ملفات وتقارير

هل يدخل الأردن موسوعة "غينيس" بعدد الأحزاب؟

رخصت الحكومة العشرات من "أحزاب الموالاة" التي تبنت الروايات الرسمية وخصوصا في فترة الربيع العربي- بترا
تزدحم الساحة السياسية الأردنية بعدد كبير من الأحزاب؛ يصل عددها إلى 45 حزبا مرخصا و26 حزبا تحت التأسيس، ما قد يرفع عددها إلى 71 حزبا؛ في بلد يبلغ عدد سكانه من الأردنيين ما يقارب السبعة ملايين نسمة.

ويصف مراقبون هذه الأحزاب بأنها "منزوعة الدسم" و"واجهات ديكورية" لا يعكس عددها الكبير تأثيرا على الساحة السياسية، أو في الشارع الأردني، في وقت تحمل فيه أحزاب وقوى سياسية أردنية الحكومات مسؤولية إضعاف الأحزاب؛ من خلال التشريعات المقيدة للعمل الحزبي، وملاحقة الحزبيين، والتضييق عليهم في الحياة السياسية والعمل.

اقرأ ايضا: كيف أوصل النظام الأردني الحراك إلى غرفة الإنعاش؟
 
أحزاب ديكورية
 
وقال رئيس مجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامي، علي أبو السكر، إن هذا العدد الكبير من الأحزاب "هو عبارة عن مظهر ديكوري؛ أكثر مما هو عمل حزبي حقيقي، فالعدد الكبير من الأحزاب يتساوى تقريبا من حيث التأثير والحجم والمنافع".
 
وفسر أبو السكر في حديثه لـ"عربي21" سبب عدم تأثير هذه الأحزب بـ"عدم وجود إرادة حكومية في أن يكون للأحزاب حضور حقيقي، إذ يراد لها أن تكون موجودة شكلا، كما أن العملية السياسية الديمقراطية كلها شكلية، أو ديكور، وليس أكثر من ذلك".

و"الهدف من إيجاد هذه المظلات الديكورية" بحسب أبو السكر "أن يقال إن لدينا عملا حزبيا"، مضيفا أنه "من جانب آخر؛ هناك نوع من التنفع والوجاهة من وراء هذه الأحزاب، ولهذا نجد أن قلة من هذه الأحزاب تقف موقفا معارضا في كثير من المفاصل التي قد تواجهها في الحياة السياسية، وأن جزءا كبيرا منها همه كيف يتوافق مع المواقف السياسية التي تتبناها الحكومة.. أما أن يكون لها موقف مستقل؛ فهذا غير موجود".
 
وبعد تخفيض شرط عدد المسجلين في الحزب الواحد من 500 عضو إلى 150 عضوا، بحسب قانون الأحزاب؛ فقد رخصت وزارة التنمية السياسية في الآونة الأخيرة عشرات الأحزاب التي تعرف بـ"الأحزاب الوسطية" أو "أحزاب الموالاة" التي نشط معظمها في الترويج للرواية والقرارات الحكومية، وخصوصا في فترة الربيع العربي.

وكانت الحكومة الأردنية في عام 2007 وضعت شرطا لتأسيس الحزب بأن يكون عدد المنتسبين 500 عضو، ما أدى إلى حل ثلثي الأحزاب الموجودة في المملكة؛ لعدم مقدرتها على جمع هذا العدد، لتعود الحكومة وتتراجع عن هذا الشرط في عام 2015.

غير مقنعة جماهيريا
 
وتساءل الكاتب المتخصص في الشأن الحزبي، كمال الزكارنة: "هل سيدخل الأردن كتاب غينيس بعدد الأحزاب مقارنة مع عدد السكان؟".

وقال إن أسباب غياب تأثير هذه الأحزاب تعود للأحزاب نفسها، "فهي غير مقنعة جماهيريا، ولا تتوافر على قياديين حقيقيين بالقدر الكافي، وغياب الشخصيات القيادية يعني غياب الفكر الواضح"، مستثنيا من توصيفه حزبي "جبهة العمل الإسلامي" و"الوحدة الشعبية".
 
وأضاف لـ"عربي21" أن "عدم قيام هذا العدد الكبير من الأحزاب على أساس فكري؛ يؤدي إلى ضعف الإنتاج الحزبي، ويشوه الحياة السياسية ويعيقها"، مؤكدا أنه "لا تأثير لهذه الأحزاب؛ لا في الشارع، ولا في البرلمان، ولا في البلدية، ولا في الحكومة، ولا في أي مؤسسة رسمية أو نقابية".
 
عاجزة عن الوصول للبرلمان
 
ومع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المتوقع إجراؤها في شهر أيلول/ سبتمبر القادم؛ تثار تساؤلات حول مدى تمكن هذا العدد الكبير من الأحزاب الأردنية؛ من تشكيل حكومة برلمانية. ويجيب أمين عام حزب الوحدة الشعبي (حزب يساري) سعيد ذياب بالرفض، معللا ذلك بـ"عدم مقدرة هذه الأحزاب على الوصول إلى البرلمان".

وقال ذياب لـ"عربي21" إن "دور البرلمان الأردني تدنى إلى الحضيض من دورة إلى أخرى؛ بسبب قانون الصوت الواحد، وبسبب تدخل الأجهزة الأمنية في خيارات العملية الانتخابية، ما جعلنا أمام مجلس نواب شكلي وديكوري؛ لا يمكن أن يعكس مصالح الناس".

وأضاف أن التشريعات التي سنتها الحكومة، كقانوني الأحزاب والانتخابات، "قيدت العمل الحزبي، وحرمت الأحزاب من ممارسة دورها السياسي"، مشيرا إلى أن الحكومة الأردنية "حرمت الأحزاب من خوض الانتخابات النيابية بناء على قوائم حزبية، عقب فتوى من المجلس العالي لتفسير الدستور، تحرم تشكيل قوائم حزبية لخوض الانتخابات".

وأوضح ذياب أن الحكومة بذلت جهدا مكثفا بعد عام 1989 "لتفقير العمل الحزبي"، مؤكدا أن "هناك اعترافا بالأحزاب، لكنه تم تفريغها وتحويلها إلى أطر شكلية فقط؛ لتكون مجرد ديكور لا أكثر ولا أقل، لتظهر أمام العالم وكأنها أحزاب حقيقية، ولكنها في الحقيقة تفتقر لأي دور فاعل".
 
اقرأ ايضا: بصمات حكومية وراء إقرار برلمان الأردن مشروع قانون الانتخاب

الحكومة: نشجع الأحزاب
 
بدورها؛ قالت الحكومة الأردنية إنها تشجع العمل الحزبي وتشكيل الأحزاب؛ من خلال تقديم الدعم المادي لها، حيث يتيح قانون الأحزاب الجديد تقديم مبلغ مالي من 50 ألف دينار إلى 100 ألف، في حال جمع الحزب عدد أعضاء يفوق الـ500 عضو مؤثر، موزعين على سبع محافظات، بالإضافة إلى شروط أخرى تتعلق بمشاركة المرأة، والفوز بمقاعد انتخابية في البرلمان.

وقال مدير مديرية الأحزاب بوزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، عبد العزيز الزبن، إنه "تم تخفيض عدد المنتسبين للأحزاب كشرط للتأسيس، وإقرار نظام تمويل الأحزاب؛ كي لا يقال إن الحكومة ضد تأسيس الاحزاب".

وأضاف الزبن لـ"عربي21" أن عدد الأحزاب المرخصة في الأردن 45 حزبا، وهنالك 26 حزبا تحت التأسيس، مشيرا إلى أن الأحزاب الـ26 قيد التأسيس، قدمت إخطارات للجنة المختصة، ولم تقدم طلبات، باستثناء ثلاثة منها قدمت طلبات هي حاليا قيد الدراسة، "وهذه المسالة تأخذ 67 يوما كحد أدنى، وليس أكثر من 90 يوما؛ للاعلان عن الموافقة أو الرفض".

وبالرغم من السماح للعمل الحزبي في الأردن بالعودة بعد عودة الحياة الديمقراطية عام 1989، فإنه ما زالت هناك تخوفات وهواجس من ممارسة العمل الحزبي لدى المواطنين الأردنيين، بحسب مراقبين عللوا ذلك بحقبة الأحكام العرفية الماثلة في الذاكرة، واستمرار التضييق على الحزبيين، وخصوصا شباب الجامعات منهم، ومعاناتهم في الحصول على وظائف بسبب معارضة الأجهزة الأمنية، "لتبقى شعارات تشجيع العمل الحزبي في الأردن حبرا على ورق"، كما يقولون.