كتاب عربي 21

هل يخطط مبارك لإسقاط السيسي؟ (2-2)

1300x600
1- كان يمكن أن يخرج جمال مبارك للتنزه مع أسرته في أحد الأماكن التي كان يتنزه فيها قبل 2011 دون أن يشعر به أحد، كان يمكنه حتى أن يزور الأهرامات متخفيا ودون أن يعرف أحد شيئا الزيارة، لكنه اختار أن يزور الأهرامات أمام الجميع ويصطحب معه مصورين لتسجيل اللحظة وعرضها على كل وسائل الإعلام بعد عدة ساعات.

بعدها نشرت الصحف صورا لجمال مبارك وزوجته في أحد المطاعم، ورغم حرصهما على أن تبدو الصورة عفوية إلا أن مجرد التفكير في ظهور نجل الرئيس السابق في مطعم غير مؤمَّن لدرجة تسمح لشخص ما بالتقاط صورة له ونشرها تجعل احتمالات معرفته بالصورة وربما ترتيبه لها هو الأرجح.


2- استيقظ سكان ورواد منطقة وسط القاهرة ومحيط نقابة الصحفيين على أعداد كبيرة من الملصقات تحمل صور الفريق أحمد شفيق المرشح الرئاسي الأسبق وتحتها عبارة "أنت الرئيس".

استغرب السكان من انتشار الملصقات بهذا الكم وفي هذه الشوارع التي تقع ضمن منطقة ينتشر فيها الأمن بشكل مكثف وهو الأمن نفسه الذي اعتقل العشرات من قبل لتعليقهم ملصقات من نوعية "الحرية للمعتقلين"، واستغرب الجميع من طرح كلمة "أنت الرئيس" الآن بينما لم يكمل السيسي عامه الأول في الرئاسة ويتبقى له أكثر من 3 سنوات في منصبه، إذن فالأمر ليس تمهيدا للانتخابات الرئاسية القادمة في 2018، بل هي تمهيد لانتخابات رئاسية مبكرة.


3- صباح الخميس 7 أيار/ مايو نشرت اليوم السابع خبرا عن عودة جمال مبارك للسياسة من بوابة حزب الحركة الوطنية الذي يرأسه شفيق بناء على طلب من قيادات الحزب، وعودة شقيقه "علاء" إلى البيزنس بعد اتصالات مع أصدقائه بدأ على إثرها ترتيب أوراقه فى الشركات غير الخاضعة لتحقيقات أو قضايا، فضلا عن تخطيطه لاستعادة نشاطه "الخيري" وإعادة إحياء أعمال الجمعية الأهلية التي أقامها باسم نجله محمد علاء مبارك لتكون بوابته للعودة إلى المشهد العام من جديد.


4- طالب محمد عبد الرحمن، مقدم برنامج "غرفة الأخبار" على "سي بي سي اكسترا"، بالتصالح مع الرئيس الأسبق حسني مبارك باعتباره أحد أبطال حرب أكتوبر والذي لعب الدور الرئيسي في عودة سيناء، وتحدث عن بطولاته التي لا ينكرها إلا متعسف وظالم.

وفي نفس الوقت كان هناك طموح أكبر لرولا خرسا في برنامجها "البلد اليوم" على قناة "صدى البلد" المملوكة لرجل الأعمال "المباركي" محمد أبو العينين، حيث لم تطالب فقط بعودة مبارك، بل طالبت كذلك بعودة الحزب الوطني وحبيب العدلي إلى المشهد السياسي والتصالح معهم.


5- تحدثت في مقال الأسبوع الماضي عن قناعتي بأن نظام مبارك يخطط الآن للعودة إلى مقعده الذي يجلس عليه المشير عبد الفتاح السيسي، ومن وقتها بدأت الشواهد تصبح أكثر وضوحا والشكوك تتحول إلى تأكيدات بأن هناك شيئا ما يدار في الكواليس.

كل ما سبق ليس مهما في حد ذاته، فلا ظهور جمال في الأهرام ولا بوسترات شفيق ولا أحاديث مقدمي البرامج ستغير من الواقع شيئا الآن، لكنها تبقى رسائل مهمة ومشفرة لتجميع رجال النظام المخلوع ومنحهم الطمأنينة وتشجيعهم على ترك أحضان النظام الحالي التي هرعوا إليها باعتبارها أخف الأضرار والعودة لأحضان نظامهم الأصلي الذي هم فيه أصحاب مكان.

لا شيء متروك للصدفة، ثمة تخطيط دقيق وتوزيع أدوار واختيار توقيتات لكل خطوة، هناك ذراع سياسية يمثلها أحمد شفيق وجمال مبارك والأحزاب المنبثقة من رحم الحزب الوطني، وذراع اقتصادية يمثلها علاء مبارك وأصدقاؤه وأحمد عز وأتباعه ورجال الأعمال المحسوبين على النظام السابق، وذراع إعلامية تتولى التمهيد لعودة وجوه نظام مبارك دون ممانعة وربما بطلب شعبي فيما بعد.


6- يعرف النظام الحالي كل ذلك، يرصد التحركات ويراقب الاتصالات وتصله أخبار الاجتماعات، لكنه فعلا لا يملك كثيرا من أوراق اللعبة، يعرف أنه لا يستند علي ظهير سياسي حقيقي، كان قد استعار ظهيرا من نظام مبارك والآن يطلب نظام مبارك استعادته، يعرف أنه لا يستطيع التعويل على الظهير السياسي المؤيد له من أحزاب معارضة ما قبل الثورة، فهو ظهير ضعيف وفاشل ومُخترق ومشاكله الداخلية تكفيه، يعرف أنه لا يستطيع التعويل على الظهير الشعبي، فهذا ظهير متقلب يمكن تحريكه وتوقيفه والسيطرة عليه بتغيير لهجة عدة برامج لينقلب من نقيض إلى نقيض، يعرف أنه لا يسيطر على الأجهزة الأمنية والسيادية بشكل كامل وأن هناك صراع سلطات مكتوما بينها وبين بعضها، ومن ثم قد لا تختاره هو إذا وُضعت في موقف اختيار.

يكتفي نظام السيسي بمراقبة ما يحدث وانتظار إجابة الأيام على سؤال: هل يخطط نظام مبارك للعودة فعلا أم أنه يبحث عن بعض الامتيازات؟


7- وما موقفنا نحن من ما يجري؟ هل هو تطور إيجابي أم سلبي؟ وهل تزعجنا فكرة سقوط السيسي أصلا؟

المزعج في الموضوع أن الجميع متأكد، بمن فيهم ثوار يناير أنفسهم، أن الثورة لن تحكم إذا سقط السيسي، سيكون أي تعديل أو تغيير قادم من داخل نفس البوتقة التي استبدلت من قبل نظام مبارك بنظام عسكري انتقالي ثم قضائي انتقالي ثم جنرال قادم من المؤسسة العسكرية، وإن اقتضت الضرورة استبداله سيكون البديل أيضا من نفس الدائرة.

المؤلم أن الثورة تحولت إلى متفرج، تجلس في مدرجات الدرجة الثالثة لمتابعة مباراة بين السيسي والإخوان أو بين السيسي ورجال مبارك أو بين رجال مبارك وبعضهم أو بين المخابرات وأمن الدولة، لا تملك أي تأثير ولا توضع في الاعتبار، وتكتفي بتشجيع من تراه أقل سوءا ليهزم من تراه الأسوأ.

هي معركة لا تعنينا، لكنها ستؤثر حتما فيما هو قادم، فيوما ما ستلتقي الثورة مع الفائز من صراعاتهم في معركة المصير الأخيرة.

هل يخطط مبارك لإسقاط السيسي؟ (1-2)