سياسة عربية

عندما تتغلب دبلوماسية كرة القدم على دبلوماسية الدولة

محرز الرياضي الذي صنع من تواضعه التتويج بلقب الأفضل في بريطانيا كرويا ـ أرشيفية
في أحايين عدة، ينتزع لاعبو الكرة، مهام الدبلوماسية من السياسيين، ويضعونها بين أرجلهم، ويداعبونها حتى تصير لافتة كبيرة وعريضة، مكتوب عليها "دولة المنشأ"، ودولة المنشأ بالنسبة للدولي الجزائري المتوهج في البطولة الإنجليزية، رياض محرز، روج لاسمها عبر كبرى وسائل الإعلام العالمية، وفي قلعات الحكم بالجمهوريات كما بالملكيات.

واسم الجزائر، دوى أول البارحة في محفلين كبيرين، الأول بلندن، حيث التتويج الأكبر في"البريمير ليغ"، واعتبره الجزائريون عبر العالم تتويجا لكل جزائري. والجزائريون كانوا مخطئين أو على صواب، فذلك الشعور لا يقوى على إيقافه حتى ذوو العقول الرصينة التي تعتبر الكرة مجرد شحمة يلهث وراءها الناس، أما الثاني فسياسي بحت تمثل في استقبال بشار الأسد للوزير الجزائري للشؤون المغاربية والجامعة العربية، عبد القادر مساهل، في زيارة قدمت على أنها "استثناء دولي" من حيث خصوم بشار غلفوها بقراءات تقول إن الجزائر كسرت قفص الأسد وأخرجته ليتنفس.

لكن بين محرز الرياضي الذي صنع من تواضعه ما لم يصنعه زميله "فاردي"، بالتتويج بلقب الأفضل في بريطانيا كرويا، ومساهل الذي قدم في وسائل الإعلام العربية أمس بـ"الخبير في الشؤون العربية والإفريقية"، وعلى هذا أوفده الرئيس بوتفليقة إلى بلاد الشام بينما لم يرسل رمطان لعمامرة، فرق كبير، فالأول أهدى لبلاد لا يعرفها كما يعرفها مساهل ما لم يقدمه قطاع من الدبلوماسيين في الخارج لبلادهم، بينما الثاني لا يعرف محرز ذاته، أو هذا الذي خرج لتوه من أفقر الأحياء الباريسية، ليقول لأمه إنه يريد تحقيق حلم أبيه المتوفى، في أن يكون سندا للجزائريين عبر منتخبهم الوطني، فكان لهم قبل المنتخب سندا، من مدينة ليستر حيث الظلام توارى تحضيرا لنصب تمثال البطل، في مدينة كانت منسية كرويا، تماما كما كانت الجزائر منسية دوليا، سنوات الإرهاب، وراح مساهل يستعرض تجربتها في هذا الملف بالذات، عارضا سياسة المصالحة على الأسد، لعلها تنفع في إخراج البلاد من الظلام.
 
لكن محرز الذي تلقى همسا في أذنه، عند صعوده مروحية التتويج، أن "ميدو" صار يتحاشى حلاقي الدوحة، لا يعرف هذه التفاصيل السياسية، رغم معرفته بأبجديات صعود سلالم الكرة، من أبسط حي باريسي إلى مدينة تنتظر التتويج باللقب، مثلما صعدت الجزائرية من دائرة الغموض إلى باحة العلن في موقفها من الأزمة السورية، ومواقفها الرديفة من عاصفة الحزم في اليمن إلى القوة العربية المشتركة إلى الموقف من تجريم حزب الله وفقا لموقف الجامعة العربية، التي تلتحق بها الجزائر من أجل تفادي شغور المقعد فقط.

لكن، وحتى وإن كان محرز لا يعرف هذه الأشياء، لأنه يتجاهل دوما "يمناه" التي لم تجلب له الحظ، وتجاوز هذه الأمور جميعها وصولا إلى تزيين صورة بلاده بيسراه، إلا أن مواطنته المسيسة حتى النخاع، ماليا بوعطية، اليسارية التي انقشع لها ضباب لندن وصعدت هي الأخرى السلالم إلى قلعة الملكة إيليزابيت، وصولا إلى المنصب الأول في اتحاد الطلبة البريطانيين، وعمرها لا يتجاوز 28 عاما، تعرف هذه الأشياء، ولمعرفتها الجيدة بها، تواجه حملة من يهود يعدون طبخات الانسحاب من الاتحاد الذي تقود فيه أكثر من مليوني طالب وطالبة، ومن يخوض في مواقف بوعطية، هذه الطفلة الهاربة من الإرهاب في الجزائر وعمرها لم يتعد سبع سنوات، يجدها تحاكي خطابات الوزيرين الجزائريين، لعمامرة ومساهل، من خلال تساؤلات تطرحها، من رحم من ولد تنظيم الدولة في سوريا والعراق؟

والوزير الجزائري عبد القادر مساهل لما فهم أن خصوم الأسد الغربيين، فهموا بدورهم أنه لا مخرج دون بشار في بلد يباد فيه الشعب بلا رحمة بسببه أو بدونه، لم يجد حرجا في زيارة قلعة الأسد، وهي أول زيارة لمسؤول جزائري إلى دمشق منذ 2009، وقد رفعت الجزائر سرعتها إلى الدرجة القصوى في الملف السوري، وهو الملف المحوري عربيا وإقليميا ودوليا الذي يمثل المؤشر الوحيد والكافي المعتمد عليه في قياس انحناءات الحكومات نحو التكتلات المتصارعة، وفقا لـ"معي أو ضدي"، ومنه رسم معالم مصيرها على مدى المتوسط أو الطويل.

لكن زيارة الوزير الأول الجزائري عبد المالك سلال إلى موسكو غدا، والحديث عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية رمطان لعمامرة إلى طهران، ستحمل دلالات إضافية لهؤلاء الذين صنفوا الجزائر عدوا جديدا للخليج.