مدونات

قضية ريجينى

هوية الايطالي ريجيني الذي قتل في مصر بعد قتل قاتليه
منذ أكثر من شهرين وقضية الطالب الإيطالي جوليو ريجيني تتصدر جميع وسائل الإعلام العالمية، هذا الطالب الذي تم اختفاؤه قسريا منذ الخامس والعشرين من يناير الماضي في أحد شوراع الدقي - هذا اليوم لم يكن هناك تواجد في شوارع القاهرة إلا للأمن - ولم يتم العثور عليه إلا في الرابع من فبراير الماضي على طريق الإسكندرية الصحراوي، وكان العثور على جثته هو يوم شهرته عالميا، ليس لأنه قُتل، ولكن لأن ملابسات اختفائه وتعذبيه وقتله كانت بشعة.

الحكومة المصرية حاولت في البداية تهوين الأمر ووصفت مقتل ريجينى بأنه حادث سيارة، وباءت تلك المحاولة بالفشل لأن علامات التعذيب كانت باقية في جسده، فلجأت الحكومة إلى أن الطالب الإيطالي تم قتله خلال حفلة للشواذ الجنسي، ولم يفلح أيضا هذا التبرير بعد تأكيد الطب الشرعي بأنه لم يتعرض لأي انتهاك جنسي، فأوعزت الحكومة المصرية لأحد إعلاميها بإبراز سبب الوفاة، فأخرج لنا هذا الإعلامي شاهد زور يدعي بأنه شاهد هذا الطالب الإيطالي يتشاجر مع شخص آخر إيطالي، وما هي ساعات إلا وتبين كذب هذا الشاهد، ورأت الحكومة أن ترسم سيناريو آخر، وهو أن هناك عصابة متخصصة في اختطاف الأجانب وانتحال صفة ضباط الشرطة، ونظرا لأن هذا السيناريو كان سيئا وكان به العديد من الثغرات والأخطاء الفادحة فتراجعت الحكومة المصرية عنه، وأعلن النائب العام عن تشكيل فريق جديد من المحققين في تلك القضية.

كانت إيطاليا ولا تزال من أكبر داعمي النظام الحالي في مصر، ومن أكثر المدافعين عن السيسي ونظامه في أوروبا، لذلك كان تعامل الحكومة الإيطالية به الكثير من الدبلوماسية في محاولة منها للملمة هذه القضية وإنهائها بتقديم المتهم الحقيقي في مقتل الطالب الإيطالي، ولكن غباء وتعنت الحكومة المصرية وتكرار كذبها، أدى إلى أن تفقد الحكومة الإيطالية دبلوماسيتها، وينفد صبرها، كما أدى ذلك إلى تحويل تلك القضية إلى قضية رأي عام ليس في إيطاليا فحسب، بل رأي عام في أوروبا، وهذا ما تمخض عنه بيان البرلمان الأوروبي بأن النظام المصري نظام قمعي، وطالب بمراجعة شاملة لعلاقة أوروبا مع مصر، وبوقف التعاون الأمني مع مصر مادام مسؤولو الأجهزة الأمنية يرتكبون جرائم ولا تتم معاقبتهم.

كما طالب البرلمان الإيطالي حكومته بمعرفة قاتل الطالب ريجيني، وتم عقد جلسة استماع لوزير الخارجية الإيطالي وأسرة ريجيني بالبرلمان، وطالبت رئيسة البرلمان الإيطالي حكومتها أن تستمر في السعي للحصول على الحقيقة الكاملة بشأن ريجيني، وطالبت المعارضة الإيطالية بالضغط على القاهرة لمعرفة الحقيقة الكاملة بشأن الطالب الإيطالي، وبالفعل استجابت جمعية السياحة الإيطالية وأعلنت وقف رحلاتها إلى مصر لحين إعلان الحقيقة الكاملة عن مقتل ريجيني.

كل ذلك والحكومة المصرية لا تلقي بالاً بهذه الأحداث ولا تسطيع قراءة تداعيات المشهد الأوروبي والإيطالي بشأن تلك القضية، واستمرت في التأكيد أن هناك مؤامرات على الدولة المصرية وحروب الجيل الرابع واختلاق أكاذيب جديدة، وراهنت على عامل الوقت في نسيان هذه الحادثة، وطي تلك القضية، معتمدة في ذلك على علاقتها المتميزة مع الحكومة الإيطالية.

بناء على الضغط الشعبي والبرلماني الذي مورس على الحكومة الإيطالية، قدمت روما طلبات محددة إلى القاهرة منها تفريغ الكاميرات التي توجد في الشارع الذي تواجد به ريجيني يوم إختفائه، كما طالبت بتفريغ المكالمات الهاتفية لريجيني وللأشخاص المتواجدين في مكان الاختفاء، وطالبت أن يكون ضمن وفد المحققين اللواء خالد شلبي رئيس مباحث الجيزة، ولكن تلك الطلبات لم ينفذ منها شيء، وأحضر فريق المحققين المصري ملفا من 2000 صفحة به التحقيقات التي أجرتها الداخلية والنيابة المصرية، وكانت المفأجاة أن هذا الملف المقدم مكتوب باللغة العربية وبخط يدوي غير واضح وباللهجة العامية المصرية.

كان لقاء المحققين المصرييين والإيطاليين هو القشة التي قصمت ظهر البعير، فقد اعتبرت إيطاليا بأن القاهرة أهانت ذكاءها ولم تلب مطالبها، وأحضرت ملفاً بلهجة عامية باللغة العربية لم يحتو على معلومات، فكان نتيجة ذلك أن أعلنت إيطاليا استدعاء سفيرها بالقاهرة، وأوقفت التعاون مع وفد المحققين المصريين.

تداعيات تلك الخطوة كبيرة، فالتصعيد الدبلوماسي من قبل إيطاليا رسالة إلى القاهرة بأن رصيدها من الصبر قد انتهى وغضبها بدأ يظهر، وأن مالآت تلك القرارات هو عدم عودة السفيرالإيطالي للقاهرة لحين حدوث تعاون حقيقي وتلبية جميع المطالب الإيطالية من قبل مصر، أوتقليص التمثيل الدبلوماسي الإيطالي بالقاهرة ومعه سيتقلص أوجه التعاون السياسي والاقتصادي، أو قطع العلاقات الدبلوماسية المصرية الإيطالية وبذلك ستكون القاهرة فقدت أقوى حلفائها فى القارة العجوز.

وعلى السيسي ونظامه أن يعلم بأن الفهلوة والاستهبال واختلاق الأكاذيب لن تجد نفعا في تلك القضية، وعليه أن يدرك بأن أوروبا وإيطاليا لا يريدان سوى شيء واحد وهو الحقيقة المطلقة بشأن ريجيني، ولا أعلم من هو هذا الشخص الذي أقدم على تلك الجريمة ولا يستطيع النظام المصري أن يحاسبه أو يواجهه بجرائمه، فهل يخشى النظام المصري من شخص مجرم؟

إن إصرار الإيطاليين على معرفة القاتل الحقيقي، يزيد من إصرار المصريين على معرفة الحقيقة فى تصفية خمسة مصريين بدعوى أنهم عصابة، ويجعل المصريين يفتحون ملفات الاختفاء القسرى والتعذيب والتصفية بحق مئات المصريين، وأن من اقترف جريمة بشأن أي مصري أو أي إنسان لا بد له من محاسبة مهما طال العمر، لأن الجرائم في حق البشر لا تسقط بالتقادم.