كتاب عربي 21

كبش فداء!

1300x600
لا أتفق كثيراً مع الطرح الذي يقول إن تعيين وزير داخلية جديد للانقلاب من داخل أمن الدولة قد يعني المزيد من القمع والعنف في مواجهة الثورة، فوزير داخلية الانقلاب المقال لم يترك جريمة همجية أو انتهاكاً وحشياً إلا وارتكبه ولم يترك لسلفه انتهاكاً جديداً يمكنه أن يبدع فيه ويظهر قدراته الإجرامية، فما الأسوأ من فقء عين أو قطع لسان أو انتهاك جنسي أو تعذيب حتى الموت في الأقسام، يتم أصلاً على يد قطاع طرق ينتمون للتشكيل العصابي المعروف باسم أمن الدولة، كما حدث للشهيد كريم في قسم المطرية ؟

لم يكن قاطع الطريق المقال ينتمي لأمن الدولة، بل وكان محط سخرية ضباطه، ومع ذلك ارتكب من الفظائع ما يقترب من جرائم المغول في بغداد.

 ما يستحق التوقف عنده في هذه الإقالة من وجهة نظري هو توقيتها، الذي جاء في وقت من المفترض فيه أن يتظاهر الانقلاب أمام العالم بشيء من الاستقرار قبل مؤتمرهم الاقتصادي، الذي ينوون فيه بيع مصر بالقطعة في نهاية هذا الشهر، وهو ما ينفي الرواية الرسمية التي نشرتها إحدى الصحف الموالية للانقلاب، والتي تحدثت عن أن المسؤولية عن مجزرة الدفاع الجوي وعن مقتل شيماء الصباغ كان على رأس الأسباب التي أقيل بسببها. 

التوقيت ربما يدل على أن هناك محاولة من جانب مجرم الانقلاب لغسل يده من المجازر البشعة التي ارتكبها مع شريكه قاطع الطريق، خلال الفترة السابقة. وهو ما يشي بأن المرحلة قبل الأخيرة من الانقلاب قد بدأت وبدأ يأكل أقرب المقربين إليه، وربما كانت الطريقة المهينة التي أقيل بها ذلك القاتل دليلاً آخر على تأفف شريكه منه ورغبته في التخلص منه بسرعة، حيث كان يلقي كلمة في احتفال لداخلية الانقلاب وسط ضباطه وعلموا خبر عزله خلال إلقائه كلمته.

فهو في النهاية مجرد كبش فداء يتم التضحية به حين يضيق الخناق على شريكه الآخر. جاءت إقالته على ذلك النحو المتعجل بطريقة تشير إلى أنه أصبح عبئاً على الانقلاب ككل، وأن التخلص منه ربما كان نتيجة لإملاءات غربية في الغالب، وهو ما يحدث عادة مع خيل الحكومة حين تستنفذ الغرض منها، وهو نفس ما سيحدث مع شريكه الآخر التعس قزم الانقلاب، مع الوقت إن شاء الله.

 حين يستدير مجرم ليطعن شركاءه المجرمين، فاعلم أنه يحاول الدفاع عن وجوده ذاته، ووزير داخلية الانقلاب لم يكن مجرماً عادياً، بل شارك في مجازر رابعة والنهضة ورمسيس وغيرها من المجازر، وكان يتحرك بمنتهى الحرية ويطلق التصريحات المتبجحة، وهو الصندوق الأسود للانقلاب، والتخلص منه بتلك الطريقة المخزية وقبل مؤتمرهم الاقتصادي، لا يعني ذلك إلا أن الأزمة التي تعصف بالانقلاب من الداخل أكبر حتى من تقديراتنا. 

وخلال ما يزيد عن عام ونصف هي عمر ذلك الانقلاب المشوه، تراكمت لدى المعسكر المعارض للانقلاب خبرة معقولة في تحليل قرارات تلك العصابة وارتفعت درجات الوعي إلى مستويات غير مسبوقة، فلم يلق الكثيرون بالاً إلى الطريقة المباركية التي تم بها تعيين وزير داخلية من داخل أمن الدولة، وأدرك الجميع تقريباً أن ذلك التعيين قُصِدَ منه فقط الإيحاء بأن الانقلاب ثابت، وأن تغيير الوجوه لا يتعلق بالمجرم المعزول بل بضرورات جديدة تحتاج إلى وزير من أمن الدولة.

ولا أستبعد ما ذهب إليه كثيرون من أن قزم الانقلاب قد يحاول التخلص من شريكه السابق باغتياله لدفن أسرار المجازر التي اشتركا في ارتكابها، ففي قصة ريا وسكينة (التي اعتبرها المرجع الأهم لفهم نفسيات وقرارات تلك العصابة، تشاجر أفراد العصابة عند القبض عليهم وتبادلوا الاتهامات، وحاول كل منهم تخليص نفسه من حبل المشنقة على حساب زميله)، وهو نفس ما أتوقع أن يحدث في الفترة القادمة، فأتوقع أن يتم التضحية بالمزيد من أكباش الانقلاب، خلال محاولات القزم لحماية نفسه.