كتاب عربي 21

الكُرْه الوبائي المُبرر للأقليات (1)

1300x600
في جميع أنحاء العالم، بل وعلى مستوى العالم بأكمله، هناك أقليات مكروهة وممقوتة، فعلى سبيل المثال، ورغم أن اليهود يمثلون أقل من 1% من سكان العالم، إلا أنهم ما حلوا بأرض كمجموعات، إلا وناصبتهم الأغلبية بالعداء، فعلى مر قرون عديدة، ظل اليهود في أوربا وروسيا، أبغض الناس إلى قلوب سكان القارتين، ووصلت البغضاء ذروتها بوصول أدولف هتلر إلى السلطة في ألمانيا، الذي قرر أن السبيل الوحيد للتخلص من هذا النفر البغيض بإبادته، فكانت المحرقة (الهولوكوست).

ولا أفهم لماذا ينكر بعض العرب والمسلمين حدوث الهولوكوست، رغم أن الأدلة المادية على حدوثها قائمة إلى يومنا، ورغم أن بعض الهاربين من جحيمها ما زالوا أحياء، ورغم أننا نعرف أنه لولا العداء العنيف لألمانيا النازية لليهود وتقتيلهم، لما قامت إسرائيل كأول دولة في تاريخ البشرية يتقرر إنشاؤها بـ"التصويت"، فكما هو معلوم فإن منح فلسطين لليهود من قبل الدول الغربية وروسيا، كان في ظاهره من باب التكفير عن ذنب اضطهادهم، وفي باطنه إبعاد اليهود بالجملة عن أراضيها سدا للذرائع، ومنعا لعمليات إبادة جماعية لهم قد تحدث مجددا.

ويزعم اليهود أنهم ظلوا مكروهين ومضطهدين في الدول المسيحية؛ بسبب ديانتهم، في حين إن المسيحي يقبل بمعظم ما جاء في التوراة، بل إنه يسمي التوراة "العهد القديم"، والإنجيل "العهد الجديد"، وعلى مر العصور كان الملاذ الآمن لمسيحيي أوروبا في الدول الإسلامية، وحتى في البلاط العثماني كان هناك مستشارون يهود، بل كان معظم سفراء البلاط في العواصم الأوربية إما يهودا، أو مصحوبين بمترجمين يهود.

وحتى قيام إسرائيل كان اليهود معززين مكرمين في مصر والسودان والعراق واليمن والمغرب، وفي عهدي بالدراسة في جامعة الخرطوم كان لي زملاء سودانيين يهود، وكنا نعاملهم كـ"أهل بلد"، وبعد حرب عام 1967 هاجر اليهود من الدول العربية أفواجا إلى إسرائيل وأوروبا، دون أن يتعرضوا لعنف لفظي أو جسدي.

ولكن كلما تنامت نزعات إسرائيل العدوانية تجاه جيرانها العرب، تنامى الكره الشعبي العربي لإسرائيل (لم أقل الرسمي، فوجود إسرائيل مبرر لاستمرار العديد من الطغاة العرب على كراسي الحكم، ولو زالت، زالوا)، وصولا إلى الإعلان المجلجل والمزلزل لشعبولا: بحب عمرو موسى وبكره إسرائيل، و"مسك" الإسرائيليون في ذلك الإعلان، وتناسوا عمدا أن كره شعبولا لهم لم يزد أوضاعهم سوءا، بينما حبه لعمرو موسى "جاب خبره" فطار من منصب الأمين العام للجامعة العربية وصار مطبلاتيا للحكومة المصرية.

الصينيون مكروهون في إندونيسيا وبورما (ميانمار) والفلبين، لأنهم لا يشكلون ثقلا سكانيا، ومع هذا سيطروا على الصناعة والتجارة الخارجية في تلك البلدان، وكما فعل اليهود في أوربا فإنهم ورغم طول البقاء في تلك البلدان عاشوا منعزلين عن أهلها، وعازفين عن الانصهار في الثقافات المحلية فتعرضوا لمجازر بشعة، ولكن لأن الأمر لم يكن يهم أوروبا وأمريكا، فإن تلك المجازر لم تحظ بمسمى "إبادة بشرية".

منذ القرن الثامن العشر ظهر اليهود في أوربا وروسيا كأقلية تسيطر على أسواق المال والسلع الاستراتيجية، وتدريجيا سيطروا على وسائل الإعلام، وكشأن كل أقلية تحظى بامتيازات فإنهم والوا وساندوا كل الحكومات الفاسدة، فكان بدهيا أن تنقلب الجماهير المقهورة عليهم

ولأن التاريخ البعيد نسبيا يبقى محل جدل (وبالبعيد نسبيا أعني الفترة ما قبل منتصف القرن العشرين) دعونا ننظر حال اليهود في بلد مثل روسيا "الرأسمالية" اليوم فهناك سبعة يهود من بين أغنى ثمانية رجال أعمال روس، بينما نحو 100 مليون روسي عائشون "بالعافية"، ومعظم استوديوهات هوليوود السينمائية ووسائل الإعلام الكبرى في الولايات المتحدة مملوكة ليهود، أي أنهم يسيطرون على مفاصل الاقتصاد وينشطون في تشكيل وقولبة الرأي العام.

ورغم كل ما يقال عن الإسلاموفوبيا في الدول الغربية، إلا أنك لن تجد فيها منظمة معنية باضطهاد المسلمين، ولكن ما من بلد أوربي إلا وفيه تنظيم ضخم العضوية للنازيين الجدد، الذين يعتبرون اليهود "جرثومة" يجب استئصالها.

وعداء الغربيين المسيحيين المعاصرين لليهود مردُّه أن ولاءهم لإسرائيل وليس للأوطان التي يعيشون فيها، ولأنهم يملكون قوة مالية، وبالتالي سياسية تفوق وزنهم السكاني.

ونواصل بمشيئة الله النظر في مسألة تعرُّض الأقليات في كثير من بلدان العالم للكراهية بل والعنف في مقالات لاحقة، لنرى كيف أن الكراهية تطال أتباع كل الأعراق والأجناس وليس اليهود وحدهم.