سياسة عربية

القرارات الجديدة تخلي المناصب العليا لـ "السديريين"

القرارات الجديدة عززت حكم السديريين في السعودية - أرشيفية
فجر يوم 23 كانون الثاني/ يناير 2015، شهدت المملكة العربية السعودية تغييرا لافتا، فبعد غياب عشر سنوات، عاد إلى حكم المملكة أحد أبناء الأميرة حصة السديري، إحدى زوجات الملك عبد العزيز، مؤسس المملكة، التي تنتمي إلى قبيلة "السديريين"، عبر تنصيب سلمان بن عبد العزيز آل سعود ملكا، ليصبح ثاني ملك سديري يتولى الحكم، بعد الملك فهد بن عبد العزيز (13 حزيران/ يونيو 1982 - 1 آب/ أغسطس 2005). 

وبينما ذهب منصب ولي ولي العهد آنذاك إلى "السديريين" أيضا، حيث تولاه الأمير محمد بن نايف، أحد أحفاد الأميرة حصة السديري، بقى منصب ولي العهد من خارج "السديريين"، حيث تولاه الأمير مقرن بن عبد العزيز، وهو الابن الوحيد للملك عبد العزيز من الأميرة بركة، وهي يمنية الأصل.  

وبعد 97 يوما من ذلك اليوم، وتحديدا فجر الأربعاء 29 نيسان/ أبريل 2015، ذهب منصب ولي العهد إلى "السديريين"، لتصبح أضلاع مثلث الحكم في السعودية خالصة لهم. 

إذ أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز سلسلة أوامر ملكية، تضمنت إعفاء الأمير مقرن بن عبد العزيز من ولاية العهد، "بناء على طلبه"، حسب الأمر الملكي، وتعيين الأمير محمد بن نايف (56 عاما) وليا للعهد بدلا منه، كما قضت سلسلة أوامر الملك بتعيين نجله الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز (30 عاما) وليا لولي العهد.

بتلك الأوامر، صار الأمير محمد بن نايف أول حفيد من أحفاد الملك عبد العزيز، مؤسس المملكة، يتولى منصب ولي العهد، والأمير محمد بن سلمان أصغر من تولى منصب ولي ولي العهد.

وصارت فترة ولاية العهد للأمير مقرن بن عبد العزيز، الذي تولى المنصب في 23 كانون الثاني/ يناير الماضي، أقصر فترة ولاية عهد في السعودية.

والأمير مقرن ليس له أشقاء ولا شقيقات، فهو الابن الوحيد للملك عبد العزيز من زوجته "بركة" (يمنية الأصل).

وبينما ترك الأمير مقرن منصب ولاية العهد، "بناء على طلبه"، تم تعيين نجله الأمير منصور بن مقرن، مستشارا للملك بمرتبة وزير.

وبمناسبة تلك التعيينات الجديدة، جرى صرف راتب شهر لمنسوبي جميع القطاعات العسكرية والأمنية من أفراد وضباط ومدنيين.

السديريون

و"السديريون" هو مسمى يطلق على سبعة من أبناء الملك عبد العزيز آل سعود من زوجته الأميرة حصة السديري، التي تنتمي إلى هذه القبيلة. 

وساهمت القرارات في تعزيز سلطة هؤلاء "السديريين" في حكم أقوى وأكثر ممالك الخليج نفوذا، بتولي أفرادها المناصب الكبرى في المؤسسة التنفيذية والأمنية في السعودية.

فالملك سلمان بن عبد العزيز هو رئيس مجلس الوزراء بحكم منصبه، ومحمد بن نايف يتولى، بجانب ولاية العهد، منصب وزير الداخلية، والنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية. 

أما الأمير محمد بن سلمان، فيتولى، بجانب منصب ولي ولي العهد، منصب وزير الدفاع، والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.

وبعد أيام من توليه الحكم، وتحديدا يوم 29 كانون الثاني/ يناير الماضي، أصدر الملك سلمان 34 أمرا ملكيا، تضمن أحدها إلغاء 12 لجنة ومجلسا، أبرزها مجلس الأمن الوطني، والمجلس الاقتصادي الأعلى، وحل محلهما مجلسين جديدين يرتبطان تنظيميا بمجلس الوزراء، وهما مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وصار المجلسان هما أهم مجلسين، ويتوقع أن يرسما سياسات المملكة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ويترأسهما اثنان من "السديريين".

ولم يتبق خارج نفوذ "السديريين" من المناصب الكبرى سوى منصب وزير الحرس الوطني، التي يتولاه الأمير متعب بن الله، نجل الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، والذي تحدثت تقارير صحفية عن امتعاضه من تغييرات كانون الثاني/ يناير الماضي في سدة الحكم، حيث قيل وقتها إنه كان يطمح إلى منصب ولي ولي العهد.

الجيل الثاني

قرارات الملك سلمان هيأت الحكم من بعده للجيل الثاني، وللسديريين على وجه الخصوص، فكلا من ولي العهد وولي ولي العهد من الجيل الثاني ومن "السديريين"، ووفق نظام هيئة البيعة في السعودية، فإنه "عند وفاة الملك تقوم الهيئة بالدعوة إلى مبايعة ولي العهد ملكا على البلاد، وفقا لهذا النظام والنظام الأساسي للحكم".

وانطلاقا من هذا النص الواضح، أصبح طريق السلطة نظريا ممهدا للأمير محمد بن نايف، ما لم يجد جديد.

أما الأمير محمد بن سلمان، فأصبح ثالث شخصية تتولي منصب ولي ولي العهد، الذي استحدثه الملك الراحل عبد الله بن عبدالعزيز، في 27 آذار/ مارس 2014، وأصبح مرشحا لتولي أعلى منصبين في قمة هرم السلطة في السعودية، وهما ولي العهد، ثم الملك، مستقبلا.

وذاع صيت الأمير محمد مؤخرا على المستويين المحلي والدولي مع توليه منصب وزير الدفاع، ليصبح أول حفيد للملك عبد العزيز يتولى هذا المنصب، وأصغر من تولاه (30 عاما)، كما يدير حاليا في اليمن حربا لتحالف عربي، بقيادة السعودية، ضد مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثي) وحليفها الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح.

الحكم يرجع للسديريين

وكان الملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز هو أول "السديريين" الذين تولوا الحكم في المملكة، حيث تولاه في 13 حزيران/ يونيو 1982، بعد وفاة أخيه غير الشقيق الملك خالد، وظل في الحكم حتى وفاته مطلع آب/ أغسطس 2005، ليتولى خلفا له الملك عبد الله بن عبد العزيز، وهو الابن الثاني عشر من أبناء الملك عبد العزيز الذكور، وأمه هي الأميرة فهدة بنت العاصي بن شريم الشمري.

وعقب وفاة الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود في تشرين الثاني/ نوفمبر 1953، تعاقب أبناؤه من خمس زوجات على الحكم، حيث تولى الحكم خلفا له نجله سعود، وهو الابن الثاني من أبناء الملك عبد العزيز آل سعود الذكور، ووالدته هي الأميرة ضحى بنت محمد العريعر.

واستمر سعود في الحكم حتى عام 1964، حين خلفه أخوه غير الشقيق فيصل، وهو الابن الثالث من أبناء الملك عبد العزيز الذكور من زوجته الأميرة طرفة بنت عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، واستمر في الحكم حتى 25 آذار/ مارس 1975، ثم خلفه أخيه غير الشقيق خالد، وهو الابن الخامس من أبناء الملك عبد العزيز الذكور من الأميرة الجوهرة بنت مساعد بن جلوي بن تركي آل سعود، واستمر في الحكم حتى  13 حزيران/ يونيو 1982، حين تولى الملك فهد بن عبد العزيز الحكم خلفا له، ليصبح أول سديري يتولى الحكم.

وبعد الملك فهد انتقل الحكم من "السديريين" إلى قبيلة شمر، عندما تولى الحكم الملك عبد الله بن عبد العزيز، فوالدته هي الأميرة فهدة بنت العاصي بن شريم الشمري.

وبتولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم، عاد عرش المملكة إلى "السديريين"، وصارت الأميرة حصة بنت أحمد السديري الوحيدة من بين زوجات الملك المؤسس عبد العزيز، التي تولى اثنان من أبنائها حكم السعودية.

ومع القرارات الجديدة، تعززت سلطة "السديريين" في حكم المملكة الأقوى والأكثر نفوذا في الخليج، وصار استمرارهم في الحكم لفترات طويلة في حكم شبه المؤكد.