاتب آخر، فالمشكلة في أن يستمر هذا الشخص في نشر مقالاته بذات الصحيفة التي يكتب لها، ولا تجد نفسها في حرج بعد عملية الضبط، وكأنه لا يوجد هناك ما يزعج ويجعلها مدينة للقارئ بالاعتذار عن هذه الجريمة، وكأنها بالتواطؤ ليست معنية بالقراء!

لقد عرفت مصر، ظاهرة رئيس التحرير، الذي عين في موقعه في غفلة من الزمن، ليرث المؤسسة الصحفية العريقة، ويصبح معروفا في الوسط الصحفي بأن عدد كتابه أكثر من عدد قرائه، وإذا تحول إلى كاتب لزاوية يومية، فقد قام بتسخير المؤسسة والعاملين فيها للكتابة له، فعندما يكتب في الشؤون الدينية في شهر رمضان مثلا، فإن المكلف بالكتابة هو المشرف على الصفحة الدينية، وإذا كتب في القضايا الإستراتيجية، فإن مركز الأبحاث مسخر لهذه المهمة، وإن كانت المناسبة كروية، فالكاتب هو أحد المحررين بقسم الرياضة، وبعد أن اختلف أحد الصحفيين ونشر أنه كان ممن يكتبون له، كان التوجه بأن يختار واحدا فقط للكتابة، حتى لا يكون الأمر على الشيوع، فقد جرى التقاط محرر التحق بإحدى المطبوعات التي تصدرها المؤسسة حديثا، وكان قد قدم إليها ضمن اختيار أمني، نفذته كاتبة معروفة وقف وراء نجوميتها علاقات ربطتها بقيادة في السلطة، ثم أكمل الأمر مهنيا بعد دورها في تسهيل مهمة التصفية الأمنية للدكتور علاء محيي الدين، المتحدث الإعلامي للجماعة الإسلامية، في أوائل التسعينيات!

في كواليس الصحافة المصرية، عرفنا نجوما تم صناعتها في المعامل الصحفية، عندما راهن مؤسس "أخبار اليوم" مصطفى أمين بقدرته على تحويل أحد العاملين بالمؤسسة إلى محرر مشهور، وكان يُكلف بانجاز موضوعات مثيرة، تتم الدعاية لها قبل نشرها، وكان من يتولى كتابة هذه القصص بديلا عن الصحفي المكلف هو أنيس منصور، بما عرف عنه من رشاقة العبارة، والقدرة على الصياغة!

وقد انتهى أمر الصحفي بانتهاء مرحلة تخليقه، وإن استمر محررا، يمارس الابتزاز، وتروى عنه حكايات لافتة في هذا المجال، ووصل به الحال إلى استخدام زوجته المذيعة التلفزيونية في مهمته هذه، وكان واضحاً أن هذا يتم بتوافق بينهما!

ولم يكن ضبط رئيس التحرير في الحالة الأولى، والمحرر الذي جرى تخليقه وراء الكواليس في الحالة الثانية، معروفا للعامة، ولم يتم ضبط أي منهما متلبسا بجريمته، مثلما حدث بعد ذلك، وأقرب مثال عليه هو نموذج الأستاذة الكبيرة بكلية الإعلام الدكتورة عواطف عبد الرحمن، وصديقتها القاضية بالمحكمة الدستورية تهاني الجبالي!

قبل سنوات حدث في ذات يوم أن نشرت جريدة "الأهرام" مقالا للقاضية، هو نفس المقال المنشور وفي نفس اليوم لأستاذة الإعلام بجامعة القاهرة بجريدة "المصري اليوم"، ولم تجد "الأهرام" نفسها مدينة باعتذار لقرائها، فاعتذر القائمون على "المصري اليوم" عن هذا الخطأ!

واللافت، أن جهتي العمل التي تعمل فيهما "تهاني" و"عواطف"، وهى "المحكمة الدستورية" و"جامعة القاهرة"، لم تجدا في الأمر ما يستدعي التحقيق، وهو إن كان عملا خارج مقتضيات الواجب الوظيفي، فإنه يشكك في "مصداقية" من ينتميان لمؤسستين عريقتين، فهن لا يعملن في وظيفة حكومية متواضعة، فإحداهن قاضية في المحكمة العليا، والثانية فضلا عن أنها تعمل في جامعة عريقة، فإن لها اسمها، ويفخر كثيرون ممن تخرجوا في كلية الإعلام على مدى أكثر من أربعين عاما بأنهم تتلمذوا على يديها!

ربما لم تستشعر "تهاني الجبالي" بأي مخاطر على سمعتها، فهي لا تملك سمعة مهنية تخاف عليها، حيث جرى تعيينها في موقعها بدون الاستناد للكفاءة، فلم تضبط متلبسة بكتابة بحث قانوني، أو صياغة حكم، ولم يعرف عنها أنها من أهل الهمة في هذا المجال!

الحرج استشعرته "عبد الرحمن" والتي كانت خارج البلاد وعندما عادت، سعت لإدخال الغش والتدليس على القارئ، وربما على القائمين على "المصري اليوم" وقد وصفتهم بأنهم من تلاميذها وقد سعدت بنجاحهم.

لقد قالت "عواطف عبد الرحمن" في ردها، أنها وصديقتها "تهاني الجبالي" فكرا معا في الكتابة في موضوع عن المرأة، ويبدو أنهما اعتمدا على مرجع واحد، ثم ذهبت لتعطينا دروسا في الكتابة العلمية، التي تختلف عن الكتابة الصحفية، فالأولى تعتمد على فكرة المرجع، ومن المقبول النقل عن آخرين، ثم أعطت درسا فاسدا في التفريق بين التعامل مع المراجع في البحوث العلمية والمقالات التي تنشر في الصحف، فمن المطلوب في البحوث ذكر المراجع، لكن هذا ليس مستساغا في المقالات!

كان تعليق "المصري اليوم" حادا على هذا المبرر غير المنطقي، فأي لون من ألوان الكتابة الذي يجعل الكاتب من حقه النقل دون الإشارة إلى المنقول عنه؟ وانتهى الأمر بتوقف "عواطف عبد الرحمن" عن الكتابة لـ "المصري اليوم"، ولم تتورط صحيفة "الأهرام" في النشر لـ "تهاني الجبالي"، على الأقل طيلة السنوات التي كنت فيها أتابع الصحافة المصرية!

الجديد، أن تستمر جريدة "الوطن" في الاحتفاء بمقالات الدكتور "معتز الدين عبد الفتاح" بعد أن تم النشر على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنه نشر مقالا باسمه، هو نفسه مقال الكاتب اليمني "محمد حجر اليافعي" ولم يفعل شيئاً سوى أنه وضع اسمه عليه، وربما تولى غيره عملية وضع الاسم هذه، وهذا هو بيت القصيد!

فكتابة المقالات الصحفية صارت أمرا يتم لاستكمال الديكور، ومن باب الوجاهة الاجتماعية، في ظل عملية تصنيع نخبة بعيدة عن الكفاءة المهنية، فمقدمي البرامج التلفزيونية صاروا كتابا بالصحف، ونشطاء سياسيين، وضيوفا في الفضائيات، فماذا كان ينقص باسم يوسف المتحقق في التقديم التلفزيوني من نجومية لكي يكتب مقالا بإحدى الصحف يتبين بعد ذلك أنه عهد بمهمته إلى أحد الكتاب الشبان، وقد تم التعرف على الكاتب ليصبح الأمر فضيحة؟! تكفي للقضاء على طرفيها، لكن لم يحدث واعتذر "باسم" وانتهى الأمر، وكأنه لم يرتكب كبيرة!

المسألة لها أكثر من بعد، فهي ارتبطت بمرحلة الحراك السياسي والصحفي التي شهدتها مصر منذ سنة 2004، وإذا كانت ارتبطت بالصحف الممولة أمريكيا، فقد بدا أن الجهات الممولة تعمل على صناعة نخبة غير مرتبطة بمرجعيات وطنية، وبقضايا مثل الإيمان الحقيقي بالديمقراطية، وبقضية الصراع العربي – الصهيوني، وقد تولى أمر هذه الصحف هذا النوع الفارغ من هذه القضايا، وجيء بهم من الهامش الصحفي، وقد قاموا بتأمين أوضاعهم بعلاقات بالسلطة بدرجة أو بأخرى ومع أجهزتها الأمنية بدرجة كبيرة!

وعندما كتب فهمي هويدي عن الصحف الممولة أمريكيا مع ظهور صحيفة "نهضة مصر"، اعتبر القائمون عليها أنها دعاية لهم فلم يعتبروا أن في فضح أمرهم مما يحط من القدر، وقد توقفت "نهضة مصر" بعد انتهاء التمويل الأمريكي، ربما لأنها بمحدودية التوزيع والانتشار، فقدت مبرر استمرار التمويل!

لقد شاهدنا مع هذه الظاهرة، تدشين ظاهرة الكتاب الجدد، واتسعت الساحة السياسية المعارضة لتدخلها شخصيات ليس لها سابق نضال، ويدهش المرء عندما يتم إلى الآن النفخ في أحدهم وتقديمه في الانتخابات البرلمانية بعد الثورة وبعد الانقلاب على أنه رمز النضال الوطني، في حين أن زملاءه في فترة السبعينيات يتحدثون على استحياء عن أنه كان يعمل مخبرا يوشي بهم لدى أجهزة الأمن بالجامعة!

ومع تعدد الصحف الجديدة، وليس عندي يقين بأنها جميعها ممولة أمريكيا، انتشرت ظاهرة جديدة، وهى أن هذه الصحف بدت كما لو كان ليس بينها منافسة، وإنما تتكامل، وإذا كان من المعروف في التقاليد الصحفية المصرية بأن من يكتب لصحيفة لا يستكتب في أخرى، حتى على مستوى الصحف القومية، فمن الملاحظ أن الواحد في هذه "الشلة" يكتب في أكثر من صحيفة، من صحف الأصل فيها أنها في حالة تنافس.

بدا الهدف ألا يتم جذب شخصيات كبيرة من خارج "دائرة الشلة"، وهذه الشلة هي التي استولت على العمل في الفضائيات، فيشرف أحدهم على البرامج في هذه القناة، ويقدم برنامجا في قناة أخرى، ويتولى منصبا قياديا في صحيفة، وهو ضيف تلفزيوني في أوقات الفراغ!

"معتز بالله عبد الفتاح" كان يكتب لصحيفتين، ويقدم برنامجا، ويعمل ضيفا في برامج أخرى، ومحللا قارا في برنامج يقدمه "عماد أديب"، دون أن يُعرف ككاتب قبل مرحلة السيولة هذه، وهو مع هذا يعمل أستاذا للعلوم السياسية بجامعة القاهرة!

ويبدو أن أمرا تديره جهات عليا في البلاد، فلا يُسأل في جامعته عن عدم التفرغ لوظيفته الحقيقية. ومؤخرا يقال إنه أصبح مسؤولا بإحدى الصحف، مع افتقاده للخبرة الصحفية اللازمة ليعهد إليه بهذا المنصب!

ونظرا لكل هذه الأعباء، فإن من الطبيعي أن يبحث عن من يقوم ببعضها "من الباطن"، وفي تقديري أن نقل مقال الكاتب اليمني لم يتم ببواسطته، ولكنه تم بواسطة من عهد إليه بالكتابة، فالمساحات في الصحف تمنح لأسباب لا علاقة لها بإجادة الكتابة، أو جذب القراء، أو المنافسة المهنية!

وبعيدا عن هذه الواقعة، فإن القيادات الصحفية التي جرى اختيارها بمسوغات بعيدة عن المهنة، تمتنع عن النشر للكتاب الحقيقيين، فهذه الصحف الجديدة، التي أحدثت سيولة، لم تتبن كاتبا حقيقيا، فيموت شفيق أحمد على فاحش الموهبة، دون أن تسعي هذه الصحف لاستكتابه، في وقت يتم استكتاب غير الكتاب والترويج لهم على أنهم من الكتاب الكبار، لتضليل القارئ غير المتابع!

ومن المثير للحزن، أن "شفيق" وقبل وفاته كان يحمل كتابا قيد النشر، ويبحث عن صحيفة تنشر فصوله قبل إصداره، فلا يجد من ينشر له في بلد تزدحم فيها الساحة بالصحف الجديدة. ولا بأس فإن الكتاب كان عن التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، ويفضح جرائم المطبعين، ولا بأس أيضا فقد كان شفيق أحمد علي موهوبا والصحف تبحث عن عديمي الموهبة!

إن مصر بلد يجري تجريفه مع سبق الإصرار والترصد.