مقالات مختارة

من الصومال.. علينا أن نشكر الله

1300x600
كتب سفيلاي يوكسلير: لقد كان من حسن حظي أنني استطعت حضور رحلة رئيس الجمهورية السيد "أردوغان" إلى إثيوبيا وجيبوتي والصومال. فلو فكرت لأربعين سنة، لما خطر لي أنني في يوم سأزور أحد هذه البلدان الثلاثة! فأنا حتى اليوم لم أتلقَّ أي نصيحة بالسفر إلى هذه البلدان من أصدقائي الذين يعيشون فيها، بل إني على العكس تلقيت نصائح بعدم الذهاب إلى هناك؛ بسبب انتشار أمراض الحمى الصفراء، والملاريا، والإيدز، والإيبولا.

 في الحقيقة، أنني حين تلقيت الدعوة إلى الذهاب من المكتب الصحفي الرئاسي شعرت بالتوتر في البداية؛ فما الذي سيفعله السيد رئيس الجمهورية في بلد يصعب دخول أحد، حتى منظمة الصحة العالمية، إليها؟ لم نفهم هذا الأمر إلا بعد أن ذهبنا، وخاصة في الصومال التي بلغ فيها الفقر والجوع حد الذروة.

 ليس الفقر فقط، ولكن الوحدة، والانعزال أيضاً أصبحت تُرى في شرق أفريقيا على أنها قدر!... هذا هو الأمر الذي كان واضحاً في كل من أديس أبابا، وجيبوتي، ومقديشو.

 لقد كانت ملصقات السيد "أردوغان" التي تملأ شوارع المدن الثلاث، والحب الذي أظهروه لنا، دليلاً على وحدة هذه البلاد. وقال الشيخ نصر الدين الذي قام باستضافة الصحفيين لمدة في أديس أبابا، وكان قد تلقى تعليمه في تركيا: "إن إقامة السيد أردوغان ليومين في بلدنا التي ينظر إليها القادة عن بعد بعين الشفقة، ولا يتنازلون لزيارتها، أسعدت كبار دولتنا وشعبنا كثيراً".

في إثيوبيا، لم تكن هناك مشاكل أمنية غير عادية، ولكن في الصومال كان التفجير الذي حدث حين كنا لا نزال في أديس أبابا، إشارة إلى خطر كبير. وهناك من يدعي أن التفجير الذي حدث أمام الفندق الذي نزلت فيه الهيئة القادمة من تركيا كان رسالة تقول لـ"أردوغان": "لا تأت إلى هنا!". 

في هيئتنا كان هناك رجال أعمال، ووزراء، ونواب. لقد كان خبر التفجير الذي قامت به جماعة "الشباب" الذي أودى بحياة خمسة مواطنين صوماليين يشكل بالنسبة لنا قنبلة أخرى سقطت علينا. جميعنا توترنا وظننا أن زيارة الصومال ستلغى. ولكن بعد وقت قصير صرح مسؤولو الرئاسة بأن السيد "أردوغان" حتماً سيقوم بهذه الزيارة. وأضافوا: "من لا يريد بإمكانه ألا يأتي".

وفي صباح اليوم الذي استيقظنا فيه للذهاب إلى الصومال، جاءنا خبر وفاة ملك المملكة العربية السعودية، وبالطبع جاء معه خبر توجه السيد "أردوغان" إلى السعودية لحضور الجنازة، فتغير البرنامج وقررنا الذهاب نحن إلى جيبوتي مساءً، ثم كان السيد "أردوغان" سيذهب إلى هناك بعد مراسم الجنازة.

قد يكون أغلبنا فكر بأن ما حدث هو إشارة من الله لنلغي رحلتنا إلى الصومال، ولكن بعد مدة قصيرة صرح المسؤولون بأن السيد "أردوغان" سيقوم حتماً بزيارته للصومال، وهذا ما حدث بالفعل. 

فخرجنا من جيبوتي، وتوجهنا إلى مقديشو، وفور وصولنا حضرنا مراسم افتتاح المطار "Albayraklar"؛ لقد كان مهيباً أكثر مما تصورنا، فظننا أن جميع البلدان التي سننزل فيها لاحقا مثله. 

ولكننا اكتشفنا أن هناك في مقديشو، بل في كل الصومال، مبنيين حديثين فقط؛ هما المطار الذي افتتحناه، ومستشفىً بُني من قبل الأتراك ومُنح للصومال!... حقاً لم يكن المنظر الذي رأيناه يصدق!
 يدّعون أننا نسير في مدينة، ولكنّ جل ما رأيناه لم يكن سوى بيوت من تنك تم بناؤها وسط أكوام القمامة، وبشر فقراء! وكان السؤال "إن كنا نحن البشر فمن هم هؤلاء؟"، يتردد في أذهاننا. في تلك الأثناء تمت حماية الموكب بشكل شديد بسبب خطر جماعة "الشباب"، وركبنا جميعاً عربات مدرعة ضد الرصاص، وليس السيد "أردوغان" فقط.

خلاصة الكلام: لقد بلغت قلوبنا الحناجر لثماني ساعات في مقديشو. فما فعله السيد "أردوغان" كان مخاطرة كبيرة حقاً؛ فقد كان بإمكان الإرهابيين في أي لحظة ومن أي مكان الخروج والقيام بهجمة!
في النتيجة، أشكر الله كثيراً لأني أعيش في هذه الأرض، وفي هذه المنطقة، وأدعو الجميع لشكره على ذلك... لنشكره حقاً!

(صحيفة "صباح"- ترجمة وتحرير "تركيا بوست")