ملفات وتقارير

هل وصلت العلاقات بين مصر والسعودية إلى نقطة اللاعودة؟

السيسي ابن سلمان
تشهد العلاقات المصرية السعودية حالة من التدهور الحاد في الأيام الأخيرة، تجسد في حملات دبلوماسية وإعلامية معادية، ومستويات غير مسبوقة من التراشق بالألفاظ النابية والاتهامات المسيئة.
 
ومع دخول مسؤولين رسميين من الجانبين على خط التطاول والتجريح المتبادل، تساءل كثيرون: هل وصلت العلاقات بين القاهرة والرياض إلى نقطة اللاعودة؟ أم أن النظامين ما زالا في حاجة لبعضهما البعض.
 
التصعيد في ذروته
 
وكانت سخرية إياد مدني، الوزير السعودي السابق وأمين منظمة التعاون الإسلامي، اللاذعة من قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في مؤتمر رفيع المستوى، وأمام وسائل الإعلام، بمثابة ذروة التصعيد السعودي تجاه مصر، حيث جاءت في وقت تمر فيه العلاقات بين البلدين بأزمة حادة بعد تصويت مصر لصالح قرار روسي حول سوريا بمجلس الأمن، وهو ما ردت عليه السعودية بوقف إمداداتها البترولية لمصر، ثم تبعتها بتأخير إرسال وديعة مالية كانت مقررة في إطار المساعدات الاقتصادية للقاهرة.
 
وشنت وسائل الإعلام المصرية، التي لا تتحرك إلا بتعليمات أمنية، بحسب مراقبين، حملة شرسة ضد السعودية وشعبها تضمنت ألفاظا نابية، حيث كتب الممثل تامر عبد المنعم مقالا في صحيفة "اليوم السابع" تضمن شتائم بذيئة بحق السعوديين، كما علق الإعلامي يوسف الحسيني عبر تويتر بتغريدة وصف فيها السعوديين بالجرذان، وهددهم بحملة عسكرية لتأديبهم كما فعل "محمد علي" قبل نحو قرنين من الزمان!.
 
وفي تطور غير مسبوق، هاجمت صحف مصرية العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، وقالت إنه يؤيد الإرهاب في الشرق الأوسط، خاصة سوريا، كما نشرت ما قالت إنه سجل فضائح الوزير "إياد مدني" وتأييده للإخوان المسلمين!.
 
رغبة متبادلة للتصعيد

وفي مؤشر على رغبتها في مواصلة التصعيد تجاه السعودية، رفضت الخارجية المصرية، على لسان المتحدث باسمها "أحمد أبو زيد"، اعتذار الوزير إياد مدني، قائلا إن التجاوز البالغ في حق مصر يجعلنا نراجع علاقتنا مع منظمة الإيسسكو وأمينها العام.
 
وفي مجلس النواب المصري، الذي شهد من قبل رفع الأعضاء للعلم السعودي داخل قاعته، شن أعضاء البرلمان هجوما حادا على المملكة يوم السبت، وطالبوها بإقالة إياد مدني من منصبه، بعد إساءته لمصر وشعبها، على حد قولهم.
 
في المقابل، واصل إعلاميون سعوديون مهاجمة مصر، حيث كتب الإعلامي المقرب من النظام السعودي جمال خاشقجي، عبر "تويتر": "هذا ليس إعلام مصر، كل شيء في مصر اليوم ليس مصر، إنها مرحلة عابرة، وستمضي وتبقى مصر، وتحيا مصر".
 
أما الإعلامي خالد المهاوش، فنشر عبر "تويتر" صورة لثلاجة ممتلئة، قائلا: "الله يستر لا يقولون ذكر الثلاجة خط أحمر. هذه الثلاجة تنسب للسبسي "بالباء" وليس السيسي".
 
كما قال الكاتب تركي الشلهوب: "السيسي وقف ضدنا علنا، إعلامه يشتمنا ويتهمنا بالإرهاب يوميا، وحين نقول أوقفوا دعمه، يأتي دلخ يقول: "لا نريد خسارة مصر"، منذ متى كانت معنا حتى نخسرها".
 
وواصل الكاتب السعودي خلف الحربي السخرية من السيسي، فكتب مقالا بصحيفة "عكاظ" السعودية يوم الأحد قال فيه: "لو كان إياد مدني إعلاميا عاديا أو مثقفا مستقلا لكان من المقبول تدخله في شؤون ثلاجة رئيس دولة عربية شقيقة ".
 
الهاجس الإيراني
 
السفير المصري الأسبق لدى السعودية، سيد قاسم، أكد أن الخلاف بين البلدين عميق وخطير للغاية، لكنه لم يصل حتى الآن إلى نقطة اللاعودة، مشيرا إلى أن السعودية لديها عقيدة راسخة بأن استقرار مصر هو الضمان الحقيقي لأمنها القومي. 
 
وأضاف قاسم، وهو أول سفير مصري يعود للرياض بعد سنوات من القطيعة مع السعودية أعقبت توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، أنه عبر التاريخ الحديث، حدثت العديد من الأزمات بين مصر والسعودية، لكنها لم تؤثر بين الشعبين، وضرب مثلا بموقف الرياض من القاهرة بعد نكسة 1967، فعلى الرغم من أن مصر كانت في حالة حرب فعلية ضد السعودية في اليمن قبل هذا التاريخ بسنوات قليلة، إلا أن السعودية وقفت إلى جانب مصر، وحينما قطعت العلاقات الدبلوماسية مجددا في عهد السادات، ظلت الروابط الاقتصادية بالسعودية موجودة، والعمالة المصرية تعمل بشكل طبيعي؛ بسبب العلاقات الراسخة والمصالح المشتركة.
 
وأوضح أن جوهر الخلاف مع السعودية هو اعتبار المملكة أن الخطر الشيعي أولوية قصوى بالنسبة لها، وتتوارى بجانبه جميع الأخطار، بما في ذلك الخطر الإسرائيلي، وهو ما يختلف مع النظرة المصرية التي لا تركز على البعد الطائفي.
 
صراع على القيادة
 
بدوره، أكد السفير معصوم مرزوق، القيادي بالتيار الشعبي، أنه حتى الآن، وعلى الرغم من كل الخلافات بين القاهرة والرياض، فإن تشابك العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بين البلدين يمنع وصول الأمور إلى نقطة اللاعودة.
 
وأوضح معصوم أنه منذ ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011 تعاقبت على مصر حكومات ضعيفة، وهو ما رسخ مفهوما لدى السعوديين بأن مصر يمكن شراؤها بالمساعدات الاقتصادية، وأنهم عندما يأمرونها لا بد أن تنفذ، ضاربا مثلا بفتور العلاقات المصرية مع إيران؛ بسبب الرفض السعودي، على الرغم من أن المملكة نفسها كانت لها علاقات جيدة مع إيران حتى وقت قريب.
 
وتابع بأنه في السنوات الأخيرة اختفت مصر من الساحة العربية والإقليمية، وتم تدمير العراق وسوريا، وأصبح على السعودية، ولأول مرة، قيادة العالم العربي وملء هذا الفراغ، خاصة مع وجود عناصر شابة كثيرة بين القادة السعوديين ذات الطموح والمغامرة، وهو ما تعارض مع دور مصر التقليدي في المنطقة؛ حيث تعودت أن تقود ولا تقاد.