مقالات مختارة

العنصر الكردي في السياسة التركية

1300x600
كتبعلي بيرام أوغلو: بات من الواضح جدا أن جميع الأحزاب السياسية البرلمانية التركية تُرجّح خيار الحكومة الائتلافية بدل إجراء الانتخابات المُبكّرة. وبخصوص موقف حزب الحركة القومية من هذا الموضوع، فقد بات جليا خاصة بعد قيام رئيس كتلته البرلمانية "يوسف هالاج أوغلو"، عبر إحدى البرامج التلفزيونية أمس، بالتصريح حول إمكانية تأسيس حكومة ائتلافية بالتحالف مع "بعض الأحزاب" ولكن بشروط، وبذلك يؤكّد هالاج أوغلو لنا أنه يمكن لحزب الحركة القومية العدول عن موقفه الحازم من الانتخابات، الذي كان يؤيّد فيه الانتخابات المبكّرة من خلال التصريحات التي قام بها باهتشلي عقب إعلان النتائج فورا. 

وخلال تصريحاته التلفزيونية قال هالاج أوغلو: "لا نقبل الاتحاد مع حزب الشعوب الديموقراطي إطلاقا، كي لا يعتقدوا أننا نستطيع دعمهم بعد تغيير لونهم الإرهابي إلى لون سياسي، لا نقبل ذلك ومازلنا نؤكّد أن هؤلاء إرهابيون، لا أتصور أبدا أنه يمكن لنا دعم تحالف يجمع حزب الشعوب الديموقراطي مهما كان شكله، حتى وإن تم تأسيس حكومة أقليات، إذا كانت تشمل أسماء من حزب الشعوب الديموقراطي فمن الصعب جدا أن ندعمها".

هذا المنطق الخاص بحزب الحركة القومية يوحي لنا بأن حزب الحركة القومية، لا يمكن أن يدعم حكومة أقلية يؤسّسها حزب العدالة والتنمية أو حزب الشعب الجمهوري عن طريق دعم حزب الشعوب الديموقراطي، وهذا يجعل أحد سيناريوهات حزب العدالة والتنمية، وهو تأسيس حكومة أقلية مدعومة من قبل حزب الشعوب الديموقراطي، يخرج من قائمة الاحتمالات.

سبب تعنّت حزب الحركة القومية بهذا المستوى هو أمر مبدئي؛ حيث إن حزب الحركة القومية ولغاية الآن يرفض "عملية السلام" رفضا تاما، كما أنه لم يعترف بوجود حزب الشعوب الديموقراطي كحزب سياسي. "عملية السلام" هي المفتاح الأساسي للمسألة الكردية في تركيا، هذا الاختلاف الشديد بين حزبين لهم نسبة متساوية يجعل الأحزاب الأخرى تُضحّي بأحدهما من أجل التحالف مع الآخر.

لكن على صعيد آخر يبدو أنه من الممكن جدا تأسيس حكومة ائتلافية تجمع بين حزب العدالة والتنمية أو حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديموقراطي، حيث إن جميع التصريحات التي صدرت من حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري تؤكّد ليونتهم، مع إمكانية التحالف مع حزب الشعوب الديموقراطي لتأسيس حكومة ائتلافية.

بخصوص تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الشعوب الديموقراطي، فإن هناك الكثير من الأمور التي يجب أن يُتّفق عليها مثل: تغيير سياسة الدولة الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية تجاه منطقة شرق وجنوب شرق الأناضول، تغيير جزئي بالدستور التركي، الاعتراف الرسمي بمشكلة الأكراد في تركيا والعمل على تفادي جميع المشاكل العنصرية التي عانى ويعاني منها الأكراد في تركيا. إذا اتفق الحزبان بخصوص هذه الأمور فمن الممكن جداً تأسيس حكومة ائتلافية تجمع بينهم.

جميع الحكومات الائتلافية التي يمكن لحزب الشعوب الديموقراطي أن ينضم إليها، يجب عليها القبول بقضية "مشكلة الأكراد" والعمل على حلّها والقبول بعمل بعض التعديلات الدستورية. إذا تم قبول هذا الأمر من حزب العدالة والتنمية أو من حزب الشعب الجمهوري، فإمكانية حل مرحلة الغموض الحالية وتأسيس حكومة ائتلافية وارد جدا.

لكن يجب أن نعي بأن هذه الشروط ليس من السهل جدا قبولها في تركيا، لكن على صعيد آخر يجب أن نعرف مدى النجاح السياسي الذي قطعته قضية "المشكلة الكردية" ونعرف مدى القوة التي تملكها، بحيث أصبحت بعد الانتخابات إحدى القضايا المفتاحية لتأسيس حكومة ائتلافية، يجب علينا أن نأخذ هذا الأمر بالحسبان ونسعى لإرساء شروط تكون قريبة من شروط "المشكلة الكردية"، هذا ما فرضته علينا نتائج الانتخابات التي بيّنت لنا القوة الحديدية التي حصلت عليها "المشكلة الكردية" في الفترة الأخيرة.

حتى لو لم ينضم حزب الشعوب الديموقراطي للحكومة الائتلافية في ظل الوضع الحالي، فأي برنامج للحكومة الائتلافية لا يقبل "بالمشكلة الكردية" ويسعى لحلّها، سيفتح صفحة كبيرة من صفحات الأزمات والاقتتال الداخلي. والبرنامج الذي لا يحتوي على قبول "للمشكلة الكردية" بلا شك هو البرنامج التابع لحكومة يكون حزب الحركة القومية أحد مؤسّسيها، والحكومة التي ممكن أن تؤَسّس بهذا الشكل هي الحكومة التي تشمل حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية.

في النهاية الأيام القادمة ستوضّح جميع ما سبق، ولكن يجب ألا نغفل بأن أي حكومة ستؤَسّس في المستقبل دون أن تتبنى حلولا مجدية "للمشكلة الكردية"، هذه الحكومة ستفتح على تركيا أبوابا كبيرة من أبواب الأزمات السياسية والاقتتالية، خاصة بعد قطع هذه المشكلة هذا الشوط الكبير من الإنجازات، من خلال تحقيق اعتراف جزئي بها من الحكومة السابقة.

(عن صحيفة يني شفق)

(ترجمة وإعداد تركيا بوست)