مقابلات

محمد الإبياري: الغرب بين ناري فشل السيسي وغياب البديل

لا يتوقع الإبياري حدوث تغيير في السياسات تجاه السيسي ونظامه قريبا - أرشيفية
* اللوبي الإسرائيلي هو الداعم الأكبر للمعاونة العسكرية الأمريكية للجيش المصري
* حادث الطائرة الروسية هز ثقة الكثيرين في نظام السيسي
* أقرب حلفاء السيسي لا يرسلون له الآن أي مساعدات إضافية رغم طلباته
* لا توجد أي مؤامرت خارجية ضد السيسي لأنه ينفذ كل طلبات الغرب

كشف عضو مجلس الأمن الوطني الاستشاري في الولايات المتحدة الأمريكية، محمد الإبياري، عن أن اللوبي الإسرائيلي في أمريكا هو الداعم الأكبر للمعونة العسكرية الخاصة بالجيش المصري، لافتا إلى وجود تغيير "كبير" في آلية التعامل مع هذه المعونة خلال الفترة الأخيرة.

وأشار في حوار خاص مع "عربي 21"؛ إلى أن صورة رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي بدأت تتآكل، بسبب تفاقم المشكلات والأزمات، حتى إن اليمين المتعصب في أمريكا، الذي كان متحمسا بشدة للسيسي في البداية، تراجع حماسه؛ لأن السيسي لم يحقق أي شيء مما تحدث عنه على أرض الواقع.

وأضاف الإبياري: "السيسي قال إنه سيغير الدين الإسلامي في مصر، وسيقضي تماما على الإسلام السياسي، وسيزداد دعمه للأقليات، ووعد بإنهاء حكم حركة حماس في غزة، والقضاء على الحركات المتشددة في ليبيا، لكنه فشل، ولم يغلق أي ملف من هذه الملفات الواسعة، ولم يحصلوا منه على شيء سوى حصار غزة فقط".

وتوقع عدم وجود تحرك من الإدارة الأمريكية أو الغرب ضد السيسي، حتى تحدث خطوة قوية من داخل الشعب المصري نفسه أولا، وإذا ما حدث ذلك، فسوف يمارس الغرب ضغوطا لإجبار الجيش على الإطاحة بالسيسي، مؤكدا أن السيسي في أواخر أيامه الأولى، وليس في أوائل أيامه الأخيرة.

وعقب أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 التي وقعت في أمريكا، أصدر الرئيس جورج بوش الابن قرارا رئاسيا بتكوين مجلس الأمن الوطني الاستشاري في الولايات المتحدة الأمريكية، ليكون هو المعني بتقديم تصورات حول السياسات الأمريكية الخاصة بحماية الأمن الوطني الأمريكي، بعيدا عن المواقف السياسية.

وإلى نص المقابلة كاملة:

* وكالة أنباء أسوشيتد برس قالت إن مشكلات مصر تتسبب في تآكل صورة السيسي.. فهل تتفق معها؟

- بالتأكيد، فالمشكلات والأزمات تتفاقم بشكل مستمر، حتى إن اليمين المتعصب في أمريكا، الذي كان متحمسا بشدة للسيسي في البداية، بعدما قال إنه سيغير الدين الإسلامي وسيقضي تماما على الإسلام السياسي (وخاصة جماعة الإخوان)، وسيزداد دعمه للأقليات.. تراجع هذا الحماس، لأن السيسي فشل في ذلك ولم يحقق أي شيء بما تحدث عنه على أرض الواقع.

كما أنه وعد بإنهاء حكم حركة "حماس" في غزة، والقضاء على الحركات المتشددة في ليبيا، لكن فشل في ذلك أيضا، والسيسي لم يغلق أي ملف من هذه الملفات الواسعة، فلم يحصلوا منه على شيء سوى حصار غزة فقط.

وفي الوقت نفسه الصحافة الغربية تتحدث عن حالة قمع كبيرة في مصر، ولذلك لا يستطيع أن يدعي أنه شخص حضاري ومؤمن حقا بالسلام والتعايش، في الوقت الذي يقتل فيه ويعتقل ويعذب بعض المصريين.

* ولماذا هناك عداء شديد من اليمين المتعصب في أمريكا لجماعة الإخوان المسلمين تحديدا؟

- لأنه يرى أن "الإخوان" من الجماعات النشيطة، التي لها وجود خارج الدول العربية، وهذا يبني لهم قوة في الغرب، وقد يكون له تأثير على السياسات الغربية، وهو ما سينعكس على الموقف من الشرق الأوسط وفي القلب منه إسرائيل.

* كيف تنظر لاتهامات نظام السيسي المتكررة للإخوان بأنهم السبب الرئيسي لكل مشكلات مصر؟

- هي اتهامات عبثية لا محل لها من الإعراب، سوى "محاولة خائبة" منه لتعليق فشله الذريع على جماعة الإخوان ولتبرير قمعه غير المسبوق.

* كيف تنظر لموقف الغرب من دعم السيسي؟

- الغرب في حيرة وورطة، أو يمكن القول إنه "بين نارين"، الأولى دعم السيسي الذي تأكدوا أنه غير مناسب وغير كفء لتنفيذ ما يريدونه بشكل جيد، وبالتالي أصبح ورقة ليست رابحة بالنسبة لهم، خاصة على المدى البعيد.

والثانية هي غياب البديل الملائم، فالكثير من المسؤئولين في الإدارة الأمريكية يقولون إنه لا يوجد بديل حاليا، ومصر ليس بها أي مؤسسة حقيقية بخلاف الجيش، خاصة أن أساس العلاقة بين القاهرة وواشنطن عسكرية بالدرجة الأولى.

والسيسي كان يود أن يظهر باعتباره رجل المنطقة، وأن يكون قائدا لجيش عربي مشترك مدعوم من الغرب، لكن بعد حادث الطائرة الروسية وما جرى في فرنسا أصبح الغرب يفكر في ضرورة أن يحارب بنفسه في المنطقة، وليس من خلال وكلائه.

والغرب وحتى أقرب حلفاء السيسي لا يرسلون له أي مساعدات إضافية - رغم طلبه ذلك - لتأكدهم الآن أنه لم ولن يكون له أي دور قيادي في الشرق الأوسط، وأن اقتصاده يضعف أكثر فأكثر يوما بعد الآخر.

* هل كان لحادث الطائرة الروسية تأثير على علاقة الغرب بالسيسي؟

- حينما سقطت الطائرة الروسية في سيناء انتشر الخبر تماما وكل الغربيين علموا به، وتمت مناقشته على أوسع نطاق، ومعظم المسؤولين الأمريكان كانوا في حالة ذهول مما حدث، وهذا الحادث هز ثقة الكثيرين بقدرة نظام السيسي على حماية مصالحهم.

* وهل تتدخل روسيا عسكريا في مصر من وجهة نظرك؟

- هناك الكثير من المحللين في مجال مقاومة الإرهاب يعتقدون أن روسيا قد ترسل قوات خلال الفترة المقبلة إلى سيناء، لكني لا أتوقع ذلك، لأن موسكو لديها مشكلات أكبر وأهم ينبغي عليها حلها أولا، وخاصة الأزمة السورية.

* أنصار السيسي يتحدثون عن وجود مؤامرة خارجية ضد نظامه.. ما تعقيبك؟

- هذا كلام ساذج وسطحي للغاية، ويتم تصديره للاستهلاك المحلي، لمحاولة التغطية على فشلهم وعجزهم، وهذه طريقة تافهة وغير منطقية أو واقعية، فلا توجد أي مؤامرات غربية ضده كما يزعمون، خاصة أن حكومة السيسي تنفذ كل طلبات الغرب وتحافظ كثيرا على مصالحه.

* وسائل الإعلام المصرية دائما تروج لأن السيسي يخوض حربا شرسة ضد أمريكا وأنه عدوها الأول.. ما تعليقك؟

- هذا أيضا حديث سخيف ومضلل، ومنذ أن سحب رئيس الولايات المتحدة الأسبق دوايت أيزنهاور الدعم الأمريكي للسد العالي في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والنظام المصري يحاول شيطنة أمريكا ويزعم أنه يرتدي ثوب المعارضة لها، بينما الواقع يقول غير ذلك تماما، فالحكومة المصرية لا تمس المصالح أمريكية بأي سوء، ودائما ما تستجيب لكل طلبات واشنطن.

* برأيك، لماذا عادت المعونة العسكرية الأمريكية الكاملة للجيش المصري مؤخرا؟

- اللوبي الإسرائيلي بأمريكا هو الداعم الأكبر لهذه المعونة، ولذلك لن تتوقف مرة أخرى، لكن حدث مؤخرا تغيير كان هو الأقوى من إيقاف المعونة خلال العامين الماضيين، فقد كان مسموحا للقاهرة أن تتعامل مع المعونة وكأنها كروت ائتمانية تتيح لها شراء أشياء بمبالغ كبيرة دون أن تدفعها، باعتبار أنها ستحصل على المعونة في العام المقبل، إلا أن أوباما أوقف هذا الأمر تماما، وحدّد أوجه إنفاق المعونة.

* ماذا لو تم تهديد المصالح الأمريكية في مصر؟

- هذا يتوقف على نوع ودرجة التهديد، فلو اندلعت مظاهرات سلمية أمام مقرات المصالح الأمريكية بمصر، فستنصح الحكومة الأمريكية النظام المصري بأن يحاول إحداث إصلاحات أو حل ما، أما إذا كانت هناك أعمال عنف أو إرهاب ضد مصالح أمريكا، فستقف أمريكا مع نظام السيسي وستزيد تعاونها ومساعداتها له.

* برأيك، متى يتخلى الغرب عن السيسي مثلما فعل مع حسن مبارك؟

- لا أتوقع تحركا من الإدارة الأمريكية أو الغرب ضد السيسي، حتى تحدث خطوة قوية من داخل الشعب المصري نفسه أولا، وإذا ما حدث ذلك فسوف يمارس الغرب ضغوطا لإجبار الجيش على الإطاحة بالسيسي.

* وما هي طبيعة هذه الخطوة وفق تقديرك؟

تحرك واسع وحاشد من فئات كثيرة وبأعداد كبيرة من المجتمع، خاصة في القاهرة، وأعتقد لو حدث اعتصام آخر في مصر فلن يتم فضه مثلما حدث في رابعة، لكن السيسي سيظل جاثما على صدور المصريين إلى أن تندلع مظاهرات عارمة وغاضبة تفرض نفسها على الجميع في الداخل والخارج.

* ومتى تتوقع حدوث هذه الخطوة، خاصة أننا مقبلون على الذكرى الخامسة لإحياء ثورة يناير؟

- أعتقد أنها لن تكون خلال الأيام الحالية، بل ستأخذ مزيدا من الوقت، خاصة أن الطبقة الوسطى غير مستعدة حاليا للنزول بأعداد كبيرة إلى الشوارع، لكن من الصعب جدا أن تستمر هذه الأوضاع بشكلها الحالي لسنين، إلا أن التغيير قد يحدث في أي وقت، وأرى أن السيسي في أواخر أيامه الأولى، وليس في أوائل أيامه الأخيرة.

* وماذا عن موقف الإدارة الأمريكية من المعارضة المصرية؟

- هناك قنوات اتصال بين أمريكا والمعارضة المصرية من كل الاتجاهات، وحدثت مقابلات مع بعضهم بالفعل، وهناك مسؤولون في الإدارة الأمريكية نصحوا المعارضة أن يظلوا على اتصال دائم بها؛ لأنها حريصة على التواصل مع الجميع سواء في الحكم أو المعارضة، إلا أنها لا تتبنى موقفا مؤيدا لتيار معارض ضد النظام.

* ولماذا تحرص أمريكا على هذا التواصل مع المعارضة؟

- لأنها متأكدة أن الأوضاع في مصر قد تتوتر أو تضطرب ويحدث بها ذبذبة في وقت ما، وهي تود أن تكون منفتحة على الجميع تحسبا لأي سيناريو، وحتى يكون لديهم فهم كامل للصورة، وقبل ذلك من أجل حماية مصالحهم.

* وبالتالي، فلماذا لا تتوقع حدوث تغيير ما في سياسة واشنطن في الوقت الراهن؟

- أستبعد ذلك، خاصة أنه في آخر عامين لكل إدارة أمريكية (ونحن في آخر عامين للرئيس أوباما)، تكون الخطوات الجديدة أو الجريئة قليلة جدا.

* كيف ترى التظاهرات الاحتجاجية التي اندلعت عقب فض رابعة ومدى تأثيرها؟

- رغم أن تأثيرها لم يكن كبيرا، إلا أنها قلّلت حجم التطرف الذي كان قد يحدث عقب مجزرة فض الاعتصامات، وقد أظهرت للإعلام الغربي أن الإخوان والإسلاميين مستمرون في حراكهم السلمي، وأنهم ليسوا إرهابيين، لأنه لا يوجد إرهابي واحد في العالم يشارك في مظاهرات سلمية.

* الصحفي البريطاني ديفيد هيرست قال إن أوباما طلب من السيسي عدم فض اعتصام رابعة بالقوة.. فهل لديكم معلومات بشأن هذا الأمر؟

- ليست لدي معلومات دقيقة بشأن ما قاله هيرست، إلا أن السيسي نفسه اعترف في الصحافة المصرية بأن السفيرة الأمريكية السابقة في القاهرة، آن باترسون، طلبت منه أن ينتظر يومين قبل انقلاب 3 يوليو، لأنها كانت تحاول حل الأزمة دبلوماسيا، لكنه لم يفعل.

وأمريكا كانت تريد الوصول لاتفاق وتسوية ما، حتى لا يتم خلع مرسي من خلال فئة واحدة من المجتمع وكي لا يحدث فض بالعنف للاعتصام، خاصة أننا رأينا كيف كانت نتائج أكثر من 100 انقلاب عسكري منذ الحرب العالمية الثانية، فأمريكا ترى الآن مصالحها مؤمنة حاليا، ولو بشكل مؤقت، لكن لديها قلق من حدوث أي تهديد مستقبلي لها.

* هل تتغير مواقف المؤسسة العسكرية والدولة العميقة الداعمة للسيسي؟

- هؤلاء أصحاب مصالح، وكل ما يهمهم هو حماية مصالحهم، وأن يتم توزع كعكة السلطة والثروة عليهم، لكن يبدو أن هناك خلافات بينهم. فرغم محاولتهم الإيحاء بغير ذلك وأنهم يدا واحدة، إلا أنهم ليسوا على قلب رجل واحد، وحينما يشعر هؤلاء أن مصالحهم مهددة، سوف يجبرون على تغيير المعادلة. فمصطلح "تهديد المصالح" هو كلمة السر سواء في الداخل أو الخارج.

والمؤسسة العسكرية لها مصالح ومواقف وحسابات مختلفة عن مؤسسة الرئاسة، وحال حدوث غضب مجتمعي كبير سيضطرون (العسكر) للإطاحة بالرئيس، وهذا هو السيناريو الأكثر توقعا.

وهناك تقارير غربية تتحدث عن أن الحركات الجهادية منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو استطاعت تجنيد أشخاص من داخل الجيش والشرطة، وهناك انفلات أمني داخل الجيش على مستوى الجندي، ولا أحد يعلم هل ستستطيع المخابرات العسكرية السيطرة على هذا الأمر الخطير أم لا، وهذا يبعث أيضا برسالة قلق لحلفائه (السيسي).

* السيسي يقول إنه يحارب "الإرهاب" وأنه يجب على الغرب دعمه، في حين يراه آخرون هو مصدر هذا "الإرهاب" الذي لم يكن موجودا قبل انقلابه.. كيف ترون ذلك؟

- السيسي يحارب بالفعل بعض من يمكن وصفهم بالإرهابيين، لكن سياساته القمعية والاستبدادية في الوقت نفسه تصنع الإرهاب وتعذي التطرف، ومصر هي أكثر الدول التي صدرت متطرفين للعالم، بعدما خرجوا من السجون والمعتقلات التي تعرضوا بداخلها لتعذيب نفسي وبدني، فالسجون هي البيئة الخصبة التي ينشأ بداخلها التطرف.