سياسة عربية

مشروع قانون بتونس للمصالحة مع رجال الأعمال المتهمين بالفساد

يرى رافضو المشروع أنه يستهدف تسوية أوضاع رجال أعمال بن علي - أرشيفية
أثار المشروع الذي عرضه الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، بشأن "المصالحة" مع رجال الأعمال المتهمين بالفساد، انتقادات بوصفه قانونا "غير دستوري"، ومخاوف من التأثيرات المحتملة للقانون على جدية تونس في مكافحة الفساد، في حين دافع عنه متحدثون باسم الحزب الحاكم وقالوا إنه يستهدف تحصيل الأموال لخزينة الدولة.

وكان السبسي قد عرض الثلاثاء، لدى افتتاحه مجلس الوزراء، مشروع قانون المبادرة الرئاسية المتعلقة بالمصالحة الوطنية الموجه لمعالجة ملف رجال الأعمال الذين رُفعت في شأنهم ملفات فساد خلال العهد السابق، بهدف إعادة إدماجهم من جديد في الدورة الاقتصادية للبلاد.

وقال السبسي إن المشروع هو مبادرة سياسية تهدف إلى إشراك كافة المواطنين من رجال الأعمال وغيرهم في بناء تونس، و"الحلم بالمستقبل وطي صفحة الماضي"، وفق تعبيره.

ولفت السبسي إلى أن التونسيين يعانون منذ خمس سنوات، في حين يتمتع المعنيون بالأمر بالراحة والاستجمام في جزر الموريس وفي جدة، في إشارة إلى الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وأصهاره.

واعتبر السبسي أن هذه الوضعية دفعته لطرح مبادرته؛ لأن إلقاء الناس في السجون لن يجلب لتونس أي فائدة، وأن الأفضل والأجدى أن ننتفع بكل من لديه أموال، بحسب قوله، متحدثا عن استعداد العديد من رجال الأعمال للمشاركة في بناء تونس لكنهم خائفون.

وتضمن مشروع القانون، الذي اطلعت عليه "عربي21"، إيقاف التتبع أو المحاكمة وتنفيذ العقوبات في حق الموظفين العموميين وأشباههم من أجل الفساد المالي، باستثناء من تعلقت بهم قضايا في الرشوة والاستيلاء على الأموال العمومية.

وأقر المشروع إمكانية إبرام الصلح لكل شخص حصلت له منفعة من الفساد المالي. كما تضمن مشروع القانون أيضا عفوا عن تراتيب الصرف مقابل إعادة المداخيل والمحاصيل والمكاسب من العملات إلى تونس.

من جهته، قال مدير الديوان الرئاسي رضا بالحاج، في ندوة صحفية انعقدت على هامش المجلس الوزاري، إن المشروع يرمي إلى المصالحة في المجالين الاقتصادي والمالي لتحسين أداء العدالة الانتقالية في مجال الانتهاكات في الاعتداء على المال العام، وتلافي طول أمد معالجة الانتهاكات على الاقتصاد الوطني، وتعزيز ثقة المواطن في مؤسسات الدولة والإدارة، والتشجيع على الاستثمار وتعبئة موارد الدولة من العملة الصعبة، حسب قوله.

إجراء غير دستوري

وتعليقا على مشروع القانون، قال طارق الكحلاوي، عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية المعارض، إن "الدستور نص على التشريع المتعلق بالعدالة الانتقالية، وأن تقديم القانون هو سحب لاختصاص النظر في الفساد المالي، والاعتداء على المال العام من هيئة الحقيقة والكرامة، وهو إجراء غير دستوري"، حسب تعبيره.

واعتبر الكحلاوي، في تصريح لـ"عربي21"، أن اللجنة التي ستسهر على دراسة ملفات المصالحة "مخالفة لأدنى مبادئ الشفافية والاستقلالية والجدية والضمانات اللازمة"، نظرا لتعيينها من طرف السلطة التنفيذية وخضوعها لرئاسة الجمهورية.

وتوقع الكحلاوي رفض أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة المشاركة في عضوية هذه اللجنة التي تُنازعها صلاحياتها.

وأضاف: "الإجراءات غير جدية وقصيرة في مسائل مالية متشعبة مما قد يؤدي إلى الاعتباطية والمحاباة في معالجة الملفات أو العكس، وهو الإخضاع للابتزاز السياسي والمالي، خاصة وأن قراراتها (اللجنة) غير قابلة للطعن بأي وجه من الأوجه".

وحذر الكحلاوي من أن "هذا الإجراء سيكون ذا أثر عكسي، وسيمس من مصداقية تونس من حيث مؤشرات الفساد والمعايير الدولية".

ومن جهة أخرى، اعتبر حزب المجد المعارض، في بيان صدر الثلاثاء وتلقت "عربي21" نسخة منه، أن الحكومة قررت تمرير قانون المصالحة السياسية والاقتصادية قبل يومين من العيد، وبعيدا عن المؤسسات المعنية التي صادق عليها مجلس الشعب المنتخب، ممثلة بهيئة الحرية والكرامة (هيئة دستورية مختصة بتفعيل مسار العدالة الانتقالية).

ورأى الحزب أن الحكومة تجاوزت بذلك السلطة القضائية و"ضربت بحقوق الدولة الممثلة للمواطن عرض الحائط"، وفق تعبيره.

مؤيدون

وكان بوجمعة الرميلي، الناطق الرسمي بإسم حزب حركة "نداء تونس" (الحزب الحاكم)، قد قال في تصريح لإذاعة "شمس أف إم" في وقت سابق، إن المشروع سبق وأن أعلن عنه الرئيس بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ59 للاستقلال.

وقال الرميلي إن المشروع يتعلق بالأشخاص الذين لديهم مخالفات اقتصادية، ووجب عليهم الاتصال بصفة تلقائية باللجنة التى سيتم تشكيلها لهذا الغرض، مشددا على أن هذا الإجراء لا ينفي الملاحقات العدلية المتعلقة بالشخص المعني، مؤكدا أن هذا المشروع سيُعنى فقط بالجانب المالي للعدالة الانتقالية التى يبقى لها حق النظر في الجوانب الأخرى.

ومن المنتظر أن تعرض الحكومة مشروع القانون على مجلس نواب الشعب لمناقشته والتصويت عليه.