مقابلات

حقوقي سوري "متوجس" من توقيت نشر وثائق "نيويوركر".. لماذا؟

تحدث البني عن جهود لتأسيس محكمة لمنع الإفلات من العقاب - أرشيفية
أعرب المحامي السوري والحقوقي البارز، أنور البني، عن توجسه من التوقيت الذي تم فيه الإعلان عن "ملفات الأسد"، معتبرا أن حصر هذه الوثائق التي تفضح جرائم النظام السوري، بمنظمات حقوقية دولية (غير سورية)، يأتي من قبيل ممارسة الضغط الذي يمارس على الأطراف السورية في "البازار السياسي بجنيف"، ومن باب التمهيد لسحب ملف العدالة من يد السوريين، وفق تقديره.

وكانت مجلة "نيويوركر" الأمريكية نشرت قبل أيام تحقيقا استقصائيا تحت عنوان بـ"ملفات الأسد"، تحدثت فيه عن نحو 600 ألف وثيقة سرية مسربة صارت بعهدة لجنة تحقيق مستقلة (منظمة)، تثبت تورط رئيس النظام السوري بشار الأسد، وتربطه مباشرة بعمليات قتل وتعذيب مورست على معارضين للنظام.

وأشار البني، رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، في حديث لـ"عربي21" عبر الهاتف، إلى أن هذه الملفات التي لا يعلم أحد من السوريين عن حجمها ولا عن عددها ولا حتى عن ماهيتها، كانت جاهزة منذ أكثر من عام على الأقل.

وأضاف: "منذ ما قبل الثورة السورية كنا -بصفة منظمات حقوقية- نوثق الجرائم التي يقوم بها النظام، وبعد قيام الثورة واتساع حجم وبشاعة هذه الانتهاكات، نشأت منظمات سورية عديدة كان عملها ينصبّ على توثيق هذه الجرائم، وما زالت هذه المنظمات هي المرجع الأساسي للتوثيق، وما تحدثت عنه المجلة هو أكثر من عملية توثيق".

وفي هذا السياق، عزا البني عدم قيام المنظمات السورية بهذه العملية (ملفات الأسد) إلى عدم وجود هيئة قضائية لعرض هذه الملفات عليها.

وقال إن "الطريق إلى محكمة الجنايات الدولية أو إنشاء محكمة خاصة بالوضع السوري مغلق؛ بسبب حاجته لقرار دولي من مجلس الأمن، وهذا يبدو مستحيلا؛ بسبب الفيتو الروسي"، لافتا في الآن ذاته إلى عدم وجود سلطة سورية حقيقية تنشئ هذه المحاكم.

ولم يغفل البني غياب التمويل الدولي عن أي منظمة سورية للقيام بذلك. وقال: "لا يستطيع المفاوضون السوريون من المعارضة استثمار هذه الوثائق؛ لعدم وجود هيئة قضائية تنظر بها، كما أن كل العالم يعلم حجم الجرائم المرتكبة في سوريا على يد النظام".

محكمة لمنع الإفلات من العقاب

و في محاولة لمواجهة ما وصفه البني بـ"الجدار السميك"، الذي يقف بوجه إحقاق العدالة، ولفتح ثغرة فيه، قال: "قمنا بالمركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية بطرح مشروع إقامة محكمة سورية خاصة لمنع الإفلات من العقاب، بالتعاون مع منظمة الكواكبي لحقوق الإنسان، ومجلس القضاء الحر، وبدعم من عدد من المنظمات والشخصيات الدولية، منهم القضاة الألمان، ومركز القاهرة لحقوق الإنسان، والشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، بالإضافة لشخصيات حقوقية وصحافية واجتماعية كبيرة".

وبحسب البني الذي كان قد طرح في العام 2005 مسودة لدستور سوريا، فإن هذه المحكمة التي قاربت على الانطلاق، تهدف -إلى جانب فتح ملفات الجرائم المرتكبة في سوريا أمام الرأي العام؛ ليسمع الحقيقة، ويوصل صوت الضحايا وصوت العدالة لآذان الجميع- إلى بناء قدرات الكوادر الوطنية السورية، من خلال تطبيق عملي شامل؛ لتكون قادرة على التأسيس لعملية عدالة انتقالية في المستقبل.

وتابع: "إن شرعية هذه المحكمة تأتي أولا من أنها محكمة سورية بيد السوريين، وثانيا من مصداقية وسمعة القضاة الدوليين، الذين سيقومون بمساعدة السوريين بعمل المحكمة، وثالثا من مصداقية الإجراءات التي ستقوم بها المحكمة علنا وبكل شفافية، وتطبيق المعايير الدولية ذات الصلة".

وبشأن قابلية قرارات المحكمة المقترحة للتنفيذ، شرح البني قائلا: "إننا نعرف بأنه مبدئيا لا قيمة تنفيذية لقرارات المحكمة، ولكن هذا لا يقلل من أهمية عمل المحكمة، خاصة إذا عرفنا أن قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي أسسها الاتحاد الأوروبي غير ملزمة حتى لدول الاتحاد الأوروبي نفسه، وإنما لها قيمة معنوية فقط، كما أن قرارات محكمة العدل الدولية التابعة لهيئة الأمم المتحدة هي قرارات استشارية وغير ملزمة أيضا".

واستدرك: "كل ما سبق يؤكد أن مدى إلزامية القرارات من عدمه، لا تؤثر كثيرا على قيمة عمل المحكمة. ونحن نطمح حين تثبت آلية عمل المحكمة وصحة قراراتها ذات المصداقية العالية، إلى حث الدول على تبني هذه القرارات، والعمل على تنفيذها، أو اعتبارها حافزا لفتح ملفاتها أمام المحاكم الوطنية لهذه الدول لتوقيف المجرمين".

الأسد مستمر بسياسة الإفلات من العقاب

وغداة تعليق المعارضة السورية مشاركتها الرسمية في المحادثات غير المباشرة في جنيف، قال البني، المعتقل السياسي السابق لدى النظام: "لا أعتقد أبدا أن حل الوضع السوري سيكون عبر المفاوضات".

وتابع: "من عرف هذا النظام وخبره يعرف جيدا أنه لن يتنازل عن أي جزء من صلاحياته مهما بدا ضئيلا. ليس فقط في موضوع الصلاحيات، هذا النظام لن يرضى أن يكون موضع مساءلة أو محاسبة على تصرفاته أبدا، وأنا لا أتكلم عما جرى، بل عن المرحلة القادمة أيضا".

واستطرد البني: "هذا الشكل من الأنظمة يرفض بأي شكل من الأشكال أن يكون تحت سقف القانون، حتى لو كان هذا القانون هو من وضعه ولمصلحته، فالإفلات من العقاب هو السياسة التي لن يتخلى عنها تحت أي ظرف".

الوصاية الدولية

وتدفع القراءة السابقة لماهية النظام بالبني، المحامي الذي قارع محاكم النظام مطولا، إلى اعتبار أن الخلاص من "الديكتاتورية" التي يمثلها النظام "مستحيل" دون الحديث عن تدخل دولي فاعل، معتبرا أن "الشعب السوري وحده غير قادر على ذلك، وهو يحتاج مساعدة العالم بذلك، وهذا ما دفعني منذ ذلك الوقت (بداية الثورة) للمطالبة بتدخل دولي حقيقي وفاعل".

وأضاف: "هذا النظام الذي لم يتورع منذ قيامه في بدايات الستينات وحتى الثمانينات وإلى الآن، لم ولن يتورع عن استخدام كل الأسلحة المتاحة، بما فيها أسلحة الدمار الشامل، ضد كل من يهدد سلطته المطلقة، هذا النظام لا يمكن الحديث عن إزاحته بمفاوضات عبثية، وإنما يحتاج لعمل عسكري حقيقي، يوقفه عن حده، وبمنع أذاه عن سوريا وعن السوريين".

وبعدما أبدى قناعته بأن دور المجتمع الدولي أساسي وفعال في وضع قطار جميع الدول، بما فيها القوية والضعيفة على السكة الصحيحة، رغم فشل الأمم المتحدة ونظام الفصل السابع كونه متروكا دون محددات حقيقية لاستخدامه، بغض النظر عن مصالح الدول الخمس التي تتحكم بالقرار الدولي عبر مجلس الأمن، عاد البني للقول: "مع كل العيوب التي تحدثت عنها بنظام الأمم المتحدة، ودور المجتمع الدولي، فإنه الخيار الوحيد والأصلح الآن للوضع السوري".

ورأى أن "فرض وصاية دولية على سوريا، عسكرية وسياسية، تهيئ الوضع لعودة اللاجئين والنازحين والتعويض عن الأضرار والضحايا، وتهيئ البنية الإدارية والمادية واللوجستية والنفسية للسوريين لممارسة حقهم باختيار مستقبلهم وقياداتهم، ورسم وتحديد سوريا الجديدة بحرية تامة ودن أي ضغوط".