مقالات مختارة

أوسلو بأسماء مستعارة

1300x600
كتب خيري منصور: لو كان إدوارد سعيد حيا وشاهد خطاب "أبو مازن" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لأصابته الدهشة من العودة إلى ما قاله وتعرض للاستهجان عام 1994، فقد وصف سعيد أوسلو بأنه فرساي فلسطينية، وقال إن الثالث عشر من أيلول هو يوم حداد وطني في فلسطين، وهو اليوم الذي شهد اتفاقية أوسلو.

لقد حمل أوسلو أسماء مستعارة عدة، ونادرا ما يسمى باسمه الحقيقي، رغم أن أي إشارة إلى اتفاقيات سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين تصرف الانتباه على الفور إلى الثالث عشر من أيلول عام 1993، والمسألة الآن ليست مجالا مناسبا للسجال حول جدوى تلك الاتفاقية أو جديّتها، فالماء كما يقال يكذب الغطاسين، وما فعلته سلطات الاحتلال على امتداد عقدين من الزمن ليس سوى امتداد لما فعلته منذ أكثر من ستة عقود.

فلا الاستيطان توقف، ولا السجن والقتل الذي لم يسلم منه حتى الأطفال الرضع. وحين أصدر إدوارد سعيد كتابه في نقد أوسلو تعرّض لنقد لاذع حتى ممن لم يقرأوا الكتاب، وتطاول على الرجل أناس لم يقرأوا له حرفا واحدا من كل ما كتب، فهل كان إدوارد زرقاء اليمامة التي رأت عن بعد ما لم يراه الآخرون؟

ما قاله أبو مازن أثار لدى قادة سياسيين وجنرالات في الدولة العبرية ردود أفعال لا تختلف إلا من حيث درجة حرارتها في الهجاء السياسي، وهذا ما يحدث عادة في إسرائيل عندما يتم اختبار الخلافات السياسية لدى أحزاب وقوى وتيارات، إذ سرعان ما تأتلف كلها في موقف واحد، يتسم بالراديكالية فتضيع الحدود بين يمين ويسار وبين متطرف ومعتدل.

لكن ما يحدث على الصعيد الفلسطيني ليس كذلك، فما من مناسبة مهما بلغت من الجدية تنجح في توحيد المواقف، لأن التعامل الفصائلي مع قضية وطنية جذرية وشاملة ينتهي بالضرورة إلى حسابات خاصة.

تذكرت إدوارد سعيد الذي رأى عن بعد ما لم يره الكثيرون، وتذكرت بكثير من الأسى الحملة التي استهدفت الرجل، ومنها ما بلغ حدّ التخوين.

إن أسماء أوسلو المستعارة هي التي كانت سببا في التباسات عديدة، ما أدى إلى موته وحرمانه من الدفن عشرين عاما، حتى زكمت رائحته الأنوف.

(عن صحيفة الدستور الأردنية، تشرين الأول/ أكتوبر 2015)