مقابلات

محسوب لـ"عربي21": نجحنا بتشكيل مظلة افتراضية بين ثوار يناير

وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية الأسبق محمد محسوب - أرشيفية
نعمل على صياغة رؤية موحدة وسيناريو لكيفية الانتقال إلى الديموقراطية

مطالبة جهات إقليمية ودولية بالتدخل لوقف الإعدامات لن يكون لها تأثير

قمع الانقلاب أدى إلى احتقان شعبي ويؤسس لعشر ثورات وليس لثورة واحدة

السيسي هو المصدر الرئيس للأزمة.. واستبعاده يفتح باب الوصول لحل عادل وشامل

"الإخوان" حسمت خيارها بالقبول بمرحلة انتقالية تقوم على المشاركة

ما يحدث في سيناء إهانة لتاريخ العسكرية المصرية وكارثة على تماسك الدولة

كشف وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية في وزارة هشام قنديل، الدكتور محمد محسوب عن أنه نجح، بالإضافة إلى آخرين، في التوصل إلى ما يمكن وصفه بالمظلة الافتراضية التي تضم قوى سياسية ثورية ووطنية، بعضها كان مؤيدا للانقلاب ثم أصبحت اليوم تنادي بضرورة وحتمية التغيير الجذري لإسقاط هذا النظام.

ولفت محسوب في حوار خاص لـ"عربي21"، إلى أن هناك جهودا تُبذل وتحركات مستمرة لبناء مظلة تنسيقية من الاصطفاف الوطني، يمكن أن يكون لديها رؤية موحدة وخطة بديلة وسيناريو لكيفية الانتقال إلى مرحلة من الحرية والديموقراطية والعدالة.

وأوضح محسوب، الذي يشغل منصب نائب رئيس حزب الوسط، أن قمع النظام المتواصل أدى لانفضاض أي حاضنة شعبية عنه، وإلى اتساع الحاضنة الرافضة له، مؤكدا أن ما تراكم خلال العامين الماضيين من انتهاكات "بشعة وفساد مستشر، رسّخ لاحتقان شعبي يؤسس لعشر ثورات وليس لثورة واحدة"، على حد قوله.

وشدّد على أن "السيسي" لا يمكن أن يكون طرفا في أي حل، لأنه "المصدر الرئيس للأزمة ولكافة الكوارث التي تضرب الدولة المصرية كل يوم"، مضيفا أن استبعاده سيفتح الباب للتواصل بين كل القوى السياسية والوطنية ومؤسسات الدولة، بحثا عن حل عادل وشامل.

ورأى أن المطالبات التي توجه لجهات إقليمية ودولية بالتدخل لوقف تنفيذ أحكام الإعدامات لن يكون لها تأثير، لأن الغرب يفضل أن تعيش البلاد العربية في الحالة الاستبدادية، ليضمن بقاءها في دائرة الضعف والتبعية.

كما أن المنظومة الإقليمية تتصف بالاستبداد وتقلق من التحولات الديموقراطية، متوقعا عدم تحرك المجتمع الدولي والإقليمي لوقف أحكام الإعدامات، فضلا عن أن الانقلاب في حالة من الجنون والعته، بحسب وصفه. 

نص المقابلة كاملا: 

* وزير خارجية ‏سويسرا طالب مصر مؤخرا باتخاذ إجراءات قضائية صحيحة لاسترداد أموال الرئيس المخلوع حسني مبارك، وطالب بإقامة دعوى قضائية للحصول على هذه الأموال، مثلما حدث من قبل مع نيجيريا والفلبين.. فكيف تنظر إلى ملف أموال نظام مبارك المهربة للخارج وأنت كنت أحد المسؤولين عن إدارة هذا الملف سابقا؟

- بداية، لم أكن مسؤولا عن هذا الملف في يوم ما، ولم يكن أي ممن ينتمي لثورة يناير عضوا في أي لجنة رسمية لهذا الغرض؛ بل كنت أحد أعضاء لجنة شعبية لاسترداد الأموال المهربة هي "المجموعة المصرية لاستعادة ثروة الشعب المنهوبة"، وهي قائمة حتى اليوم، وإجراء بعض الدول تجميدا لأرصدة مبارك و19 شخصية من أركان حكمه، لم يأت بطلب أي جهة حكومية، وإنما بطلب لجنتنا الشعبية، وأُبلغنا مثلاً بالتجميد يوم 12 شباط/ فبراير 2011 (اليوم التالي لتنحي مبارك) من السلطات السويسرية. 

أما اللجنة الرسمية، فقد نشأت بقرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإغلاق الباب أمامنا في نيسان/ إبريل 2011 ومراسلة كافة الدول بالتعامل فقط مع اللجنة الرسمية؛ وهي مشكلة من رئيس جهاز الكسب غير المشروع رئيسا وعضوية قضاة آخرين. بمعنى أنها مكونة من قضاة فقط. وتبين أنها نشأت لمنع تقدم ملف استرداد الأموال ولمنع أي تحقيقات جدية بهذا الشأن وللامتناع عن مخاطبة الدول للبحث والتقصي والكشف وتجميد الأموال المهربة؛ وهو ما تحقق حتى وقع الانقلاب وجرى تبرئة كل أركان "مبارك"، وأصبح حديث الدولة بعد الانقلاب عن استرداد أي أموال مهربة كذبا مفضوحا بعد أن أغلقت الملف وأنهت أي احتمال حالي لأي استعادة لأي أموال مهربة من أموال الشعب.

ومع ذلك، فمن واجبي أن أقول للشعب المصري إن أمواله المهربة لن تضيع، فبمجرد سقوط الانقلاب يمكن البدء بشكل جدي وحرفي في استرداد الأموال، لأن هذه الحقوق لا تسقط بالتقادم - وفقا لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد- ولا يضيع حق وراءه مطالب.

* انسحبتم من التحالف الوطني لدعم الشرعية بحثا عن ما وصفتموه بـ "المظلة الأوسع للقوى المناهضة للانقلاب".. فهل فشلتم في الوصول لهذه المظلة؟

- على العكس، نجح حزب الوسط في التواصل مع قوى كانت مؤيدة للانقلاب في البداية والآن هي رافضة له، وهناك ما يمكن وصفه بالمظلة الافتراضية التي تضم قوى سياسية ثورية ووطنية بعضها كان مع الانقلاب ثم اكتشف أنه كارثة حاقت بالوطن فابتعد عنه، وهناك جسور تواصل وثقة نجح في بنائها حزب الوسط وغيره من القوى الوطنية، مثل حزب غد الثورة بزعامة الدكتور أيمن نور.

وبعدما كانت تطالب بعض القوى - مثل حركة شباب 6 أبريل وغيرها- بإصلاحات وتغييرات من داخل سلطة الانقلاب وتكتفي بالمعارضة، فقد أصبحت اليوم تنادي بضرورة وحتمية التغيير الجذري لإسقاط هذا النظام، والخطوة التالية هي السعي لبناء مظلة تنسيقية من الاصطفاف الوطني في مواجهة سلطة قمعية فاسدة يمكن أن يكون لديها رؤية موحدة وخطة بديلة وسيناريو لكيفية الانتقال إلى مرحلة من الحرية والديموقراطية والعدالة.

* وما الذي يحول دون الوصول لهذه المظلة التنسيقية؟

- الجهود تُبذل والتحركات مستمرة، وكانت هناك بعض الخلافات في السابق حول فكرة إسقاط سلطة القمع والفساد القائمة أم المطالبة بإصلاحات محدودة في إطارها، بينما انحسر الخلاف الآن في مرحلة ما بعد إسقاط الانقلاب وتفاصيلها، ولا أخفي سرا أن ثمة توافق مبدئي على أن المشاركة السياسية هي الشكل الأوفق والأكثر مناسبة لاستعادة التعايش والتماسك الوطني والتأسيس لديموقراطية تنافسية في مجتمع يؤمن بقيم الحرية وتسوده مبادئ العدالة الاجتماعية ولا يُفرط في حقه في اختيار من يحكمه وفرض ما يرغب فيه.

* عامان على الحراك الثوري داخل وخارج مصر.. فما الذي حققه حتى الآن؟ وما هو مستقبله؟

- هذا الحراك الثوري أصبح أوعى وأنضج وله رؤية أوسع وأشمل، وقد أبقى هذا النظام محاصرا في ثوب الانقلاب وليس في ثوب الدولة،  فرغم مرور عامين على الانقلاب إلا أنه لا يزال يعاني من أزمات الشرعية والثقة الإقليمية والدولية فيه، بل وفقد الثقة التي كان اكتسبها من بعض القطاعات الشعبية تحت تأثير الخداع الإعلامي، وهو اليوم لا يختلف عن يوم 26 تموز/ يوليو 2013، يبحث عن مجازر لترويع الشعب، ويسعى بكل سبيل لتقييد الحريات والعصف بالحقوق، لأنه يخشى من أي صوت معارض، أو حتى من كل دعاء على الظالمين، كما حصل مع الشيخ محمد جبريل في دعاء ليلة القدر. كل ذلك لا يُنبئ عن نظام ثابت بل مهتز، ولا عن سلطة شرعية، بل قمعية.

هذا القمع المتواصل أدى لانفضاض أي حاضنة شعبية للسلطة القمعية، وإلى اتساع لتلك الحاضنة للفريق المطالب بالتغيير واستعادة المسار الديموقراطي والباحث عن تحقيق العدالة الاجتماعية.

وما تراكم خلال سنتين من القمع المكثف والفساد المستشري من احتقان شعبي يؤسس لعشر ثورات وليس لثورة واحدة، وبالتالي نحن أمام مخاض لثورة شعبية تتسع رقعتها يوما بعد يوم، ويحاول الانقلاب تأخيرها بافتعال أعمال إرهابية، لكنها تجاوزت قدرته على تقييدها فضلاً عن وأدها. 

* هل ترى أن الترويج لتنفيذ أحكام الإعدام قريبا يأتي فقط في إطار الحرب النفسية أم إنه سيقدم على ذلك بالفعل؟ 

- الانقلاب يتبنى سياسة الصدمة والرعب والتخويف منذ البداية، وكان يقصد التخلص من جزء كبير من شباب الحركة الإسلامية والقوى الأخرى الرافضة له ولإرسال رسالة لبقية المجتمع مفادها أن من يتحرك ضده سيلقى هذا المصير الدموي، وهو يستخدم هذه السياسة ضد الجميع الآن، كما أن إعلام الانقلاب ذاته يروج لعمليات التعذيب والقتل والاغتصاب لتكون رسائل تخويف لكل المجتمع.

وأحكام الإعدامات وتنفيذ بعضها مثل الإسراع بإعدام شباب عرب شركس – رغم عدم استكمال مراحل المحاكمة- كانت بغرض القتل وردع الآخرين ومحاولة بناء جدار الخوف لدى عموم الشعب، وهذه السياسة وإن نجحت جزئيا في بناء جدار الخوف لدي بعض الفئات في المجتمع بل وبعض رموز العمل المدني أو السياسي، فإنها في المقابل نجحت نجاحا مذهلاً في إحداث قدر هائل من الاحتقان، حتى وإن كان بعضه مكبوتا، فإنه ينتظر لحظة ما لينفجر هذا الاحتقان ويطيح بكل رواسب القمع وميراث الفساد.

وبالتالي لا أستبعد أن تُقدم السلطة على مزيد من عمليات الإعدام، لأنها لا تملك إلا سيناريو التخويف واصطناع العنف.

* هناك مطالبات لجهات إقليمية ودولية بالتدخل لوقف تنفيذ أحكام الإعدامات.. فهل تتوقع أن يكون لها نتيجة وأثر؟

- لا أعتقد أنه سيكون لها تأثير، فعلى سبيل المثال: في 1977 انقلب الجنرال محمد ضياء الحق علي الرئيس المنتخب ذو الفقار علي بوتو، والذي حُكم عليه بالإعدام شنقا، واكتفى الغرب في حينها – كما يفعل الآن- بالمناشدات، لكنه لم يتخذ موقفا حقيقيا لمنع إعدام رئيس اختاره شعبه في 1979، وهو تكرار لما حدث في تركيا خلال الستينيات، وهو ما يمكن أن يتكرر – لا قدر الله - مع الرئيس مرسي، ليس لأنه إسلامي فقط، بل لأن الغرب يفضل أن تعيش بلادنا في الحالة الاستبدادية، ليضمن أن نبقى في دائرة الضعف والتبعية وعدم القدرة على المنافسة في الفضاء الدولي.

والحقيقة المرة أن المنظومة الإقليمية في منطقتنا تتصف بالاستبداد وتقلق من التحولات الديموقراطية، ولذا، فهي أميل لإنهاء أي ميراث لثورات الربيع العربي بغض النظر عن المشاعر النفسية لشخص هنا أو لزعيم هناك.

أما المنظومة الدولية فهي بين دول دكتاتورية ترى ما يحدث في مصر عاديا ومقبولاً – وغالبية دول العالم دكتاتورية- ودول ديموقراطية مهيمنة على النظام الدولي تعتنق للأسف مفهوما استعماريا ترى فيه أن الديموقراطية هي وصفة لا يجوز أن تنتقل لدولنا، وأن التحولات الديموقراطية في بلداننا لربما تهدد هيمنة أولئك على النظام الدولي.

هذا فقط ما يفسر معسول الكلام وعدم التحرك خطوة واحدة للضغط على النظام القمعي في مصر أو في أي دولة أخرى في العالم العربي، فلو كان لدي المجتمع الإقليمي والدولي رغبة ونية في وقف تلك الانتهاكات لرأينا تحركات حقيقية في هذا الصدد ولرفضوا دعم هذا الانقلاب منذ البداية.

وبالتالي، فأنا لا أتوقع من هؤلاء - الذين صمتوا على المجازر- أن يتحركوا لوقف أحكام الإعدامات، خاصة أن الانقلاب في حالة الجنون والعته، وما يحدث من إعراب دولي عن القلق وانتقاد على استحياء لانتهاكات الانقلاب هو دور مسرحي وعبثي وغير حقيقي، إلا أن ما سيغير هذه المعادلة هو الحراك الشعبي في الشارع المصري.

والحقيقة التاريخية أن إرادة الشعوب هي أقوى من مجموع إرادات الحكومات. والثورة الفرنسية وُلدت في بيئة معادية للديموقراطية ولحقوق الإنسان – أشبه بالحالة المصرية – لكنها في النهاية انتصرت، وهي التي فرضت طريقتها على الآخرين وليس العكس، بما يمكن أن تقول معه إن أوروبا الحديثة هي نتاج الثورة الفرنسية التي حاصرتها أوروبا في القرن الثامن والتاسع عشر.

* ما هي التداعيات المترتبة على المشهد المصري حال تنفيذ أحكام الإعدام؟

- جزء من استراتيجية الانقلاب إحداث حالة عنف، معتقدا أنه سيستطيع مواجهة هذه الحالة، لكنه واهم وساذج، فالدولة المصرية – لا قدر الله – لو حدق بها قدر هائل من الفوضى، فلن يستطيع هو أو غيره إيقافها أو مواجهتها.

لكن الشعب المصري استطاع تفويت هذه الفرصة عليه على مدار سنتين بحراكه الثوري السلمي في جوهره وعمومه وتياره العام، مستخدما كل أدوات اللاعنف والمقبولة والمتعارف عليها دوليا، والانقلاب مستمر في الدفع لدائرة العنف، لكنه ككل مرة لن ينجح في إحداث حجم كبير من العنف، بل سيواجه حجما أكبر من الاحتجاجات الشعبية والعصيان المدني، حتى تأتي اللحظة التي لا يمكن لأي حكومة مهما بلغ قمعها أن تستمر، فلا يبقى أمامها سوى السقوط المخزي، وربما تكون هذه اللحظة هي لحظة تنفيذ أحكام الإعدامات – لا قدر الله - إن لم تكن أقرب من ذلك.

* قلت في ذكرى 30 يونيو إن باب الأمل لمصر رهن برحيل شخص واحد جعل الوطن فداء لشخصه والجميع ثمنا لبقائه (في إشارة واضحة لعبد الفتاح السيسي).. فهل الأزمة كلها تختزل في شخص السيسي؟


- بالتأكيد أن الأزمة لا تختزل في شخص السيسي فقط، لكن استبعاده هو ما سيفتح الباب للتواصل بين كل القوى السياسية والوطنية ومؤسسات الدولة بحثا عن حل عادل وشامل، فنحن أمام كوارث مركبة في المجال السياسي والاقتصادي والأمني، ولو رغبت في حل كل مشكلة على حدة مع بقاء المشكلتين الأخريين فسيكون مسلكا خاطئا، وستكون النتائج أنه لا حل يُرجى.

إن علينا أن نواجه المشكلات الثلاث معا، لكن مواجهتها يحتاج لإزالة عائق يمنع الشعب المصري من التوافق على مواجهة تلك الكوارث في زواياها الثلاث، إزالة هذا العائق (السيسي) هو ما سيفتح الباب للعلاج، لكن التوقف بعد إزالته لن يكون علاجا.

* المبادرة التي أعلن عنها حزب الوسط يوم 15 حزيران/ يونيو 2013 وجددتم طرحها في شهر أيار/ مايو الماضي للمصالحة الوطنية الشاملة.. هل أصبح مصيرها الفشل الذريع كغيرها من المبادرات؟ 

- على الإطلاق، المبادرة تحقق – ولا تزال- نجاحات، وهي لا علاقة لها بالانقلاب، بل تدعو للاصطفاف الوطني في مواجهة الانقلاب، فقد اعتبرنا أن الانقلاب جاء على جسد تفتت الصف الذي صنع ثورة يناير، وهو سيسقط إذا استعاد هذا الجسد عافيته، وهو ما نسعى إليه، سواء أسميتموها مبادرة أم غير ذلك.

* هناك مطالبات لجماعة الإخوان بعدم تصدر المشهد بأي شكل من الأشكال عقب سقوط الانقلاب؟

- لا يمكن فرض موقف معين على أي من كيانات ثورة يناير، لكن هناك معطيات تهم الشعب ينبغي أن يعمل الجميع في ظلها، وبحكم معرفتي بجماعة الإخوان وتقديري لدورها التاريخي وتبنيها لخيار رفض الانقلاب والانحياز لمطالب ثورة يناير، أعتقد أنها حسمت خيارها إلى جانب القبول بمرحلة انتقالية – تلي انكسار الثورة المضادة - وتقوم على المشاركة الحقيقة وتستبعد الاستقطاب إلى حين اطمئنان المجتمع إلى تكريس قيم الحرية ومبادئ العدالة والرضا غير المشروط بمعادلة التداول السلمي للسلطة استنادا لخيار شعبي واضح قوامه صندوق انتخابات نزيهة وليس قوة السلاح أو اصطناع الحشد.

* برأيك، هل المجلس العسكري ينبغي أن يكون جزءا من الحل أم أنه كالسيسي أصل الأزمة؟

- السيسي لا يمكن أن يكون طرفا في أي حل، لأنه المصدر الرئيس لهذه الأزمة ولكافة الكوارث التي تضرب الدولة المصرية كل يوم، لكن الجيش المصري هو جزء من نسيج الشعب ويقع على عاتقه ما يقع على عاتق كل فئة أو فصيل أو مؤسسة من تقديم مصلحة الوطن على مصلحة تلك الفئة أو ذلك الفصيل أو هذه المؤسسة.

وكل الفئات والقوى السياسية أو المدنية والمؤسسات – بما فيها الجيش - بغض النظر عن موقفها بالأمس يمكن أن تكون جزءا من الحل بالقبول بتحول ديموقراطي غير مشروط وتأسيس لعدالة اجتماعية حقيقية وإنجاز قصاص عادل وفقا لمنظومة موثوقة للعدالة الاجتماعية التي لا تستثني مجرما ولا تُسقط حق شهيد أو مُصاب أو مُعذب أو معتقل أو مطارد.

* صرحت مؤخرا بأن الجيش بدأ يدرك خطورة بقاء السيسي.. فماذا كنت تقصد تحديدا؟

- أي محلل أو متابع للوضع المصري يكتشف أن السيسي ليس خطرا على الوضع الاقتصادي والسياسي والمجتمعي في مصر، وعلى الوضع الإقليمي فحسب، بل إنه خطر كبير خصوصا  على الأمن القومي المصري بسياسته الخرقاء وإدارته الفاشلة ومغامراته الصبيانية. وربما أن أخطر ما فعله هو تدثره بالمؤسسة العسكرية في مواجهة مطالب الشعب المصري الواضحة التي يرفعها منذ يناير 2011، وهو ما أدى بدفع الجيش المستمر في الشوارع والقرى والأزقة ليحوله إلى شرطة قمعية لا مؤسسة عسكرية محترفة مهنتها الدفاع عن الشعب والدولة في مواجهة مخاطر خارجية.

وما يحدث في سيناء هو إهانة لتاريخ العسكرية المصرية، وكارثة على تماسك الدولة المصرية، وقلق مزمن في داخل كل مصري، فسوء إدارته، والتي لا تخلو من سوء نية، جعلتنا في حرب مفتوحة داخل سيناء مع عدو غامض تمناه السيسي في دعوته للتفويض في 26 يوليو 2013، ومن يعاني من تلك المعركة هم أهلنا في سيناء وجيشنا العامل هناك وكل الشعب المصري الذي يُتابع ما يحدث دون إدراك دقيق لما يجري، فلا توجد مكاشفة أو وضوح، بل تجري صياغة مزيد من القوانين القمعية التي تُجرم على أي متابع أن يتحدث عن تفسير مخالف لما يُروجه إعلام السيسي الموجه.

وبالتالي، فإن من المؤكد أن استمرار السيسي ومنظومته تعني استمرار تراجع المؤسسة العسكرية ضمن تراجع أشمل للدولة المصرية في كافة المجالات وعلى كافة الأصعدة.

* من تصفونهم بالمخلصين أو الشرفاء داخل الجيش المصري.. ما هو حجمهم وتأثيرهم؟

- لا علم لي على وجه التحديد، فأنا أتحدث من موقع السياسي والمتابع للشأن العام في بلدنا، ولكن لا يجوز أن يكون هناك انقلاب على الانقلاب، ولا يمكن أن نطالب بتغيير الانقلاب بانقلاب آخر، فهذا ليس حلاً للأزمة إنما إطالة لها.

وإنما المطلوب هو أن يُدرك كل شخص وتدرك كل مؤسسة أن إنقاذ البلاد يحتاج أن يقتنع ويؤمن كل طرف بدوره ووظيفته التي نشأ لأجلها، فالجيش المصري هو للدفاع عن الدولة وليس لإدارتها أو للقيام بمهام الشرطة أو لتقديم مرشحين لحكم البلاد أو للعمل لصالح شخص في مواجهة بقية المجتمع أو حتى جزء من المجتمع، فجيشنا يجب أن يُعبر عن الجميع دون أن يُقصي أحدا، لأنه يجب أن يكون مؤسسة وطنية، فليس لدينا أي أساس للطائفية أو الفئوية التي يمكن أن تنعكس في المؤسسة العسكرية. 

* هل أنتم على تواصل مع أشخاص أو جهات من داخل الدولة المصرية؟

- إذا كنت تقصد سلطة الانقلاب، فهذا لم يحدث، أما الدولة المصرية فهي دولتنا، ونحن بالفعل على تواصل مع كل الوطنيين فيها.

* هل ترى تغييرا في مواقف القوى الإقليمية وخاصة السعودية من الأزمة المصرية؟

- استمرار الحراك في الشارع لمدة عامين يجبر أي دولة على إعادة النظر في موقفها من الانقلاب، فما زال الانقلاب انقلابا ويتخذ كل يوم إجراءات قمعية، ما يجعله عاجزا عن تحقيق ما توقعته منه الدول التي دعمته في البداية، وستستمر هذه الدول في النأي بنفسها عن هذا الانقلاب كلما استمر وتصاعد الحراك الشعبي. 

لكني أدعوها أن تتخذ موقفا أكثر أخلاقية تتوافق فيه مع مطالب الشعب المصري في الحرية والعدالة، لأن الشعب هو الباقي وهذا النظام، بل وكل نظام زائل، وما قام به من دعموا الانقلاب هو أمر جلل وله آثار عميقة في نفوس المصريين، فلم يقتصر دعمهم على إسقاط ثورة انتظرها المصريون 200 سنة وإنما ساهم في قتل والتنكيل بعشرات آلاف المصريين، وهو ما يحتاج منهم إلى جهد حقيقي للتكفير عن ذلك السلوك. 

* ما هي ملامح هذا التغيير الذي تتحدث عنه؟ 

- لدينا ملامح واضحة، منها البُعد الاقتصادي، حيث تراجع الدعم المالي الذي كان يُقدم للانقلاب - وإن لم يتوقف نهائيا- ولا وجود لتعاون اقتصادي حقيقي حتى مع الدول الأكثر دعما للانقلاب، وهو ما كشفت عنه أوهام مشروعات العاصمة الجديدة والمليون وحدة وإصلاح الأراضي، فالمستثمرون الخليجيون أخلوا بتعهداتهم للانقلاب الذي انفضح أمام العالم.  

وسياسيا، لم يحدث أي تواصل دبلوماسي حقيقي يعبر عن قبول طبيعي لهذا الانقلاب، فحتى الزيارات مدفوعة الأجر تعكس تململا وخجلا لدى الدول التي قبلت أن تستقبل زعيم الانقلاب، وإن سال لعابها أمام التضحيات الاقتصادية التي يقدمها لهم على حساب مستقبل الشعب المصري.

والحالة الأمنية مختلة تماما، فلا أحد يثق في النظام الانقلابي، حتى هؤلاء الذين عولوا عليه لحماية مصالحهم واستثماراتهم أو أولئك الذين دافعوا عن ضرورة وجود حاكم ببزة عسكرية لحفظ الأمن، ونحن أمام اختلال أمني غير مسبوق في تاريخ الدولة المصرية الحديثة، وهو ما دفع دولاً دعمت الانقلاب للإعراب عن قلقها من ممارسته، رغم أن تلك الدول توهمت أن هذا النظام سيحقق شكلاً من الأمن ملائما لمتطلباتها، إلا أنه غير قادر على توفير الأمن للشعب أو تحقيق المفهوم الأمني لمن مولوه.

* المجلس الثوري والبرلمان المصري المنعقد بتركيا يقومان بجهود وتحركات دولية.. فما موقفكم من تدويل الأزمة المصرية؟

- لا أحد يدوّل الأزمة المصرية إلا النظام الانقلابي، وأنا شخصيا لا أقبل تدويلاً لأي قضية عربية، وقد رأينا ما حدث في القضية السورية وغيرها، لأن المجتمع الدولي يفضل ويدعم الديكتاتوريات بحثا عن مصالحه من وجهة نظره.

وهناك من ينادي بقطع التواصل مع القوى الدولية، بينما أرى أن التواصل مع المجتمع الدولي مهما، لكن التعويل عليه هو الخطأ بعينه، ونحن نرحب بالتواصل مع الجميع دون أن نعول على أحد إلا الشعب المصري فقط، فالقوى الدولية تعبر عن مصالحها وتؤمن فقط بمصالحها، والتي لا تراها بالضرورة في دعم قضايا الشعوب والتحرر والديمقراطية التي تدعي أنها تؤمن بها. 

* رئيس وزراء إيطاليا صّرح مؤخرا بأنه يرى أن السيسي هو رجل المرحلة وشدّد على دعمه وتأييده إياه.. ما تعقيبك؟

- ليس من المقبول على الإطلاق مثل تلك التصريحات من رئيس وزراء إيطاليا أو غيره، حيث تعتبر تجاوزا لحق الشعب المصري في الاختيار، فمن العيب أن يري أو يحدد مسؤول خارجي - أيا كان- من هو الأنسب لبلادنا، وللأسف أن السياسة الغربية تعتمد على مفهوم الوصاية بالنسبة للدول العربية، بتأثير من تاريخهم الاستعماري لبلادنا، وهو ما يجب عليهم أن يتخلصوا منه، فعليهم احترام اختيارات وإرادات الشعوب بعيدا عن أي وصاية.

ومثل هذه التصريحات تفضح المساندة الغربية للاستبداد لدينا، فمرحلة الدكتور مرسي – بكل مآخذها - كانت بالتأكيد أفضل مما تعانيه مصر الآن، لكن بعض من يعتبرون أنفسهم أوصياء علينا يعتبرون الوضع المختل الذي تعيشه مصر وضعا مثاليا، لأنه يبتعد بها عن تحقيق تحول ديموقراطي وانتقال لحالة من التوازن المجتمعي والسياسي يضمن لها التطور وتحقيق استقلال لإرادتها.  

* ما هي الخطوات والتحركات التي تعتزمون اتخاذها خلال الفترة المقبلة؟

- نحن مستمرون في التواصل مع كل أطراف الجماعة الوطنية المصرية من أجل وضع تصور مشترك بين الجميع لإنقاذ مصر من الحالة التي تهددها بمخاطر تطال تماسك شعبها وأمنها القومي ومستقبل أجيالها، فالمرحلة القادمة هي مرحلة وضع رؤى واضحة لكيفية إنهاء هذه الحالة الخطرة بشكل فعلي واستعادة لحمة الشعب المصري واستعادة الدور المنوط بمؤسساته بشكل صحيح ضمن منظومة عمل يتفق عليها الجميع.

ولا أعتقد أن عاقلا يرى مستقبلاً لهذه المنظومة الفاشلة التي تُدير البلاد، ومن ثم فإن الجميع يتطلع لإنهاء عصرها المشين بأقل تكلفة ولبناء المرحلة التالية بما يحقق أمنا وحرية وعدلاً للجميع، وهو ما يحتاج للحوار بين كافة الأطراف.