قضايا وآراء

للعصافير معالم وعلامات

1300x600
العصافير من الذكور، نظرا لأن من يتصدرون العمل المقاوم هم من الرجال، ولكن ربما مستقبلا إذا زاد عدد المعتقلات يكون هناك قسم لـ(عصفورات)!

والعصافير قد يكونون من ضمن سلم رتب ورواتب الشاباك، وليسوا مجرد عملاء ثانويين، والاعتماد على قدرتهم على خداع المعتقلين الجدد في ازدياد لا نقصان، هذا ونحن نتحدث عن مئات الآلاف من حالات الاعتقال خلال العقود القليلة الماضية، وبكل صراحة ستبقى هذه الثلمة المخجلة في جبين المقاومة بل والمجتمع الفلسطيني، حتى يتخلى الشاباك عن هذا الأسلوب، وبالطبع هو لن يتخلى عنه بدوافع ضغوط مؤسسات حقوقية دولية أو محلية، أو الفضائح الإعلامية التي يدخل في سياقها هذا المقال، فالمؤسسة الإسرائيلية لا تعترف بلجوئها إلى هذا الأسلوب أصلا، ولكن ما سيدفعه إلى ترك استخدامه هو فشله النابع من وعي جماعي تام به...وهناك بعض المعالم والملاحظات حول موضوع العصافير، أجملها في النقاط التالية:

1) هناك ثقافة عامة عند المعتقلين وذويهم تبرر الوقوع في حبائل العصافير، بل هناك من يكذب ويقول  بنوع من فخر مضحك بأنه لم يعترف عند المخابرات بل جرى خداعه من قبل العصافير؛ وهذا شيء مستهجن ومضحك؛ فأن يدلي المعتقل باعتراف عند ضباط الشاباك تحت ضغط نفسي أو جسدي ربما مستوعب ومقبول أكثر من الاعتراف عند أشخاص يمثلون أدوار المقاومة والبطولة والحرص على المقاومين في الخارج... إلخ، واعتبار الانخداع بهم شيئا يلامس الفخر والاعتزاز...وهنا يجب أن نضع في الحسبان أن عددا لا يمكننا أن نـقدره من المعتقلين لا يقولون الحقيقة تأثرا بهذه الثقافة، أي أنهم أدلوا بالاعتراف عند المحققين، ويزعمون أنهم انخدعوا بالعصافير!

2) وبناء عليه، فإن الشاباك، ولو حفاظا على مراعاة هذه الثقافة شبه العامة عند المعتقلين وذويهم وأصدقائهم، سيجعل العصافير جزءا فاعلا في خطة التحقيق...ولكن هذا لا يعني أن من يقعون فعلا في شراك العصافير قلة قليلة، ولا يفوتنا أن المحققين يحبذون التأكد بأن المعتقل قد أدلى لهم بكل شيء، فيأتي دور العصافير؛ فهي عملية تتداخل وتتفاعل فيها عوامل مختلفة ومتعددة.

3) قد يدخل عدة معتقلين أقسام العصافير مع بعضهم، وربما هم أبناء القضية نفسها أو الملف نفسه، ولكن العصافير لا يسمحون لهم بالجلوس مع بعضهم بطرق خبيثة تعتمد على الانتشار والإشغال، وذلك كي لا يكون أحدهم حذرا فيعرف أنه في أقسام العصافير، فيحذر الآخرين.

4) ومن المضحكات المبكيات أنه قد يكتشف أحد الداخلين إلى قسم العصافير أمرهم فيتمكن، مع صعوبة الأمر، من تسريب الاكتشاف محذرا زملاءه الآخرين، فيقوم أحد الآخرين الذين انخدعوا حتى الثقة المسكرة بالقول للعصافير: هذا يشك فيكم أنكم عصافير، أعينوه على شيطانه!!

5) ثقافة التشبيح المنتشرة في مجتمعنا سبب رئيس في استمرار أسلوب العصافير ونجاحه؛ فالتشبيح في الشوارع والأماكن العامة من الطبيعي أن ينعكس على المعتقل صاحب التجربة الجديدة في تعاطيه مع الممثلين (العصافير)، بل إن التشبيح وصل ببعض المعتقلين إلى أن ينسب لنفسه أمامهم عمليات وأنشطة لا علاقة له بها، وعند عودته من جديد إلى محقق الشاباك يسخر منه قائلا: أنت كذاب، صحيح فعلت كذا ولكن ليس لك علاقة بعملية كذا!!... ولا شك أنكم سمعتم وعايشتم عشرات بل مئات الحالات المشابهة... فالتشبيح أحد سرطانات العمل المقاوم التي ينبغي القضاء عليه.

6) هناك من كان يعطي دورات أو لنقل محاضرات للشباب محذرا من العصافير وأساليبهم فوقع هو عند اعتقاله في أفخاخهم الخادعة... ولله في خلقه شؤون!

7) قد يأتي عصفور إلى زنزانة المعتقل ويحذره من العصافير تحذيرا شديدا، وذلك قبل نقل المعتقل إلى غرفهم، وفي غرفهم سيأتي أحدهم يزعم أنه مسؤول أمني أو ما شابه من تلك الصفات ويحذر المعتقل بأن يتكلم مع أحد حول قضيته الأمنية!

8) العصافير توقفوا عن استخدام العنف الجسدي مع المعتقلين عموما، ولكن هذا ليس حالة دائمة، فمثلا هناك ترجيحات بأن الشهيد عرفات جرادات (تشرين الثاني/نوفمبر 2013م) ضحية من ضحايا العصافير في قسم (11) في سجن مجدو، ربما تعرض لضغط نفسي وجسدي وربما تعارك معهم بعدما كشف أمرهم فقتلوه... والأيام ستكشف الحقيقة...ولكن في غالب الأحيان لم يعد العنف الجسدي أسلوبا معتمدا عند العصافير.

9) هناك وسائل كثيرة للتعرف على العصافير وكشفها، ولكن القاعدة الثابتة والمهمة أن المعتقل ليس مطلوبا منه الكشف عن قضيته الأمنية لكائن من كان، حتى لو كان القائد الأعلى لتنظيم المعتقل.

10) وإدراكا من الشاباك لوعي وحذر كثير من المعتقلين من النقطة السابقة، فإن العصافير يلجؤون لوسائل بديلة أخرى، مثل تهيئة اتصال هاتفي بين المعتقل وأهله أو حتى شخص يعمل معه خارج المعتقل، فتصدر من المعتقل أو ممن يتحدث معه هاتفيا كلمة أو جملة تقود المعتقل إلى جولة تحقيق جديدة بناء عليها، أو قد يطلبون من المعتقل كتابة رسالة عادية لأهله، فيأتي الرد عاديا منهم، وتكون النتيجة ثقة المعتقل بالعصافير، وتصديقه بأن الرسالة نقلت عبر محام أو من خلال أسير مفرج عنه، ونتيجة الثقة بالعصافير معروفة!

11) هناك معتقلون يقولون بأنهم ربما خُدعوا بالعصافير ولكنهم لم يعطوهم معلومة زيادة عن اعترافهم لدى محققي الشاباك، وهذا ربما أخف ضررا، مع أن من صلب عمل العصافير التأكد من أن المعتقل قال كل شيء، علما بأن المعتقل يؤكد بأنه لم يبق في جعبته شيء أصلا؛ وغالبا ما يطلب العصافير من المعتقل تفصيلا بالنشاطات والأسماء التي كشف عنها للمحققين، والتي لم يكشف عنها بحجج مختلفة؛ وفي حال أصر المعتقل على أنه لا شيء آخر يخفيه اتهموه بأسلوبهم التمثيلي بأنه كشف وعرّى تنظيمه وقادته وزملاءه أمام العدو، وأنه كان يجب أن يحافظ على سرّ واحد من الأسرار، وقد يتهمونه بالخيانة والعمالة قائلين: ألا تعلم يا هذا بأن الاعتراف خيانة؟! فينفعل من الاتهام ويكشف لهم شيئا جديدا!

12) قد تتعمد العصافير التعرض بكلمات جارحة لناشط أو مقاوم، غالبا اعتقل حديثا، أو ما زال مرشحا للاعتقال؛ فينبري المعتقل إلى الدفاع عنه بحرارة ظانا أنه يسدي له خدمة بدفاعه!

13) هناك تقصير من التنظيمات في توعية الشبان، سواء المنتظمين في صفوفها، أو الذين ينفذون أعمالا فردية ضمن خلايا تتكون من أصدقاء أو ما شابه، مع أن وسائل التوعية في عصرنا الرقمي كثيرة وجيدة كمّا ونوعا، والمثال الذي ذكرته عمن خدعه العصافير وهو الذي كان يحذر منهم يدل على تقصير ممزوج بالفشل.

14) هناك أمور عدة لكشف العصافير، مع أن الثابت الأهم هو أن المعتقل ليس ملزما أبدا بالحديث عن نشاطه أمام رفاق القيد، تحت أي ظرف، وأيضا محظور على أي معتقل أن يطلب منه معلومات، وعموما هناك بعض المعالم التي ينبغي للمعتقل أن يعرفها؛ فمثلا ليس هناك شيء اسمه (الأمير أو المسؤول الأمني) لدى أي تنظيم فلسطيني في السجون بحيث يسأل المعتقل عن نشاطه، وفي السجون كانتين (دكان) عام ليشتري منه أي معتقل، وليس كانتينا خاصا كما تزعم العصافير، وهناك طريقة لعد المعتقلين في الغرف، خاصة العد الأخير ليلا بحيث يقرأ اسم المعتقل أو عائلته بحيث يسمع ضابط العدد صوته بنفسه، وفي غرف العصافير ما زالوا يمثلون عملية العد بأسلوبها الذي انتهى قبل سنوات طويلة.

15) بناء على النقطة (10) ستقفز أسئلة عدة أهمها: كيف لمعتقل جديد أن يعرف أنه لا يوجد أمير أمني وأن هناك كانتينا عاما؟ وكيف له أن يعرف أن عملية العد مزيفة؟... هنا المسؤولية تقع على عاتق المعتقل شخصيا في الدرجة الأولى؛ فكل فلسطيني معرض لخوض التجربة الاعتقالية، وعليه أن يكوّن تصورا عنها من خلال كتب وروايات وأعمال متلفزة، ومن خلال سماع تجربة من خاضوا التجربة، مع أنهم كما قلت ليس بالضرورة أن يقولوا الحقيقة، ولكنهم بالتأكيد سيعطون تصورا ممزوجا بتحذير وتوعية من خلال تجربتهم، وفي هذا السياق أتذكر أن أحد الأسرى السابقين قبل حوالي 20 سنة من كثرة أسئلتي له قال لي: شو سري، أنا شايفك بدك تفتح معي تحقيق جديد!... ولكن هناك شبان يستهترون بالأمر ولا يحاولون التعلم البتة، وفي الدرجة الثانية على المحيط الأسري والتعليمي، وأرى أنه لا ضرر من إعطاء دروس في المدارس الثانوية والجامعات حول العصافير، وحتى أن تخصص خطب ودروس في المساجد حول الموضوع.

16) ويجب أن أعيد التأكيد على أن العصافير أسلوب ثابت بتكتيكات قد تتغير، فلا يعتمد على ما ذكرته في النقطة (10)، فقد يطور العصافير أسلوبهم بأن هناك كانتينا عاما، ويستوحوا أسلوب عد المعتقلين كما هو موجود في الأقسام العادية، وكل ما هو مألوف عنهم قد يغيرونه؛ فمن وصل بهم الحال إلى تمثيل عملية إبعاد إلى لبنان لخداع معتقلين كي يدلوا بما لديهم من معلومات، لا يستبعد أن يطوروا أدواتهم... والثابت الوحيد الذي أمام المعتقل هو ما ذكرناه: لست ملزما بالحديث عن نفسك لأي معتقل.

إجمالا هذه أهم معالم موضوع العصافير التي يجب أن يعلمها جميع الفلسطينيين، وإنه لمن العار أن يظل المعتقل الفلسطيني ضحية خداع من يسكنون غرف العار!