مقالات مختارة

دول المنطقة وروسيا في إعادة تموضع قبل الانتخابات الأمريكية

1300x600
تشهد المنطقة منذ الأسبوعين الأخيرين حركة إقليمية دولية لافتة بين تركيا وإيران من جهة، والولايات المتحدة وتركيا من جهة أخرى، عبر زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، وقبل ذلك، تحرّك تركي - روسي توّج بالقمة التي انعقدت أخيرا في موسكو.

وتفيد مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع، أن العلاقات الثنائية والخيارات في ملفات المنطقة أبرز نقاط البحث في تلك الحركة، بحيث أن مرحلة الاستحقاق الرئاسي الأمريكي تستوجب من كل الدول اللاعبة في المنطقة فترة إعادة التموضع وتجميع الأوراق.

ومن بين القضايا التي تطرح في هذه اللقاءات مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد، بقاؤه أو رحيله، ومن الجهة التي تقنع الآخرين بوجهة نظرها، وفي أي اتجاه تتم القناعة في ذلك، بحيث أن هذه الأطراف تختلف أساسا على مصيره، الذي لا وقت محددا لطرحه، بل إن الأمر متعلق بنتائج الاتصالات، وفداحة الموقف على الأرض، واقتناع كل الأطراف بضرورة إيجاد النهاية.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زار موسكو وسيزور إيران، وكلا البلدين حليف للنظام في سوريا. والحراك الروسي - التركي من شأنه أن يرتب الجبهة الشمالية في سوريا. 

لكن تبقى الأسئلة الكبيرة متعلقة بمصير الحسكة وحلب، والى أي مدى يستطيع الأتراك الالتزام بأمور محددة. إن تطورات الوضع في حلب توجز كل شيء، واذا كان هناك من تصعيد في سوريا فسيحصل مجددا في حلب. واذا كانت هناك تهدئة والحفاظ على موازين القوى فسيتم ذلك عبر مسألة حلب. الجنوب السوري هادئ حاليا، ويبقى الشمال.

في موضوع روسيا، الحجم الروسي في التدخل مهم، إذ إن التوجه الآن، هو أن ترتب موسكو الوضع قدر الإمكان وأن تستجمع أوراقها في انتظار الإدارة الأمريكية الجديدة. ليس هناك من تفاهم محدد بين واشنطن وموسكو، التي ليس لها مصلحة في التصعيد في سوريا، وكل الأطراف باتت مدركة أن الحسم العسكري ليس خيارا صحيحا. فهل سيلجأ النظام إلى التصعيد في مرحلة الاستحقاق الأمريكي؟ وهل مسموح له أن يربح، وهل هكذا يريد حلفاؤه؟.

لا شك أن الروس يلعبون دور إيجاد التوازن بين الأطراف على الأرض، بالتزامن مع ترتيب أوراقهم، والإدارة الأمريكية لن تعمل في سوريا بمعارضة من الروس. فالدول الكبرى لا تؤدي دورها في مدى قصير، إنما في استراتيجية طويلة المدى.

وبالتالي، واشنطن حاليا ليس لديها مانع من استمرار الاهتمام بالملف السوري، إن وجدت معطيات جديدة أو حراكا جديدا، لكن أولويتها الحاضرة هي الداخل الأمريكي والانتخابات، وليس الملف السوري. مواضيع الشؤون الخارجية بعيدة جدا عن أجندات المرشحين الأمريكيين للرئاسة باستثناء موضوع الإرهاب ومكافحته عموما. وليس هناك أي فكرة لافتة فيها حول ملفات المنطقة، لكن ذلك لا يعني أن الإدارة الجديدة لن تتعامل معها بعد تسلمها السلطة، بل ستتغير الأولويات لاحقا، إنما الإدارة تحتاج إلى وقت لانضاج خطتها حول ذلك وطريقة مقاربتها لتلك الملفات.

زيارة بايدن لتركيا، بحثت في نتائج الحراك التركي الأخير. كما أنها تناولت الملفات العالقة بين الجانبين مثل تسليم الولايات المتحدة للمعارض التركي فتح الله غولن، والانزعاج التركي من الدعم الأمريكي للحزب الديموقراطي الكردي. الأكراد يهمهم وصل منطقتين لهم نفوذ عليهما في تركيا، وأنقرة لا تريد ذلك. وهناك ملاحظات أمريكية للأتراك حول أنهم لا يحاربون «داعش» بشكل كاف، وأن هناك استمرارية لحصول التنظيم على السلاح والأموال. فضلا عن بحث الوضع السوري، ثم إمكانات حصول استئناف للتفاوض الذي دعا إليه الموفد الدولي لحل الأزمة السورية ستيفان دي ميستورا نهاية آب الجاري.

تركيا تبدو محور الحركة الإقليمية الدولية، ويهم رئيسها أولويتان؛ الحفاظ على النظام، والحؤول دون قيام دولة كردية. هناك مصلحة مشتركة مع إيران في عدم قيام دولة كردية. وهناك تبادل مصالح، والموضوع السوري في مقدمة المباحثات. إنما مصير النظام يبحث بينهما بطريقة غير مباشرة. في كل الأحوال بحث هذا الموضوع قد لا يؤدي حاليا إلى نتيجة فورية، والأرجح أنه متروك لما بعد مجيء الإدارة الأمريكية الجديدة.

المستقبل اللبنانية