قضايا وآراء

الثبات في مطالب الثورة ورؤيتها

1300x600
- تعرضت جماعة الإخوان المسلمين طوال تاريخها المملوء بالنضال والكفاح، إلى منحنيات وضغوط شديدة حول تمسكها بالأهداف التي تعمل عليها، وكانت في كل مرة تخرج من تلك الأزمات وهي ثابتة على أهدافها مستمرة في مشروعها الإسلامي.

- واليوم يتساءل البعض، هل سيهتز عند الجماعة موقف "الثبات" في هذا الشأن وتتراجع عن بعض ثوابتها؟ وهل ستهتز الرؤية التي أقرها مجلس شورى رابعة عام 2013، وكانت بالإجماع؟

- إنني حسب ما رأيت من صمود الثوار وثبات المعتقلين والقيادات رغم حجم التضحيات، أجد معنى "الثبات" يظهر واضحاً، لا يلتفت لصيحات من هنا وهناك. 

- ويسأل الكثيرون عن مزيد من التوضيح بشأن استمرار الحراك الثوري السلمي، والأهداف التي يريد تحقيقها، وهل هناك مرونة بشأنها؟ وما هي رؤية الجماعة ومطالبها في ظل الظروف الحالية وتلك الأزمة؟

- قبل توضيح ذلك، لا بد أن نفهم بوضوح ما يدور على الساحة المصرية –بل والإقليمية أيضا– وما هي الأهداف الحقيقية لهذا الانقلاب العسكري؟

- فالصراع القائم ليس بين طرفين محدودين: أي الإخوان وسلطة الانقلاب العسكرية، بل هو بين المشروع الإسلامي ومن يحمله، وفي مقدمة ذلك الإخوان المسلمون ومن يؤيدهم من قوى وطنية، وبين الدولة العميقة (الممثلة أساساً في: الداخلية – القضاء – الإعلام – مؤسسات اقتصادية وسيادية) وعلى رأسهم قيادة المؤسسة العسكرية، ويسير معهم في هذا الشأن: الكنيسة وأحزاب وقوى ورموز سياسية أيدت الانقلاب. 

أى بتعبير آخر: الصراع بين المشروع الإسلامي، والمشروع الغربي العلماني. 

- ويتلقى الانقلاب دعماً إقليمياً قوياً من بعض دول المنطقة، وكذلك التأييد العملي الواقعي من الدول الغربية (والتي تدعي حرصها على الديمقراطية!!) رغم معارضة كثير من الإعلاميين والسياسيين في الغرب لهذا الانقلاب، وعلى رأس هذا التأييد الدولي، أمريكا، فهي صاحبة قرار الانقلاب في الأصل. 

- هذه الهجمة على المشروع الإسلامي لا تقتصر على مصر فقط، بل تمتد إلى كل المنطقة في ضوء خطة أمريكية صهيونية، لإعادة تشكيل المنطقة من جديد. 

كما تستهدف أساساً توجيه ضربة كبيرة للمشروع الإسلامي، وإضعاف القيم الإسلامية في المجتمعات وتمسّك الجماهير بها. 

ليس هدف الانقلاب العسكري فقط إزاحة وإبعاد الإخوان عن مقعد الرئاسة والحكم ( فهذا أحد المحاور)، إنما ضرب هذا المشروع الإسلامي وما يحمله من مفاهيم وقيم وسلوكيات، وضرب الكيانات المؤثرة التي تحمل هذا المشروع وفي مقدمتها الإخوان المسلمون، ومحاولة استئصالها أو إضعافها إلى أقصى حد ممكن، وإبعادها عن ساحة التأثير في المجتمع بعد أن التفت الجماهير حولها، وكذلك تغيير المجتمعات من داخلها وفق المنظومة التي يريدونها.

- وبالنسبة لإسرائيل، فمع اشتراكها في الهدف الرئيسي، تهدف أيضاً إلى ضرب مشروع المقاومة الفلسطينية، وكذلك تدمير مقدرات الدولة المصرية، حيث لم يبق من أضلاع مثلث دول المواجهة إلا مصر (بعد تحطيم العراق وسوريا). 

أما موقف أمريكا بالنسبة للحكم في مصر، فهي تحرص على أن يستقر الحكم فيها على يد أحد الرجال التابعين لها بما يضمن مواجهة المشروع الإسلامي، وهو ما يتوفر في حكم العسكر، وأن تكون مهيمنة على القرار في مصر، فإذا لم يتحقق ذلك فإنها لا تعارض في حدوث الفوضى في مصر، بل تساعد على ذلك؛ خاصة أن دور مصر الإقليمي أخذ يتضاءل. 

-كل هذا وغيره، يشير بوضوح إلى أن ساحة المعركة والهجمة تمتد إلى كل المحاور، وأن مصلحة الوطن ونهضته مهددة في أصولها.
 
وعلى الجماعة عدم التراجع والعمل على امتلاك الأرض التي تمكنها من حماية مشروع المقاومة الفلسطينية مما يُدبر لها من مؤامرات، ومن حماية المشروع الإسلامي الإصلاحي والقيم الإسلامية في المجتمع، وهذا يتطلب استنفار كل القوى والتيارات الإسلامية والوطنية واصطفافها معا. 

- إن إسقاط الانقلاب وإرساء مبادئ الحرية في المجتمع، ليس بتغيير الأسماء أو تغيير البدلة العسكرية يتحقق ذلك الهدف، إن أساس المعركة هو إسقاط حكم العسكر وتفكيك الدولة العميقة، وأن تنطلق نهضة الوطن على أسس صحيحة، وهذا له متطلباته من الكفاح والنضال والتضحيات. 

- إن رؤية ومطالب الجماعة هي نفسها رؤية الثوار الذين اصطفوا معها ونزلوا إلى ميادين وشوارع مصر طوال عدة سنوات وما زالوا حتى اليوم، وتتلخص تلك الرؤية وما تحمله من مطالب وأهداف في الآتي:
 
1- استمرار الحراك الثوري السلمي بمظاهره المختلفة ضد الانقلاب وضد حكم العسكر، والمطالبة بعودة الشرعية، إلى أن يتم تحقيق أهداف الثورة.

2- استمرار التمسك بالأهداف المعلنة لثورة الشرعية، والتي يعمل عليها المشروع الإسلامي في مواجهة الهجمة الحالية وعدم التراجع عنها أو السكوت عن بعضها. 

3- الاستفادة من أي وضع أو حل مرحلي قد يفرض نفسه، لكن دون التنازل عن الأهداف أو عن استمرار المطالبة بها والحراك بشأنها حتى تتحقق كاملة. 

4- لا تنازل عن إزاحة رأس الانقلاب، وعن الإفراج عن جميع المعتقلين الذين صدرت أحكام بشأنهم، كخطوة أولى في أي تصور عملي للحل. 

5- ضرورة القصاص العادل من المجرمين، وعدم التنازل عن حق الشهداء والمصابين والمعتقلين.
 
6- استمرار الجماعة في قيادة المشروع الإسلامي الإصلاحي، والحراك الوطني المطالب بالحرية والديمقراطية. 

7- الجماعة تتبنى مفهوم الاصطفاف الوطني، وأن هناك شركاء معها تحرص عليهم، آمنوا بتحقيق الأهداف التي تعمل عليها الثورة، وعلى رأسها: إسقاط حكم العسكر، وتفكيك الدولة العميقة، والحرص على مدنية الدولة، ومبادئ الحرية والديمقراطية الكاملة، والعدالة المجتمعية. 

8- الجماعة ترفض إقصاء أي فصيل وطني، حتى لو كان يعمل على جزء من الأهداف وليس كلها وقاعدتها المعلنة في ذلك: "نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه". 

9- تتمسك الجماعة بشمولية عملها في المشروع الإسلامي، وتحقيق محاوره وأهدافه السبعة، كما جاء في ركن العمل في رسالة التعاليم. 

10- الجماعة تتمسك بما قاله المؤسس الإمام البنا، وتعمل على ذلك: "ندعو إلى الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه". 

11- الجماعة تؤمن أن الساحة السياسية على المستوى الإقليمي، لا يمكن أن تتجمد حول واقع واحد، ولا بد من حدوث مستجدات ومتغيرات، وأن ثبات الجماعة واستمرار حراكها الثوري السلمي، قادر بعون الله على تحويل هذه المستجدات أو أي متغيرات لصالح أهدافها، وأن مشيئة الله وقدرته فوق مشيئة البشر. 

- "وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ، فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَام".


* الدكتور محمد عبد الرحمن المرسى هو عضو مكتب الإرشاد لجماعة الاخوان المسلمين.