قضايا وآراء

دلالات فوز الإسلاميين في الانتخابات المغربية الأخيرة

1300x600
أكدت نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية المغربية الأخيرة (04 سبتمبر/أيلول 2015) فوَزَ "حزب العدالة والتنمية" ذو المرجعية الإسلامية، بموقع متميز في مراتب تشكيل مجالس الجماعات المحلية  (البلديات) والجهات. فقد كان نصيبُه من المقترِعين المصوِّتين مليوناً ونصف المليون، بنسبة 94.15% من مجموع المقترعين متصدرا بذلك المرتبة الأولى من حيث عدد الأصوات، والثالثة على مستوى المقاعد، التي وصلت 5021 مقعدا. أما حظه من الجهات، فقد شكل المفاجأة حين ظفر بأهم الحواضر والمدن الكبرى في المغرب، منتزعا بذلك رئاسة خمس جهات من أصل اثنتي عشرة جهة، هي مجموع الجهات الحالية في المغرب.

جدير بالإشارة أن اقتراع 04 سبتمبر/ أيلول 2015 هو الأول في ظل الدستور الجديد لعام 2011، وهو كذلك الأول في ظل حكومة يقودها الإسلاميون، وهو الأول في سياق تنظيم جهوي جديد يسعى المغرب لأن ينقل البلاد إلى توزيع جديد للسلطة بين المركز والجهات، أي بين الدولة و الولايات والمحافظات. ولأنه اقتراع من هذا الحجم والطبيعة، فقد شهد تقدما نسبياً على مستوى المشاركة التي وصلت  67.53%، مقارنة مع تلك التي سبقتها عام 2009، والتي لم تتجاوز  52.04%، أما الأحزاب المتنافسة فوصلت تسعاً وعشرين حزبا ممثلة لمختلف أشكال الطيف السياسي.

الآن وبعد الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات، واستكمال تشكيل مجالس الجماعات المحلية ومجالس الجهات، كيف نقرأ فوزَ الإسلاميين، أي حزب العدالة والتنمية، ونُفسر دلالات تقدمهم الانتخابي؟، وما هي الآثار التي ستكون لهذا الظفر على الاستحقاق الانتخابي المقبل، أي انتخاب مجلس النواب عام 2016؟

لاشك أن أهم حدث في ما أسفرت عنه نتائج الانتخابات المغربية الأخيرة محافظة "الإسلاميين" على موقعهم في خريطة الانتخابات، وهو ما يعني بلغة سياسية واضحة حصول قبول من قبل شرائح مهمة من المجتمع المغربي لأدائهم الحكومي، وإلا لحصل العكس وتمت مواجهتهم من قبل الناخبين بتصويت عقابي. والحقيقة أنهم لم يحافظوا على شعبيتهم فحسب، بل وسعوا دائرة استقطابهم ونفوذهم، حيث تمكنوا من الانتقال من المرتبة السادسة في انتخابات البلديات عام 2009 إلى الثالثة في الاقتراع الأخير (2015)، وتصاعد تقدمهم في الانتخابات التشريعية العامة، من تسعة مقاعد في أول مشاركتهم في 1997، ليصلوا المرتبة الأولى في اقتراع 2011 بـ107 مقاعد.. نحن إذن أمام حزب سياسي يُقوي موقعه بانتظام، ويعظم فوزه باستمرار، والأرقام واضحة ودالة إذا اعتمدنا الانتخاب لحظة ومؤشرا للقياس.

أجمع المراقبون للشأن السياسي المغربي والمتابعون لانتخاباته الأخيرة على أن ثمة مصفوفة من المحددات أسعفت "الإسلاميين" في أن يجتازوا اختبار التصويت باقتدار، وأن يثبتوا أنهم قادرون على إقناع نسبة مهمة من الجسم الانتخابي برجاحة خطابهم السياسي، وشعاراتهم الانتخابية، والأكثر دلالة وأهمية أكدوا على أن الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية التقشفية التي أقدموا عليها ودافعوا على ضرورتها منذ رئاستهم الحكومة الائتلافية عام 2011 وحتى الآن لم تُضعف شرعيتهم، بل لقيت تفهما وتقديرا ربما حتى من قبل الفئات الاجتماعية الأكثر تضررا من آثارها.

يتصدر مصفوفة هذه المحددات شعور عدد من الناس بأن "حزب العدالة والتنمية" في ضوء الموجود من الأحزاب، لاسيما  تلك التي خرجت من عباءة الدولة، أو ظلت مستظلة بظلها، يتميز بنظافة اليد، وأن ماضيه موسوم بوسام الصلاح، و أن "الإسلاميين" قادرون على تشكيل بديل أفضل مما هو قائم وموجود الآن.. والدليل أن قسماً واسعا من الطبقة الوسطى صوت لصالحهم في الحواضر والمدن الكبرى، ودعم برامجهم وحملاتهم الانتخابية. بيد أن نظافة اليد لم تكن المحدد الوحيد في تفسير مصادر فوز              " الإسلاميين"، بل هناك عامل آخر لا يقل وزنا وأهمية، يتعلق بواقع المعارضة وحجم قوتها في التأثير في توازنات التنافس الانتخابي الأخير. فقد كشف الاقتراع الأخير عن وجود معارضة مترهلة، تآكلت شرعيتها بفعل توتراتها الداخلية، وعجزها عن تطوير أطروحاتها وأساليب عملها، كما هو حال بعض الأحزاب الاشتراكية وتنظيمات اليسار، وإلى حد ما، بعض أحزاب الوسط و وسط اليمين على الرغم من قدمها، من قبيل حزب الاستقلال على سبيل المثال. لذلك، لم يواجَه " الإسلاميون" بمعارضة منظمة، قوية، وموحدة، بل بالعكس وجدوا سياقاً حزبياً منحهم قوةً أكثر، وأمدهم بكل حظوظ الفوز.

ومع ذلك، لابد من الإقرار بأن " الإسلاميين"، وهذا محدد آخر لتفسير فوزهم، امتلكوا قدرة على التنظيم، ورصّ الصفوف، وإدارة الحملة الانتخابية بخطاب سياسي بسيط، لكن قادر على اختراق فئات واسعة من الناخبين، وأكثر من ذلك حظوا بكفاءة ملموسة على استمرار إقناع المواطنين بأن لحظتهم السياسية هي لحظة إصلاح بامتياز، وأنهم سائرون على هديه، وأن الإصلاح هو، بكل المقاييس، الأفق الأنجع لضمان استقرار البلاد، وتجنيب العباد مسار الفتنة التي طالت بلدانا عربية كثيرة.. وقد لا يبالغ المرء بالقول إنهم بهذا الفوز رسموا طريق فوز آخر في الانتخابات التشريعية القادمة لعام 2016.