كتاب عربي 21

صليبية فوق الوطنيات

1300x600
القدس في العقيدة الدينية هي أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما يطلق الإسلام على مكة "أم القرى"، فلقد كان أمير الشعراء أحمد شوقي (1285 - 1351هـ، 1871 - 1932م) يصف القدس بأنها "سيدة القرى".
 
وعلى مر تاريخ الصراع بين الغرب والشرق، كانت القدس "رمز هذا الصراع، وبوابة الانتصارات الإسلامية" في كل حقب هذا الصراع.
 
ولقد عبر الشاعر العماد الكاتب (519 - 597هـ، 1125 - 1201م) عن هذه الحقيقة وهو يدعو نور الدين الشهيد إلى تحرير القدس، بعد أن أزال الدولة الفاطمية، وحرر مصر من عقائدها الباطنية، فقال 
 
غزو عقر دار المشركين بغزة  ...   جهارا وطرف الشرك خذيان مطرق
وهيجت للبيت المقدس لوعة    ...   يطول بها منه إليك التشوق
هو البيت إن تفتحه والله فاعل   ...    فما دونه باب من الشام مغلق
 
تلك كانت مركزية القدس في هذا الصراع التاريخي -قديما وحديثا- فبعد تحريرها عام 15هـ، 636م على عهد عمرو بن الخطاب تحرر الشرق كله من هيمنة الروم والفرس، وكذلك تم التحرير الشامل من الغزوة الصليبية بعد انتزاع القدس من أيدي الصليبيين في التاريخ الوسيط.
 
وفي العصر الحديث، عندما دخل القائد الإنجليزي "اللنبي" (1861 - 1936م) القدس عام 1917م، وهزم القوات العثمانية المتحالفة مع ألمانيا، قال كلمته الشهيرة: "اليوم انتهت الحروب الصليبية"! 
 
وتعبيرا عن الوعي بمكانة القدس في هذا الصراع التاريخي، نشرت مجلة "بنش" الإنجليزية يومئذ رسما كاريكاتوريا للملك الصليبي "ريتشارد قلب الأسد" (1157 - 1199م)، الذي كان يحارب صلاح الدين الأيوبي، وكتبت المجلة -على لسانه- تحت الرسم: "أخيرا تحقق حلمي"!.
 
ولعل الأغرب  من كل ذلك، هو ما فعلته الكنائس الألمانية -البروتستانتية والكاثوليكية- التي هزمت دولتها وهزم جيشها في القدس أمام الجنرال "اللنبي"، ومع ذلك دقت الأجراس احتفالا بسقوط القدس في يد الخصوم السياسيين -الإنجليز- فتقدمت الصليبية على السياسيات والوطنيات!.
 
وعن هذه الحقيقة المذهلة تحدث مفتي فلسطين الشيخ أمين الحسيني (1311 - 1394 هـ، 1893 - 1974م) عندما كانت إقامته محددة في باريس عام 1946م إلى الدكتور توفيق الشاوي (1336 - 1430 هـ، 1918 - 2009م)، فقال: "ألا تعلم يا توفيق بأنه أثناء الحرب العالمية الأولى، وعندما كانت الإمبراطورية العثمانية متحالفة مع ألمانيا ضد بريطانيا وفرنسا، وكان المسلمون يضحون برجالهم ومستقبلهم من أجل انتصار ألمانيا، ومع ذلك، عرفت أنه عندما دخلت الجيوش الإنجليزية القدس واحتلت فلسطين عام 1917م أمرت بعض الهيئات المسيحية بدق أجراس الكنائس في جميع أنحاء ألمانيا، احتفالا بانتصار المسيحية على الإسلام، واستيلائها على القدس الشريف"!!.
 
إنه درس في الوعي بالتاريخ، لفقه الواقع ورسم طريق التحرير للقدس "رمز الصراع وبوابة الانتصارات".